مبادرة لدراسة المؤسسات الإسلامية في التعليم الثانوي الأوربي
بقلم: دي جاياكومو (المفتش الرئيسي لتدريس اللغة العربية بالمغرب 1950)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
تقديم المترجم:
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وجد ممثلو الحماية الفرنسية بالمغرب ومدبرو شؤون المعمرين به نفسهم، أمام حركة وطنية مبدعة وخلاقة تستمد من الإسلام قوتها وحيويتها وشعاراتها في مناهضة الاحتلال الفرنسي، فتفاجأت بمجتمع رافض للعديد مما يعتبر إصلاحا وتحضرا، ويفترض أن يكون مرحبا به وفاسحا له المجال في الوسط الاجتماعي.
في الوقت الذي بقي فيه المستعمر وخاصة في المجال التعليمي متقوقعا على نفسه، يدرس تاريخ فرنسا وجغرافيتها في بلد مغاير التاريخ والطبيعة، ناهك عن العقيدة والعادات والتطلعات إلى أن برزت مطالب الاستقلال، فتفاجأت الحماية كمسلف القول وبدأت تظهر عدة كتابات في الموضوع تناقش الظاهرة، ومن ذلك ما قامت به (مديرية التعليم العمومي) سنة 1950 من إقامة أسبوع بيداغوجي بالثانوية البربرية بأزرو، خصصت لدراسة الوسط، كما جاء تقديم الأسبوع الذي جاء على (غرار ما تم إقامته سنة 1947 حول المناهج التربوية الجديدة، وذلك لربط تلك المناهج بالوسط، من حيث الشكل والعقلية النشيطة، الحرة والمنصفة، متسائلة عن كيف تشكل تلك العقول المنصفة، وكيفية السماح لها بالارتقاء بيقين في درجات التفاوت.
على الإجمال إذا لم يبدأ من معرفة الواقع الملموس والحقيقي؟
إذا لم يوقظ المرء قدرة الدهشة، والعادة والحاجة للملاحظة والتوضيح؟
من ناحية أخرى كان من المهم بشكل خاص لفت انتباه جميع المعلمين والأساتذة، للجهد الخاص الذي يفرضه التدريس بالمغرب عليهم، وهم الذين ما يزال العديد منهم يسيرون على ما دربوا عليه بفرنسا وفق الواقع الإنساني الفرنسي، بينما يفترض أن يكونوا متشبعين بفكرة، أن التدريس في المغرب يجب أن يكون ذا طابع مغربي.
فمنظور التاريخ المغربي، ليس هو المنظور الفرنسي، والعلوم الطبيعية ليس لها نفس الأساس هناك، وكذلك الأمر بالنسبة للجغرافية التي يجب أن تدرس جغرافية المغرب بعناية فالطلاب ليسوا متماثلين، إذ أغلبيتهم مسلمين 120000 والإسرائيليين 31000 الفرنسيون أنفسهم 54000 ولدوا في الغالب بالمغرب وعاشوا به طيلة، حياتهم وما يزالون قلة منهم لديهم معرفة وثيقة بفرنسا، ولدت عندهم عادات يمكن التفكير فيها.
باختصار من أجل إيقاظ وتعزيز الإنسانية في كل من هؤلاء الأطفال والشباب، الذين هم قادرون عليها، يجب أن نبدأ من حقائق بشرية متنوعة للغاية
كيف يمكن أن ننجح في هذه المهمة الصعبة والضرورية، إذا كان المسؤولون عنها لا يهتمون باستمرار بمعرفة تلاميذهم، وتكييف تعليمهم مع إمكانياتهم واحتياجاتهم؟
هذه هي الأفكار العامة التي وجهت تنظيم هذا الأسبوع التربوي الذي أدرج فيه الموضوع الذي نحن بصدد تقديمه والذي يدور حول المؤسسات الإسلامية، ظهورها، وكيفية انتشارها، وتمظهراتها، والفائدة التربوية من مقارنتها بغيرها.
نص الدراسة:
هذا الأسبوع التربوي يجب أن يكون محور اهتمامه: تكييف التدريس مع البيئة
لم ينس مدير التوجيه العام هذا الموضوع في اجتماعاتنا، عندما عرض التحدث إليكم عن المؤسسات المغربية والإسلامية.
