أوهام التحالف!
هوية بريس – عبد الخالق الزهراوي
“كل غريب للغريب نسيب !” هكذا تحدث العربي قديما بأمثاله السائرة عبر الزمن، ونجد المجتمع بكل ألوانه وأطيافه تتموج بداخله تيارات، وتجاذبات حسب الفئات المكونة له لتظهر سنة التدافع الكونية بملامحها التفصيلية، وملاحمها الثورية.
كل فئة أو طائفة تدعي لنفسها الكمال، وتجد الحرج الشديد عندما ينتقص من رؤيتها أو فكرها أو مذهبها، بل وتصاب بتشنج واضح عند نعت أحد أفرادها بنقص، فيظهر الدفاع عن الأفراد والجماعات والمصالح إما بإنشاء نقابات، أو تأسيس جمعيات لجلب المصلحة ودفع المضرة.
كل ما ذكرت سلوك حضاري حكيم، إلا أن هذا السلوك لا يخلو من خطورة تتجلى في رائحة العنصرية المقيتة، ونزعة الجاهلية الأولى التي ترى الولاء للأقرب، وتتفيأ ظلال مبدأ ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) بمفهومه الأول قبل أن يحسنه الدين ويرقيه .
ولنكن واقعيين أكثر بضرب الأمثلة وطرح الأسئلة : لنفرض أن زيدا من الناس كان يقود سيارته وارتكب مخالفة مرورية، وأوقفه رجل أمن وبعد التحية اكتشف أن المخالف من رجال الأمن، هل سيكون التعامل معه بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع المخالفين من باقي فئات المجتمع ؟
وهل يجد من يشتغل في مجال الصحة تلك المشقة التي تعترض سبيل غيره من عامة الناس وهو يلج بوابة مشفى عمومي أو خاص قصد الاستشفاء أو طلب العلاج لأحد أفراد عائلته ؟ طبعا لا، لأن نزعة ذلكم التحالف الوهمي ستجعل له مكانة دون غيره، والمجتمع الذي يبالغ في استغلال هذا التحالف لن ينجح لأن عبارة : ( فلان منا) تفتح الباب على مصراعيه أمام الطامعين المغرورين، والفاشلين الانتهازيين الذين تريح مسامعهم مأثورة من قبيل ” لي عنده أمه في العرس ما يبات بلا عشاء”، وآخر صيحة في سائل الإعلام قضية اغتصاب القاصرات بجهة طنجة، وما رافق ذلك من الإسراع في إلزاق التهم بالجملة والتفصيل للإمام الفقيه من لدن بعض الإعلاميين الذين يجدون متعتهم في تشويه صورة كل من اختار على دينه وعقيدته، ويرون فيه السبب الرئيس في توقف السير الحضاري أو تراجعه، وكأن المسجد وما يدر في فلكه هو العائق دون تقدمنا، ولولاه لكنا في صفوف دول العالم الأول !
أعود إلى قضية الإمام المتهم، من المبادئ الأولى في القانون هي أن المتهم برئ حتى يثبت غير ذلك، وذلك معلوم من الصحافة بالضرورة لكونها سلطة، لكنها عندما ارتبطت بالتحالف الوهمي عميت بصيرتها على الحقيقة بسبب الولاء والبراء .
وفي المقابل نجد الأئمة يبرئون المتهم جملة وتفصيلا مما نسب إليه دون انتظار حسم الأمر من لدن النيابة العامة، وهم بذلك لم يتخلصوا من ربقة ذلك التحالف الوهمي الخطير الذي قد يجعل الحق باطلا والباطل حقا إذا لم تؤخذ الأمور بتعقل وحكمة .
الأمة عندما تتجزأ وتنشطر ينفرط عقدها وتنقل التنازلات تباعا فيصبح الولاء يجمع الجهة بدل الوطن ثم المدينة انتقالا إلى الحي وصولا إلى الأنانية الماحقة.