هل الإسلام ديانة حرب؟
أحمد هيهات
هوية بريس – الأربعاء 19 غشت 2015
مما لا ريب فيه أن المسيحية كديانة سماوية هي ديانة تسامح شأنها في ذلك شأن باقي الديانات السماوية الحقيقية كالإسلام، فهذه الديانات أنوار تنبثق من مشكاة واحدة لجلاء دجى الغرور من حياة الإنسان الدنيا الأسحر من هاروت وماروت، غير أن واقع هذه الديانات لا جوهرها وحقيقتها، قد يتغير بسبب تصرفات الإنسان وأتباعه أهواءه وأمانيه، خصوصا إذا ما أوكل الله إلى الإنسان أمر حفظ ديانته كما حصل مع الديانة المسيحية التي اتخذها الغرب مطية ضعيفة الأساس ومناطا متهافت القواعد لتبرير كل ما يشتهي من أقوال وأفعال، ولتزييف وعي الناس والتلبيس على أفكارهم وإثارة الأغاليط في أذهانهم.
ومن أمثلة ذلك ما تمارسه المؤسسة الدينية الأمريكية ممثلة في القس فرانكلين غراهام كبير وعاظ البنتاغون والرؤساء الأمريكيين الذي يعمل في السريرة والعلانية بوجه صفيق على تسويد صورة الإسلام وتشويهها واختلاق الفضائح والقبائح حولها، خصوصا بعد أحداث الـ11 من شتنبر المريبة لتبرير وحشية أمريكا وبربريتها تجاه أعدائها الحقيقيين والمصطنعين، وما فتئ هذا القس يؤكد أن الإسلام لم يتغير منذ 1500 سنة وهو نفسه “ديانة حرب” معضدا كلامه باستحضار تنظيمات من صنيع دولته كداعش وطالبان معمما ذلك على دين الإسلام جملة واحدة، مقدما في المقابل نصرانيته لا نصرانية المسيح عليه السلام على أنها نموذج فريد في التسامح واحترام اختيارات الآخر لا ترقى إليه باقي الديانات مهما استفرغت في ذلك وسعها.
وقد أغمض القس عينيه عن الحقائق الساطعة والأدلة القاطعة عن تسامح الإسلام وتقديسه للحرية في أبهى صورها، وبالمقابل ضيق صدر المنتسبين إلى المسيحية ونهجهم سبيل الإكراه والقهر والإخضاع والقسر في ما يتعلق بالاعتقاد والتدين بالديانة المسيحية وهذه بعض النماذج المؤكدة، فقد سمح الرسول الكريم لنصارى نجران بالصلاة في مسجده حيث دخلوا عليه المسجد حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات (من برود اليمن) فلما حانت صلاتهم قاموا في مسجد الرسول يصلون، فقال الرسول: دعوهم، فصلوا إلى المشرق. (سيرة ابن هشام ج1؛ ص:574).
وكان لعمر بن الخطاب خادم نصراني اسمه (أشق) يروي بنفسه قصته مع الفاروق فيقول: “كنت عبدا نصرانيا لعمر فقال: أسلم حتى نستعين بك على بعض أمور المسلمين، لأنه لا ينبغي لنا أن نستعين على أمورهم بمن ليس منهم، فأبيت، فقال: “لا إكراه في الدين”، فلما حضرته الوفاة أعتقني وقال: اذهب حيث شئت” (سيرة عمر لابن الجوزي، ص:87).
وكذلك كان شأنه مع امرأتين مسيحيتين الأولى هدم عامل مصر عمرو بن العاص بيتها لتوسيع المسجد دون رضاها بعد أن أعياه رفضها المقابل المغري، فلما رفعت مظلمتها إلى عمر أمر بهدم جزء المسجد وإعادة بناء بيت المرأة غير المسلمة، والمسيحية الأخرى لجأت إلى خليفة المسلمين عمر بسبب ضيق ذات اليد تطلب منه المعونة، فأمر لها بما يكفيها وعرض عليها الإسلام فرفضت وقالت: أنا راضية بما أنا عليه، فقال: أنت وما رضيت، وبعد انصرافها ابتهل عمر إلى ربه قائلا: اللهم إنك تعلم أني لم أرد أن أكرهها، وإنما أردت لها الخير، فلا تؤاخذني”. وكل ذلك خوفا من شبهة إكراه المرأة على تغيير دينها والدخول في الإسلام قسرا.
ومن الأمثلة البينة على تقديس الحرية من قبل المسلمين الذين فهموا الدين حق الفهم ما كان من القاضي ابن كمال باشا إمام الحنفية في عصره (توفي سنة 940 للهجرة) في اختلاف أئمة الأحناف في مسألة تنازع رجلين في طفل، أحدهما مسلم يدعي أنه خادمه والثاني مسيحي يزعم أنه ابنه، فحكم القاضي ابن كمال باشا للمسيحي مدعي الأبوة وذلك لأن الحرية في هذا المقام مقدمة على الدين .
وفي مقابل تسامح الإسلام في أوج قوته نقدم نماذج لتسلط المسيحيين عندما ظهروا على العالمين، ونستهل ذلك بالقرن المتصرم الذي عرف حربين عالميتين حصدت أرواح الملايين، وإلقاء أمريكا القنبلتين الذريتين على هيروشيما وناكازاكي واللتين قد تسببتا في قتل حوالي 220 ألف إنسان، من أجل ترهيب الاتحاد السوفياتي وتركيعه، وكذلك حروب فرنسا الدينية التي امتدت من سنة 1562 إلى سنة 1598 وخصوصا مذبحة سانت بارتليماوس أو القديس بارتليمي التي وقعت في 24 من غشت سنة 1572 حيث أصدر ملك فرنسا شارل التاسع أمرا بقتل الخوارج- البروتستانت في باريس فقتل حوالي 3 آلاف مسيحي بروتستانتي في ساعات، ثم انتقل الذبح والقتل إلى باقي المدن الفرنسية .
وقد كان موقف البابا من هذه المجازر في حق أبنائه من المعمدين غاية في العجب لأنه لم يغضب ولم يندد ولم يترحم على الأموات، بل دعا إلى إيقاد نيران الفرح وقرع الأجراس، وتخليد هذه المجزرة المروعة بجداريات فنية وسك عملة تؤرخ للحدث “السعيد” بالقضاء على آلاف المسيحيين الخوارج، وذلك إمعانا في سلب حرية المخالف من الديانة نفسها، تعبيرا عن ضيق صدرهم من اختيار مذهب مختلف في المعتقد نفسه، فكيف الحال إذا كان الخلاف في الدين والمعتقد؟.
ونختم هذه النماذج بشهادة للسير توماس أرنولد من كتابه “الدعوة إلى الإسلام”، يقدم فيها مقارنة بين قائدين أحدهما السلطان العثمان وثانيهما القائد المجري جون هنيادي خلال الحرب التي وقعت بين العثمانيين والمجريين تبين درجة التسامح لدى كل منهما ومدى تقديرهما لحرية التدين والاعتقاد إذ يقول: “وبحث جورج برانكوفتش عن جون هنيادي وسأله: “ماذا تصنع لو انتصرت؟” فأجاب: “أؤسس العقيدة الرومانية الكاثوليكية”، ثم بحث عن السلطان وسأله: “ماذا تصنع لديننا لو انتصرت؟” فأجاب: “أقيم كنيسة إلى جانب كل مسجد، وأدع مطلق الحرية لكل فرد في أن يصلي في أيهما شاء” (“الدعوة إلى الإسلام” النسخة المعربة، ص:170).