المذكرة الصادرة في 21 أكتوبر 1948 التي تنص: على وجوب تعليم التنظيمات السياسية بالمغرب، وبالخصوص المؤسسات الإسلامية، داخل الثانويات والإعداديات (الأوربية بالمغرب) مدعمة بالقرار المتخذ في باريس نفسها، لتعزيز مجموعة من الأنشطة المدرسية، التي تهدف جذب الطلاب بالمدارس الثانوية، للاهتمام أكثر بالبلد الذي يعيشون فيه
من أجل عرض الأسباب التي دفعت المديرية لتقديم هذه الموضوعات الجديدة، التي اعتقدت أنه من المفيد التحدث عنها في بداية هذا الأسبوع التربوي، فإني لن أتحدث عن التنظيم الإداري، والسياسي للمغرب الذي يشكل برنامج الصف الثانوي، ولم يناقش أحد حسب علمي ضرورة تدريس هذا التنظيم، مع أنه بات من الضروري أن يُعَلَّم طالب الباكالوريا دواليب عملية تحريك الآلية الإدارية بالمغرب ليس فقط بالاعتماد على القراءة اليومية للصحف، لمعرفة ما يمثله المخزن، أو مجلس الحكومة، أو الكاتب العام للحكومة، أو الباشا، بل عن طريق الدراسة بالثانوية، لأن ذلك هو دورها في تقديم مثل تلك المعارف بشكل منهجي:
أعتقد أن الجميع متفق على هذا، ولذلك أرغب في إثارة انتباهكم بشكل أساسي، إلى ضرورة تعليم المؤسسات الإسلامية، مظهرا لكم أن هذا التدريس ضروري، وذلك بالاستناد لأسباب عملية للقيام بتحقيق هذا الغرض.
لم أفكر في الواقع بالذي يجعل النقطة الأولى صعبة على قناعتكم إذا ما اكتسبتموها من الوسط، لكن أريد أيضا الحصول على دعمكم لصالح بيداغوجية هذا النظام الجديد.
أنا مقتنع من جانبي بأن هذا النظام إذا تم تقديمه كما يجب، وفق نظرة تعليمية حقة، يمكِّنٌه أن يكون مُربِحا لفرنسا أولا وقبل كل شيء آخر، باعتبار فرنسا قوة إسلامية عظيمة.
لن أصِرَّ على هذه النقطة، لتجنب السخرية الظاهرة في عيون أساتذة التاريخ والجغرافية الحاضرين، الذين أريد منهم أن يسمحوا لي بسرد رقم لتثبيت أفكاري:
أولا المسلمون يمثلون ثلث سكان الاتحاد الفرنسي، وثانيا كون المغرب بلد مسلم.
وإذا كان الإسلام قد ترك بصمات كبيرة بشمال إفريقيا عموما، فينبغي الإشارة بشكل خاص للمغرب الذي يعد من أكثر البلدان إسلامية وأشدها تدينا
لهذا السبب: السلطات المسؤولة عن التعليم في هذا البلد، لا يمكنها القيام بإصدار حكم يقول: بأن طلاب الليسيات يجهلون المؤسسات التي تحكم حياة المغاربة وتفكيرهم نفسه، لذلك يجب على أي شخص مقيم هنا، ولديه بعض الادعاء بالثقافة، ألا يمتنع عن بذل أي جهد للتعرف على المسلمين، وفهم سلوكهم، حتى يتمكن من إرضائهم كمسلمين، عندما تجبره الحياة على ذلك، حتى لا يوصف بمنعدم الثقة فيه، فإن كان لا يريد أن يتهم بذلك، فعليه الاهتمام بمعتقداتهم، ويتعلم ما هي التعاليم الدينية التي يطيعونها.
قد يقال بأني أقوم بتحطيم الأبواب لفتحها، لكن لتجاوز هذه الملاحظة، سأقتنع الآن بأن الأكثرية لها نفس التوجه.
الحجة الثالثة التي يمكن طرحها لإظهار الحاجة لهذا التعليم هي: أن كل مثقف يجب عليه معرفة العناصر التي تشكل الحضارة التي تقدَّم من قبل الإسلام.
فالاهتمام بدراسة المؤسسات الإسلامية ينبع من الأهمية البالغة للإسلام نفسه، فالإسلام حضارة مثيرة للاهتمام في حد ذاته، لأن محتواه ضخم، وقيمته تقاس بعمق التأثير السياسي، والأخلاقي، الذي تركه بين العديد من الشعوب المختلفة.
يجب القول بأنه في العصور الوسطى، كانت الثقافة الإسلامية هي الأكثر تطورا في العالم، دعونا لا ننسى أيضا أن المسلمين اليوم هم في المرتبة الثالثة، وأن ثمن سكان العالم يدينون بالعقيدة التي كان محمد (عليه الصلاة والسلام) هو من روَّج لها، وعليه فالتدريس لا يكتمل إذا لم تأخذ حضارة مشتركة سائدة عند كثير من الأعراق منذ 14 قرنا، مكانها في البرامج التعليمية لليسيات.
