نبذة عن تاريخ المقاطعة وأضرارها على الدول المسيئة للرسول
هوية بريس – مصعب خرفان
إن حاجة المرء إلى التعبير عن الغضب أو الحفاظ على احترام الذات، أو حتى تعزيزها، يمكن أن تحفز المشاركة في المقاطعة، كما أن المشاركة في المقاطعة التي تدعو إليها مجموعة يتماهى معها الفرد تجعله أيضًا يحافظ على الشعور بالانتماء، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون إحساس المرء بالالتزام الأخلاقي دافعًا مهمًا للمقاطعة.
والمقاطعة لا تحتاج إلى جهد ولا مخاطرة ولا عناء، إنما هي فقط تجاهل تلك المنتجات التي تنتجها الدولة المسيئة وتصدرها لتكسب منها ماديًّا، وتتمثل المقاطعة بتركها على الرفوف وعدم شرائها نصرة لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وحث الناس أيضًا على وقف شرائها.
وقد يتساءل البعض، هل ستنجح حملات المقاطعة في ردع هذه الأفعال المقيتة المستفزة لمشاعر ما يقارب 1.8 مليار شخص مسلم حول العالم؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه فيما يأتي…
للمقاطعة أهمية كبيرة نظرًا لتداعياتها المحتملة على أداء الأفراد أو الشركات أو الدول، وغالبًا ما تكون ناجحة، فإن مجرد إعلان المقاطعة قد يكون له آثار سلبية على اقتصاد الدول وشركاتها وعلى سعر سهم المنظمة، ما يدفعها إلى اتخاذ استراتيجيات دفاع تفاعلية أو إجراءات تصحيحية.
عندما يقاطع المستهلكون دولة أو شركة ما، فإن مبيعاتها ودخلها وتدفقاتها النقدية غالبًا ما تنخفض، ومن ثم ينخفض سعر سهمها، وقد أجريت بحوث لإثبات أن المقاطعات تؤدي إلى خسائر اقتصادية مهمة في أسعار أسهم الشركات المستهدفة، أكدت نتائجها بعد فحص أربعين إعلان مقاطعة بين عامي 1969 و1991 وجود ردود فعل ذات آثار سلبية وآثار كبيرة على سعر السهم.
غالبًا ما تنجح المقاطعات في إجبار هدف المقاطعة (الشركة أو الحكومة أو الفرد) على تغيير سلوكه الفظيع. ربما يرجع هذا التصور إلى عدد من المقاطعات البارزة التي أدت إلى “نجاحات مذهلة للمجموعات الضعيفة نسبيًا”، ومن أهم الاضطرابات التي حدثت الاضطرابات في الأراضي الفلسطينية، والحرب في العراق، والدعم الأمريكي لإسرائيل، والرسوم الكاريكاتورية الدنماركية التي اعتبرت تجديفًا في العالم الإسلامي بسبب تصويرهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بطريقة ازدرائية، ومعاداة الهولنديين للإسلام، وعرض فلم «فتنة» الذي غزى المشاعر المعادية للغرب في الشرق الأوسط…
وقد أجبرت حملات المقاطعة الشركات الغربية على الانحناء تحت وطأة المقاطعة والاضطرابات الكبيرة في علاقاتها العامة، وإليك عزيزي القارئ توضيحا لما سبق، مثلًا:
إن مقاطعة عدد من الدول الاسلامية للمنتجات الدنماركية عقب قيام صحيفة بنشر الرسوم الكرتونية المسيئة تسببت في خسائر تقدر بملايين الدولارات للاقتصاد الدنماركي، وأدت المقاطعةإلى انخفاض مجمل الصادرات الدانماركية بنسبة 15.5% بين شهري فبراير/شباط ويونيو/حزيران 2006، بينما هبطت صادرات الدولة الأوروبية للشرق الأوسط إلى نحو النصف، حسب الإحصاءات.
وكانت إعادة نشر الرسوم في عدد من الدول الأوروبية -بعد أن ظهرت في الدنمارك- قد أثارت موجة من الغضب لدى المسلمين، وتحذيرات شديدة من «صدام الحضارات»، وقد نظم المسلمون في عدد من البلدان مقاطعة شعبية لما صدر عن الدنمارك.
وتشير الإحصاءات كذلك إلى أن الصادرات لأكبر سوق للدنمارك في العالم الاسلامي (وهو المملكة العربية السعودية) قد انخفضت بما نسبته 40%، كما انخفضت بنسبة 47% في إيران، ثالث أكبر اسواقها في المنطقة. وشهدت حركة الصادرات لكل من ليبيا وسوريا والسودان واليمن تقلصًا شديدًا كذلك. وكلف ذلك الاقتصاد الدنماركي 134 مليون يورو (نحو 170 مليون دولار أمريكي) مقارنة بنفس الفترة من العام الذي سبق (انخفضت مبيعات شركة Arla Foods السنوية من 430 مليون دولار إلى صفر تقريبًا في غضون أيام قليلة). وكان هذا سببًا لتعديل ما بين 33٪ و50٪ من الشركات المستهدفة بالمقاطعة لسلوكياتها عند مواجهة تهديد المقاطعة أو إطلاقها.
