رسائل من حادثة الرسوم المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم
هوية بريس – عبد الرحيم بيوم
النظر لما حصل في فرنسا (العالمانية المتطرفة) من محاولة الانتقاص من قدر نبينا صلوات الله وسلامه عليه والازدراء تبعا لذلك بدين الإسلام، له زاويتان من المهم لقراءة الأحداث النظر من خلالهما ودمجهما في منظار واحد لتوسيع الرؤية وجمع المتفرقات. ولتلمس طريق النصرة الذي ننشده جميعا. فمعرفة البواعث لتلك الإساءات المتكررة أول سبيل لوضع التفاعلات المتناسبة والناجعة للتصدي لها وإجهاض تأثيراتها.
ــ فمن حيث هم:
فإن ما حدث ما هو إلا صرخة ألم من ضربات معول الإسلام الذي يدك حصونهم الفكرية وأساسات بنيانهم الأيديولوجي. وهي صرخة استياء ويأس من تماسك المفاهيم الإسلامية ونهضتها أمام غزوهم المتلاحق على حصون الإسلام بشتى المحاولات ومن كل المناحي. وقد تكون لما تمر به الأجواء السياسية هناك علاقة وطيدة بذلك لكنها تبقى نسبية أمام الصورة الكاملة لحقيقة الصراع وأصوله.
ومن ذاك الصراع حول سيادة المفاهيم والرؤى الكونية المتباينة في مناطق رئيسة بين منظومة الإسلام وبين المنظومة الغربية ونصرة لها نشأ التجهيل والتشويه المتعمد للنبي صلى الله عليه وسلم ولدين الإسلام وإلصاق التهم الجاهزة له، والتشكيك في صلاحيته للتعايش والتمثل واقعيا. ناصبين في ذلك مراجعهم الفكرية حكما وميزانا في حرب لا أخلاقية تفتقر إلى النزاهة والموضوعية. تقود زمام ذلك آلة إعلام متوحشة موغلة في تفاصيل كل ما يغذي عملية التفكر ويبني مسار التوجهات، فانتشرت “الإسلاموفوبيا” بين الشعوب الغربية واشتعلت نيرانها كنتاج طبيعي لتلك الحرب الإعلامية الضروس.
ومن أعجب ما استدر دهشتي في سياقات هذا الهجوم الشرس ذاك التحجج بحماية جناب “حرية التعبير” لتدعيمه وتبريره وما هو إلا مجرد مظلة تحاول حجب شمس الحقيقة. واستجلابها في هذا الموطن وما يشابهه ازدواجية في الميزان القيمي لن يستطيع إخفاء العداء المتجه المتعمد لكل ما يمت للدين الإسلامي بصلة، وما مسألة الحجاب والتضييق عليه عن الأذهان ببعيدة والأمثلة غيرها كثيرة. فكيف تجعل من قيمة الحرية ميزانا وهو يزن كل حالة بضد الأخرى. فهناك يطلق لها العنان وهنا يحجر عليها. فالحرية لديهم قيمة مفرغة تملؤ حسب الأهواء والمصالح المتقلبة مع كل جيل وعصر ودولة.
وهي محاولة منهجية للتطبيع مع الإساءة للمقدس الديني وطمس الحراك الإيماني نحوه من حمية وغيرة وغضب لله ولدينه وهو هدف غائي لترويض ما تبقى من حب الدين في قلب المسلم. وهو أمر لا ينفك أذنابهم من مزاولته في بلاد المسلمين بتحريك الحديث بتشكيك أو طعن أو تهوين عن المقدسات مرة بعد مرة على صفحات القنوات والصحف الرسمية وغير الرسمية. واستجلاب كل حاقد وإقامة ندوات لذلك ومحاضرات يضخم من تأثيرها إعلام موجه فاقد للنزاهة والمسؤولية.
ــ ومن حيث نحن:
هي إهانة لنا نحن بالطعن في ركيزة من ركائز إيماننا لتوسيع وتعميق هوة مهانتنا وزيادة الحفر في قعرها التي يعلمها الجميع، فلولاها ما تجرؤوا علينا ولا على مقدساتنا. هي دليل صارخ على تقاعسنا واثقالنا إلى أرض المخالفة للدين وسلوك سبيل مغاير لمحجة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء، فبتنا ضلالا عنها في ظلمات ليل الهوى. فلو كان بأبي هو وأمي منصورا في بلدان (الإسلام) ما أهين في بلاد الكفر. فهوان المسلمين على الناس جعل من مقدساتهم غرضا يتناوله كل حاقد بلا أدنى مراعاة ولا مبالات. فهي رسالة تفتح بصائرنا لندرك حقيقة مكانتنا في درج الميزان العالمي. ونعرف مكامن ضعفنا فنعمل على تأسيس المفقود ورتق الفتق المتكاثر في بنياننا. وتصحيح مسالكنا المتفرقة.
وهي رسالة لنعلم منها قيمة نبينا صلى الله عليه وسلم ومحوريته في هذا الصراع التي أدركها الغرب، وفقدنا الإحساس بها والاعتزاز بها والسير على نهج كشفها وإبراز ما تحتويه شخصية النبي القرآنية من خصال سامية ونبل وشرف. فاستقراء سيرته بتأمل وتدبر كافية لبناء شخصية إنسانية تقارع موارد الضلال والظلم وتنصر معاني الحق والعدل في صورة لا تصل لعشرها جميع ما أنتجته (حضارتهم).
هي رسالة لنميز بما بقي معنا مما نملك من ذرة بصيرة من العدو ومن الصديق. لنزيل الغشاوة التي صنعها (الاستعمار) وأذنابه على ولاءاتنا، ومما يجلي هذا التغلغل المرضي من التودد لهم والمحبة ويحز في النفس ظهور طائفة منا وبيننا تبرر لتلك الإساءات بكل ما تستطيع من حيل وتلاعب بائس. فهم بيننا وولاء قلوبهم هناك.
وهي تنبيه لنتعلم منها قيمة اكتساب القوة المؤثرة بأنواعها المختلفة من تقوية الجنان مرورا باللسان إلى السنان. فنسعى لنتمكن منها ونسخرها في بناء -جهاد الدفع والفتح بمناحيه المادية والمعنوية.
لقد آن لنا أن نوقن بأن حرب الأفكار حرب ضروس لا تقل عن حرب السنان فلا نستهين بها. وأن مجالاتها واسعة شاسعة تحتضن كل مجالات الأدب والفن وليس البث الفكري المجرد فقط. بل يجب أن نعمل على هضم مفاهيم الإسلام وتصوراته عن الحياة والعدل والجمال فكرا وعملا ثم صوغها في قوالب مختلفة مبدعة كل بحسب ما يحسن ويجوّد. وتلك هي النصرة الكاملة. حين يصير عطاؤك وحياتك لله.
أما النبي صلى الله عليه وسلم ودين الإسلام فمنتصر بنا وبدوننا. فنحن الخاسرون الهالكون إن تقاعسنا عن نصرته سواء بالسبل الآنية أو الوسائل المآلية.
وصدق حسان بن ثابت حيث قال:
أَتَهجوهُ وَلَستَ لَهُ بِكُفءٍ فَشَرُّكُما لِخَيرِكُما الفِداءُ
هَجَوتَ مُبارَكاً بَرّاً حَنيفاً أَمينَ اللَهِ شيمَتُهُ الوَفاءُ
فَمَن يَهجو رَسولَ اللَهِ مِنكُم وَيَمدَحُهُ وَيَنصُرُهُ سَواءُ