إيقاظ النيام بوخزات الآلام
الشيخ عمر القزابري
هوية بريس – السبت 15 غشت 2015
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه اجمعين، أحبابي الكرام:
آه، تذكرت الأبطال، تذكرت الرجال، انفسح أمام مخيلتي المجال، من أنا؟ أين أنا؟ ما هذه الحال؟ أيقينا أرى أم هو الخيال؟
آه، تذكرت أيام عز عشتها بين ثنايا الصفحات، أقلب الوجدان بين تلك العرصات، فأرى ابن الخطاب يمتطي صهوة الجواد، يطوف ينثر العدل في كل ناد، طويل القامة، مرفوع الهامة، قد دانت له البلاد، وانقادت له طوعا قلوب العباد، ثم أقلب أخرى فأرى فارس الفرسان، وبطل الميدان، حمزة عليه الرضوان، أرى العز منتشيا بين ثنايا اسمه، فأنادي نفسي، من أنا؟ أين أنا؟ هؤلاء الأسلاف، فما بالنا نحن قد نحرنا سيف الخلاف؟
أرى الصهر الولي، سيدنا علي، وحكايات مجده ترويها الأيام، ثم أرى ابن الوليد شامخا قد بناه الإسلام، وأرى وأرى ووو، وكلهم بين الصفحات عرفتهم، وفي سماء الوجدان قابلتهم، ثم أغلق الكتاب، فلا أرى إلا السراب.
ثم ما ألبث أن أعود إلى الصفحات، هروبا من سياط اللفحات، لفحات واقع الألم، أستمد من أخبارهم الأمل، فأقول في نفسي: قد قرأت أخبار رجالهم فأين النساء؟ فأقرأ فأرى السناء، أرى العفة أرى الحياء، أرى أمنا خديجة الكبرى، فتعتريني الفرحة والبشرى، ثم أنتقل إلى أمنا الصديقة، العالمة الرفيقة، فوقفت في سيرتها على الحقيقة، حقيقة العزة والكرامة..
رأيت في سيرهن حقيقة الحرية، السابحة في آفاق العبودية، واليوم أرى الحمائم تنوح على الأيك، قد ظهر الحق وسقط الإفك، إفك الحرية المزعومة التي يريدون، والتي بها ينادون ولها يؤصلون، حرية البغي والعري، والمجون والغي.
أما البطون فقد كشفت، وأما الصدور فقد ظهرت، وأما الافخاذ فقد برزت، أنثى بين الملأ تحمل سيجارة، وأخرى تعزف القيثارة، يا بنت الإسلام، أصابتك سهام اللئام، فأخرجوك من خدرك، وخدروك بالأوهام، ونسيت أن الله يدعو إلى دار السلام، العري طافح، والمجون لافح، وبرز العدو واختفى المنافح.
هناك كلام وأي كلام، ينبغي أن يصلك يا بنت الإسلام، إنه كلام السيد الممجد، سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ،يقول الصادق الأمين (صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) أخرجه مسلم.
فما عليك بعد هذا إلا التبري، من مصيبة التعري، ولا تغرنك شبه المبطلين، فشتان ما بين حجة تتبختر اتضاحا، وشبهة تتبخر افتضاحا، الحق واضح لمن قصد، ولا يخفى إلا على من به رمد، فاستري ذلك الجسد، واذكري عقاب الواحد الصمد.
آه ثم آه.. رجعت ثانية إلى الصفحات، وضربت صفحا عن الملهيات، لأرى كيف كانت الهمم عالية عند من سبق، وكيف اعتراها الفتور عند من لحق، فوجدت أقواما همتهم مكابدة الليالي بالقيام، والأيام بالصيام، يخافون يوما ينفخ فيه في الصور فإذا الناس قيام، فهذا يبكي وذاك ينوح، وآخر يشكي وبسره يبوح، ووجدت آخرين همتهم في الذكر، والسياحة في معارج الفكر، وآخرين يرحلون لطلب العلم، وطرق أبواب الفهم، ورأيت العجب العجاب، حتى كدت أفقد الصواب، ثم عدت إلى الواقع، فإذا الديار بلاقع، إلا من رحم العزيز الغفار، ولا تخلو من خير دار، تهافت على الملاهي، وصراخ في المقاهي، والبعض أقصى ما يتمنى ويريد، مشاهدة مباراة برشلونة ومدريد، والمنادي ينادي حي على الفلاح، فيحجب صوت نداءه الصياح، همم مقصورة على اللباس، وأخرى في الذهب والماس، وأخرى في مسابقات الغناء، وهم ونكد وعناء.
أما التسويق فلا تسل، يرفع القزم ويقزم الجبل، لست متشائما وليس طبعي، ولكني أحب قومي وربعي، كتبت هذه العبارات، ودبجت هذه الإشارات، وأنا أرى واقع الشارع، وكيف نجح التخطيط الماكر المائع، في صرف الناس عن الحقائق، والايقاع بهم في حبال البوائق، هذا والمواعظ تترى، وكأن الناس لا ترى، أوجاع وجنائز وقبور، نمر عليها لكن الفكر في القصور، نعلم يقينا أن الدنيا ستنتهي، ولكننا لا نرعوي ولا ننتهي.
فالله الله أيها الأحباب، لنبادر قبل أن يغلق الباب، وينادى رب ارجعون، وذلك طبعا لا يكون.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، محبكم وحافظ عهدكم وودكم عمر بن أحمد القزابري.