غزة .. فيروس كورونا يعيد مدرسة في عقدها الثامن إلى ممارسة التدريس ..
هوية بريس – وكالات
بعد مرور 20 عاما على تقاعدها من السلك التعليمي في تخصص “الرياضيات”، عادت السيدة الفلسطينية إكرام الأسطل (80 عاما) من قطاع غزة، للعمل، بشكلٍ تطوعي، لمساعدة الطلبة على فهم موادهم التعليمية.
وتأتي هذه المُساهمة في ظل سياسة “التعليم الإلكتروني (عن بعد)”، التي أفرزتها جائحة “كورونا”.
ويشكو الأهالي من سلبيات عديدة لـ”التعليم الإلكتروني”، أبرزها عدم فهم الطلبة للمواد المطروحة، عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي أو المواقع المُخصصة، إلى جانب عدم القدرة على توفير متطلباته.
وفي 24 غشت الماضي، أغلقت المدارس أبوابها أمام الطلبة، عقب فرض حالة حظر التجوال، إثر اكتشاف أولى حالات الإصابة بفيروس كورونا، داخل المجتمع.
وتقول الأسطل، وفق ما أوردته “وكالة الأناضول”،، إن أعدادا من الطلبة يترددون لمنزلها أو أي منزل قريب تكون متواجدة فيها، كي تشرح لهم دروس “الرياضيات” بشكل أفضل.
وعملت الأسطل بهذه المهنة في البحرين (كانت حاصلة على شهاد الثانوية العامة فقط)، منذ عام 1964 لمدة 33 عاما.
وحينما عادت إلى قطاع غزة عام 1995، استكملت مسيرتها المهنية لمدة 10 سنوات أُخر إلى حين تقاعدها.
** بداية المساهمة
بدأت فكرة مساهمة الأسطل، في شرح دروس الرياضيات للطلبة بعدما شكت جارتها من عدم مقدرة ابنتها “سجى” على حلّ مسألة رياضية معقّدة، كما قالت.
بادرت الأسطل آنذاك، لمساعدة هذه الفتاة في حل المسألة، وقد نجحت فعلا في ذلك، الأمر الذي دفعها لتطرح عليها فكرة شرح الدروس لمساندتها في فهم المادة.
تحمسّت الطفلة لهذه الفكرة، وبدأت رحلتها مع الدروس المجانية في الرياضيات عند الأسطل، حسب قولها.
وانتشر الخبر، في مكان سكن الأسطل، ما دفع بقية الجيران لإرسال أطفالهم للتعلّم.
** دون أجر
في منزلها الواقع بمدينة غزة، تجلس السيدة الأسطل وسط ثلاثة طلبة، تشرح مادة الرياضيات بـ”شغف”.
بيديها المجعّدتيْن، تمسك الأسطل بالقلم لرسم شكل توضيحي لمثلث قائم الزاوية، لاستكمال الدرس الذي تشرحه للطلاب.
كما تستعين بالأدوات حولها كالساعة والكؤوس، لتوضيح الدروس للطلبة، بأسلوب تقول إنه قائم على “تسخير الواقع المعايش لخدمتهم وتبسيط دروسهم”.
ولا تتقاضى الأسطل، أي مقابل على شرح الدروس.
وتضيف أنها شعرت بضرورة أن تعود للعمل، وذلك لخدمة الطلبة، الذين هم بأمسّ الحاجة لها اليوم.
وتشعر الأسطل بالسعادة الغامرة، بعدما عادت لهذه المهنة بعد سنوات من “رتابة التقاعد”.
في المقابل، يتحمس الأطفال لهذه الدروس حيث يقولون في أحاديث منفصلة، إن هذه المساهمة ساعدتهم بشكل كبير، خاصة في ظل كورونا وعدم تمكّنهم من التوجّه للمدرسة.
ولم تخلُ هذه الجلسة من تفاعل الطلبة مع الدرس.
وتساعد هذه المساهمة، أهالي الطلبة في توفير ثمن الدروس الخصوصية، سيما في ظل تردّي الأوضاع الاقتصادية، التي فاقمتها جائحة كورونا.
وتمتنع آلاف العائلات بغزة، عن توفير هذه الدروس لأبنائها، بفعل تكلفتها المادية التي تشكّل عبئا عليهم.
ويعاني القطاع، الذي يقطن فيه أكثر من 2 مليون فلسطيني، من أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية للغاية، جراء الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ 2007، فيما تسببت جائحة كورونا بمفاقمتها.
كما يعاني نصف سكان غزة من الفقر، فيما يتلقى 4 أشخاص من بين كل 5 مساعدات مالية، بحسب إحصاء للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية مقرها جنيف)، أصدره نهاية يناير الماضي.
ومع بداية 2020، ارتفع مؤشرا الفقر والبطالة في القطاع المحاصر إلى 52 بالمئة و50 بالمئة، على التوالي، فيما يشير اقتصاديون إلى زيادة هذه النسب بفعل تداعيات الجائحة، دون تحديدها.
من جانب آخر، عُرف عن السيدة “الأسطل” حبّها للخير، حيث تشارك بشكل شبه يومي، وجبات الطعام، الذي تطهوه لنفسها، مع الجيران.
كما تُلقّب في منطقتها بصاحبة “الأيادي البيضاء”، حيث لا تتوانى عن تقديم المساعدات للمحتاجين، دون انتظار أي مقابل.