أزمة إسلام أم أزمة مسلمين، محاولة فهم
هوية بريس – عبد الرزاق المزيان
قامت الدنيا ولم تقعد في الآونة الأخيرة عقب تصريحات الرئيس الفرنسي المستفزة لمشاعرالمسلمين، ومن ضمنهم مسلموا فرنسا نفسها، فالجميع لم يستسغ ما تفوه به رئيس دولة لطالما اعتبرت جنة الحرية وفردوس احترام حق الآخر في الاختلاف، كيف لا وشعار الدولة الرسمي هوالحرية والمساواة والأخوة؟
فأن يصف الرئيس ماكرون الإسلام بأنه في أزمة فذاك معناه أن الرجل يتهم المنظومة العقدية لأزيد من خمس سكان الأرض ويحملها مسؤولية ما يجري من مآسي ناجمة عن إرهاب فئة ممن ينتسبون للإسلام ويتكلمون باسمه ويفعلون مايفعلون تحت يافطته.
قد نجد للرجل بضع أعذار، ونسلم بكل براءة وحسن نية أن الرجل تصرف بدون روية بعد أن هاله ماوقع على المدرس الفرنسي من إرهاب ندينه، نتيجة فعلته التي لا تنسجم على أية حال مع مبادئ الجمهورية المنبنية على قيم احترام حق الآخر في الاختلاف، لكن أن يصر الرجل ويعيد الكرة في تشجيع سافر لدعاة السخرية من الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه وفي ذكرى مولده البهيج، فذاك معناه أن الرجل يعني ما يفعله وأن استفزازاته للمسلمين مبيتة وليست مجرد انفعالات لحظية عابرة.
فهل الإسلام يعيش أزمة كما يدعي الرجل؟
واقع الحال يشير أن مايقع من مآسي باسم الإسلام يعكس بكل تأكيد خللا ما في تنزيل المنظومة لا في المنظومة نفسها وهي التي أثبت التاريخ جدارتها في قيادة حضارة يشهد العدو قبل الصديق سموها على كل الحضارات على مر العصور. هنا تحضرني شذرات من درر العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين: يمتاز أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم كانوا جامعين بين الديانة والأخلاق والقوة والسياسة، وكانت تتمثل فيهم الإنسانية بجميع نواحيها وشعبها ومحاسنها المتفرقة في قادة العالم، وكان يمكن لهم – بفضل تربيتهم الخلقية والروحية السامية واعتدالهم الغريب، الذي قلما اتفق للإنسان، وجمعهم بين مصالح الروح والبدن واستعدادهم المادي الكامل وعقلهم الواسع – أن يسيروا بالأمم الإنسانية إلى غايتها المثلى الروحية والخلقية والمادية… فعندما تهب روح الإيمان في أي مكان ترى لهُ تأثير واضح كتأثير المطر على النبات أو كتحريك الرياح للسفن، فهذهِ القيادة الروحية المستقيمة كانت كجناح الأمان للشعوب ومنبت النهضة للأمم على الأرض.
لكن لماذا صارت رياح الإيمان الايجابية هاته عواصف تثير الزوابع وتجتث كل شيء في طريقها؟
لقد كذبنا على أنفسنا بما فيه الكفاية، إننا لم نعد خير أمة أخرجت للناس، لقد صرنا عالة على الأمم نأكل غلتهم ونسب ملتهم على رأي المثل المغربي الدارج. العلة إذن فينا، وإن كنا ندين مع كل عقلاء الأرض، تصرفات رئيس دولة يفترض فيه الكياسة (أوليس رجل سياسة؟) لكننا لن نضع رؤوسنا في الرمال كالنعامة ونلعب دور الضحية في كل مرة ونتهم فلانا بالتآمرعلينا وعلانا بالتواطئ ضدنا، فالرجل يستخدم كغيره (حتى من بني جلدتنا للأسف الشديد) ورقة الإسلام في وجه خصومه السياسيين من اليمين المتطرف الذين يركبون على هكذا أحداث لاستمالة الكتلة الناخبة بدغدغة عواطفها الإسلاموفوبية، ولهذا يشير البروفسور الفرنسي فنسان جيريس في كتابه الإسلاموفوبيا، المخاوف الجديدة من الإسلام في فرنسا : في الوقت الذي أوشك فيه الإسلام أن يصبح حقيقة وطنية وفرنسية- فرنسية، نجد تشكل رفض واضح للدين، كما لو أن العنصرية بوصفها شيئا بدهيا أصبحت تبحث عن “غنيمة” جديدة لعدائها: فكان الدين الإسلامي محددا لهوية غير قابلة للاختزال عند حد “النحن” و “هم”.
لكن ماذا بخصوصنا نحن؟ ما الذي دهانا حتى صرنا إلى ما صرنا إليه؟
الجواب عن هذه الأسئلة الحارقة التي ترهن حاضرنا ومستقبلنا بل ومستقبل البشرية جمعاء نتلمسه في معادلة صاغها أحد الذين فهموا المنظومة الإسلامية كما يجب، فكانوا نعمة على العالم لانقمة عليه، فهذا الفيلسوف المسلم بن رشد ( الذي كان هو أيضا أحد ضحايا انحطاط المسلمين) يعلنها بوضوح ودون تفلسف:
” الجهل يؤدي الى الخوف، الخوف يؤدي الى الكره، الكره يقود الى العنف”. هذه هي المعادلة …بكل بساطة!