ونقلت إحدى وكالات الأنباء عن «بيتر ثالجيسن» (وهو كبير مستشاري اتحاد الصناعات الدنماركية) قوله: «إن المقاطعة كانت السبب الرئيس في ذلك بلا شك»، وأضاف أن «(الخسائر) كانت جسيمة بالنسبة للشركات المتضررة».
في إساءة من نوع آخر من قبل الكيان الصهيوني، وعند تنفيذه لهجوم ضد قطاع غزة، شهدت الحملات الدولية لمقاطعة إسرائيل نجاحًا متزايدًا أدى إلى سحب استثمارات أجنبية من إسرائيل ومستوطناتها.
ومع العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، أخذت الحملة زخمًا أكبر، ما جعل الأوساط السياسية والأمنية في إسرائيل تستنفر لمواجهة هذا التحدي.
فحققت حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة إنجازات ألحقت الاحتلال بخسائر تقدر بملايين الدولارات، واعتبرها رجال أعمال إسرائيليين خطرً محدقًا يهدد الاقتصاد الإسرائيلي (الذي وصفه بعضهم بالهش).
وقد قامت دعوة مقاطعة أخرى من قبل آلاف الناشطين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو إلى مقاطعة شبكة «نتفليكس»، بسبب إدراجها الفيلم الفرنسي «مينيون» على منصتها، والذي رأوا أنه يضفي طابعًا جنسيًّا على الطفلات بطلات الفيلم، وعبر المغردون عن غضبهم من المحتوى الذي تعرضه نتفليكس، واتهموها بالتشجيع على الاعتداء الجنسي على الأطفال، ووصفوا محتوى الفيلم بأنه شاذ ومنحرف وصادم، وشارك الآلاف صورًا توضح أنهم قاموا بإلغاء اشتراكهم في الموقع.
ودفعت أول موجة من الانتقادات في أغسطس/آب نتفليكس إلى سحب إعلان للفيلم الذي يحمل عنوان «كيوتيز» بالإنجليزية، وبدأ عرضه في الصالات الفرنسية في منتصف أغسطس. واعتذرت نتفليكس حينها عن استخدامها هذا الإعلان «غير المناسب»، بحسب وصفها.
حاليًا:
في الأوقات الحالية شن نشطاء ومدونون عرب في عدة دول حملات إلكترونية لمقاطعة المنتجات والبضائع الفرنسية، عقب تصريحات أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتبرت مسيئة للإسلام ورسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
ففي المغرب والجزائر ومصر والكويت والبحرين والسعودية وغيرها من الدول، تفاعل كثيرون مع حملة لمقاطعة البضائع الفرنسية، بعد تصريحات لماكرون أعرب فيها عن إصراره على نشر تلك الرسوم المسيئة للإسلام، “نصرة للقيم العالمانية” وفق قوله.
وأكد ماكرون في خطاب متلفز أن بلاده لن تتخلى عن الرسوم الساخرة، وذلك في معرض حديثه عن مدرس فرنسي قُتِل بعد نشره صورًا مسيئة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام. وقال الرئيس الفرنسي: «سنواصل أيها المعلم، سندافع عن الحرية التي كنت تعلمها، وسنحمل راية العالمانية عاليًا»، بحسب وكالة فرانس برس.
وتابع: «لن نتخلى عن الرسومات وإن تقهقر البعض، سنقدم كل الفرص التي يجب علينا أن نقدمها لشبابنا دون تمييز وتهميش»، وفي مؤتمر صحفي عقب زيارته لمديرية شرطة ضاحية سان دوني، شمال شرقي العاصمة الفرنسية باريس قال ماكرون: «لن نكلّ، وسنقدم كل الجهود اللازمة، الإسلاميون المتطرفون لن يمروا». بعدها تصدرت وسوم تدعو لمقاطعة المنتجات الفرنسية قائمة الوسوم الأعلى تداولًا على منصات التواصل في العديد من الدول العربية.
ونشر ناشطون قائمة بأهم المنتجات الفرنسية وأكثرها رواجًا حول العالم، داعين إلى مقاطعتها، وظهرت صورٌ لمتاجر في الكويت عليها شعارات تدعو إلى مقاطعة البضائع القادمة من فرنسا. وكان ماكرون قد قال منذ أسابيع: «الدين الإسلامي يعيش أزمة في جميع أنحاء العالم اليوم»، معتبراً أن ذلك “مرتبط بالأصولية والمشاريع الدينية والسياسية التي تتسبب في تصلُّب شديد”.
عن الباحثون المسلمون