أزمة ماكرون والنظام السياسي الفرنسي

04 أكتوبر 2020 22:27
أزمة ماكرون والنظام السياسي الفرنسي

هوية بريس – ذ.طارق الحمودي

حينما خرج الرئيس الفرنسي ماكرون ليقول: إن الإسلام يعيش أزمة، علمنا أن فرنسا تعيش أزمة، من باب رمتني بدائها وانسلت، والظاهر أنها تنسل من غضب الشعب الفرنسي المتزايد يوما بعد يوم.

ثم شواهد كثيرة على أن فرنسا تعيش أزمة حقيقية، فبعد أن انتخب ماكرون، تفطن المثقفون الفرنسيون غير المتصهينين لكون فرنسا داخلة إلى مرحلة متقدمة من التحلل السياسي والاقتصادي والثقافي، فحصول ماكرون صاحب الزوج العجوز على منصب الرئاسة عنى لهم استحواذ الدولة العميقة العالمية على ما تبقى من استقلال فرنسي عن النظام العالمي الجديد، وقد لعبت الصهيونية دورا كبيرا في توهين الدولة والمجتمع، وصارت فرنسا تعيش مرحلة سقوط متسارعة، لا ينجيها منه إلا ثورة تستعيد الدولة، وتقيم جمهورية جديدة، لكن الظاهر أن السقوط سريع، وكل المحاولات تبوء بالفشل، ويعيش النظام الفرنسي اليوم حالة هلع سياسي واقتصادي.

وصلت حال الدولة الفرنسية إلى أكل أطرافها حفظا لرأسها، فرفعت رسوم الضرائب، مع أزمة اقتصادية خانقة بسبب تغول اللوبي الروسي في السياسة الفرنسية، وتضخم التنين الصيني الآكل للاقتصاد الفرنسي، وهو أمر أدخل فرنسا في صراع بين الدولة العميقة ووكلائها في الحكومة وبين الشعب الذي تولت السترات الصفر الحديث باسمه، ولا يزال الأمر على حاله.

في مالي، يفلت زمام الأمر من يد الفرنسيين ،ليقع غالبا بيد الأمريكيين ،الذين يبحثون عن بدائل قريبة عوض محلاتها القديمة في الشرق الأوسط التي أنهك حضورها فيه جيوب دافعي الضرائب الأمريكية، وكثّر من صناديق قتلى الجيش، وعهدهم بحرب فيتنام قريب، أضف إلى ذلك مطالبة بعض الدول الأفريقية من المستعمرات القديمة من فرنسا سحب أموالها وودائعها من البنك المركزي الفرنسي، وهي قاصمة.

يتحدث الفرنسيون اليوم، عن فقدان الجمهورية الفرنسية لأراضيها داخل حدودها ،فكثير من الضواحي في باريس وغيرها تسيطر عليها جماعات مسلحة، تمارس التوحش الاجتماعي في أبشع صوره، ولا تستطيع الشرطة دخولها، بل تحتاج فرنسا لتحريرها للجيش.

بعد انتشار النقاب في فرنسا ،وانتقال المسلمات من الاكتفاء بالحجاب إلى ارتداء النقاب الذي يمثل عند المراقبين الفرنسيين علامة على تقدم الثقافة الإسلامية على حساب الثقافة العلمانية الفرنسية ،أصدرت فرنسا قانونا يمنع من النقاب ويغرم لابسته.

ثم يصاب العالم بالوباء، فتلزم فرنسا الرجال والنساء بالنقاب، لغة ومعنى، فإن معناه الثوب الذي يغطي الوجه إلا العينين.

وحينما لم تستطع فرنسا ولا عملاؤها ولا مرتزقتها الإعلاميون والفكريون صد زحف طارق رمضان على الثقافة العلمانية الفرنسية المتهالكة ،سلطت عليه المكر والخداع والمؤامرة، وأوقعته في تهمة الاغتصاب، ثم فوجئت بالإسلام في عقر دارها الثقافية، التي تمثل حصنا من حصون هويتها، فصدمت برؤية فتاة من أصول فرنسية مسلمة، مغطية شعرها ،رئيسة وممثلة لطلاب السوربون، فأطلقت عليها “شارلي إيبدو” والإعلام الفرنسي المرتزق، فهاجموها ،فلم يفلحوا، بل وجدوها فجأة جالسة في إحدى الغرف التابعة للبرلمان الفرنسي، وقبلها الأم المحجبة التي رافقت ابنها في لقاء بين أولياء أمور التلاميذ وأعضاء في البرلمان ،فكان رد فعل أدعياء الحقوق والحرية أن يخرجوا من القاعد اعتراضا على مريم، وأمروا الأم بالخروج قبلها، فالقوم يصابون بالهلع عند رؤية الإسلام يدخل برلمانهم عن طريق المرأة ،التي طالما حذروها من عنصرية الإسلام وظلمه لها.

حينما ظهرت كورونا، تأخرت الحكومة في أخذ قرار مناسب، فوقعت الكارثة في المجتمع الفرنسي، وثبت أنها غير قادرة على إدارة أزمة كبيرة من هذا النوع، لأنها تعيش أزمة إدارة.

وحينما وقع انفجار لبنان ،ظنت الحكومة الفرنسية أنها فرصة مناسبة، فهرع ماكرون إلى الشارع الفرنسي، واقترح نموذجا سياسيا للخروج بالبلد من أزمته السياسية، رغبة في الحصول على موضع قدم في الدولة المترهلة اللبنانية، ففشلت محاولتهم، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وكانت خيبة أمل.

أما مع تركيا، فإن فرنسا أثبتت للعالم أنها لم تعد دولة قوية، فقد أفشل الأتراك مخططها في وضع قدمها في شمال سوريا عن طريق الأكراد، وفي ليبيا، بعد دعمها لحفتر، وفي شرق المتوسط، في اليونان، حين هيجتها على تركيا، وها هي اليونان اليوم تفاوض تركيا بعيدا عن فرنسا، ثم ها هي تحاول استفزاز تركيا بدعم أرمينيا ضد الأذريين الأتراك، فرنسا اليوم تستنزف قواها هنا وهناك، ولا ترجع بخفي حنين.

تعيش فرنسا إذن أزمات داخلية، وأخرى خارجية، ومع كل هذا، يخرج ماكرون ليقول: الإسلام يعيش أزمة…!!

هذا ما خطر لي في عجالة، وكتبته في عجالة…

آخر اﻷخبار
3 تعليقات
  1. مصطلح أزمة الإسلام ليس من بنات افكار ماكرون بل هو مستعار من المستشرق اليهودي برنارلد لويس الذي الف كتابا بنفس الاسم ‘أزمة الاسلام’ وبرنارلد هو صاحب مقترح التقسيم الجديد للدول السنية وتفتيت المفتت وهو الاب الروحي للمحافظين الجدد

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M