سلسلة: لبيك رسول الله..(3) رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرأة
هوية بريس – د. إدريس أوهنا
3- رسول الله صلى الله عليه وسلم والمرأة:
المرأة.. هذا الكائن اللطيف.. هذا السر العجيب من أسرار الله تعالى في الكون والحياة.. ما أعظمها أما!! وما أجملها أختا!! وما أنفسها وأحلاها زوجة!! وما أطيبها وأعذبها بنتا!!
أيعقل أن تظلم وتشيأ وتحقر؟!
هل من الرحمة أو حتى من العدل أن يبشر بعض أهل زمننا كما الأزمان الغابرة بالأنثى فيظل وجهه مسودا وهو كظيم من سوء ما بشر به؟!
هل من التحرر والتقدم والحداثة أن تختزل المرأة في جسدها، وينظر إليها على أنها مجرد متاع، وسلعة للإشهار وربح الأموال؟!
أليس هذا وغيره كثير مما عانت وتعاني منه النساء دليلا على قسوة القلوب، وجفاف الأرواح، وموت الضمائر، وفساد الطبائع؟!
لكن أمهل ولا تستعجل، وتعال نلقي نظرة، ونرتشف قطرة من بحر رحمة المصطفى عليه السلام بالمرأة:
أليس الرسول صلى الله عليه وسلم من إذا جاءته ابنته فاطمة رضي الله عنها، قام إليها، وأخذ بيدها، وقبلها بين عينيها، وأجلسها في مكانه الذي يجلس فيه؟!
مَن مِن آباء القرن الواحد والعشرين – قرن الحداثة زعموا!! – من يتعامل مع بناته بكل تلك الرحمة، وبكل ذلك الحنان والإكرام؟!
ألم يكن عليه الصلاة والسلام يحث أمته على إكرام البنات وحسن رعايتهن، وجعل ذلك وقاية من النار وسببا لدخول الجنة، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها، فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته، فقال: (من ابتلي من هذه البنات بشيء، فأحسن إليهن كن له ستراً من النار) [متفق عليه]، وفي حديث آخرعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن, وجبت له الجنة البتة) قيل يا رسول الله فإن كانتا اثنتين؟ قال: (وإن كانتا اثنتين) قال: فرأى بعض القوم أن لو قال: واحدة لقال واحدة. (أخرجه أحمد، والطبراني في الأوسط وزاد: ويزوجهن، وصححه لغيره الألباني رحمه الله).
أليس الرسول صلى الله عليه وسلم من أجاب رجلا سأله: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ بقوله: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك.
إنه رسول الرحمة الذي أعطى أرقى مثال من نفسه في حسن التعامل مع الزوجات، حيث قال: “خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي” (رواه البخاري) – والأهل تطلق على الزوجة خاصة -، وفي رواية الترمذي وقال حسن صحيح وابن حبان في صحيحه: “ أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم”.
ولقد بلغت به مشاعر الرحمة والتلطف بأزواجه أنه كان يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، وتضع صفية رضي الله عنها رجلها على ركبته حتى تركب البعير، وكان يُضحك زوجاته ويداعبهن ويكرمهن.
وهذا عِقدٌ كان لعائشة رضي الله عنها، وكانت تلبسه في سفرة من أسفارها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبينما هم في البيداء، وليس معهم ماء، انقطع العقد وسقط من عنقها، فأقام الرسول صلى الله عليه وسلم على التماسه، ومن معه من الناس، ولم يبرح حتى وجدوه تحت البعير الذي كانت عليه رضي الله عنها.. وهم في غمرة البحث نام صفوة الخلق على فخذها، وقام حين أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، كما في صحيحي البخاري ومسلم.
وأخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، قال: أظنها عائشة، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام، قال: فضربت الأخرى بيد الخادم فكسرت القصعة نصفين، قال: فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: غارت أمكم، قال: وأخذ الكسرتين فضم إحداهما إلى الأخرى فجعل فيها الطعام، ثم قال: كلوا فأكلوا).
ما أعظمك من نبي!! وما أرحمك من رسول!!
ألستَ – فداك أبي وأمي ونفسي والدنيا بأسرها – من جعل الساعي على الأرملة واليتيم كالمجاهد في سبيل الله، وكالذي يصوم النهار ويقوم الليل؟ كما ثبت في الصحيحين.
وفي حجة الوداع لم يفتك أن توصي بجنس النساء خيرا، لتبقى وصيتك فيهن تقرع الآذان، وتقيم الحجة على الخلق في مختلف الأزمان: “ألا واستوصوا بالنساء خيرا” (رواه ابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح).
هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عطوفا حنونا ببناته وأزواجه وعموم الأمهات ونساء العالمين، فكلماته تنسكب رقة، وأفعاله تفيض رحمة ورأفة، إنه حقا وصدقا: نبي الرحمة.