لكن لا يكفي السماح بالدخول لدولة أو أخرى عبر برنامج يتم إظهاره بأنه مفيد؛ إذ لا بد أيضا أن يكون معتقدا بأنه سيكون قابلا للاستعمال، في النظام المدرسي الذي يستهدف أولا وقبل كل شيء تكوين العقل، ودعما مناسبا لممارسة الملكات الفكرية.
دراسة المؤسسات الإسلامية يمكن أن تكون لخدمة مثل هذا الغرض، إذا ما اقتُصر بالخصوص على تعليم تثقيفي.
ما هي الوسائل التي تعرِض هذه الدراسة؟
للجواب عن هذا السؤال بقصد القيام بجواب شاف بيداغوجيا على الأقل، نتساءل أولا من أين سيأتي التعقيد إذا ما روعي أن علماء الإسلام تعرضوا لهذه الظاهرة الإنسانية عندما عرفوا ما هو الإسلام؟
إنه بلا شك الدين الذي لم يبق فقط كمبدإ للحضارة، لأنه ليس بحضارة قوة، بل لأن النصوص المقدسة ليست فقط مجموعة تعاليم تحكم الحياة الروحية، بل هي مجموعة من القوانين، وضعها العلماء في نسق يجعل منها نظاما لدولة الإسلام، وحول هذه النقطة أريد إلقاء بعض الضوء.
في غضون السنوات العشر الأخيرة من حياة محمد (عليه الصلاة والسلام) بعد مغادرته مكة للمدينة، كانت وظيفته الدينية بسيطة، كانت وظيفة تعبدية، إلا أنه بعد وصوله للمدينة أضاف لها شكل رئيس دولة مطلق، مؤسسة على مبدإ غير معروف عند العرب، اعتبر جنونا دينيا من قبلهم، رئيسا كامل الصلاحية في كل مجالات الحياة المدنية والعسكرية، عاملا على تسخير الوحي السماوي لإصلاح الحياة الجاهلية نفسها، في هذه الظروف أقول شارحا كيف قام الإسلام في نفس زمن محمد(عليه الصلاة والسلام).
صار الإسلام مرة واحدا نسقا، دينيا، سياسيا قانونيا، عسكريا، واجتماعيا، شاملا لكل أنشطة المؤمنين، حتى في قواعد السلوك العادي للحياة سواء المباشر منها أو الغير المباشر، فالكل يكون منبنيا على الوحي، وهكذا صارت العقائد، والشعائر، واشهار الحرب ضد الكفار وقواعد تقسيم الغنائم، ونسق العلاقات وتنظيم مالية الدولة، وقواعد كيفية العيش الخ كلها ذات مصدر واحد، يمكن القول بأنه متشابه في طبيعته ومصدره، يتكرر بشكل آلي.
في خضم الأحداث التي عرفتها المرحلة الأخيرة من حياة محمد (عليه الصلاة والسلام) والتي تم توضيحها وشرحها وتعزيزها عبر الأجيال اللاحقة من المسلمين، ونشر نظامها الشمولي الدامج لما سلف من مناشط الناس وفق تعاليم الإسلام، وهو ما يميزه عن باقي الديانات الأخرى.
أيضا عندما كان يوضع برنامج هذا التعليم من قبل مديرية التعليم العمومي، كان لا بد من التمييز في المواد بين نسق ديني (عقيدة، شعائر) ونسق قانوني، ونسق سياسي، لضرورة البحث والتعهد لما تم قبوله وفق المعايير الأوربية.
لكن من وجهة نظر المسلمين فإن، العقيدة الشعائر، الأخلاق، المشكلة للحق الخاص تعتبر جزء مهما من الحق العام، لأنهما يمثلان وحدة متكاملة، ويخرجان من نفس المصدر حاملين نفس التسمية: الشريعة (القانون) وهي تستوعب إذن جزء هاما من نشاط الإنسان، المتعلق بالأعمال الدنيوية الخارجية، و الروحية الداخلية، حيث يتوجه المؤمن لله بطلبه قضاء حاجته وحوائج المومنين، بحيث لا يحتكر العبادة وحده، بل يشرك فيها الآخرين أيضا، ويسجل ذلك النشاط في صحيفته القانونية سواء ما تعلق منها بالعلاقة مع الناس، وهو الأدب (الأخلاق الحميدة، المعرفة النافعة، قواعد اللياقة) أو العلاقة مع الله (مراعاة أحكام الشريعة، من عبادات وطاعات).
في الممارسة التعبدية، علماء الشريعة ادخلوا التوجيهات الغربية باعتبارها قانونا عاما، في النسق الضريبي مثلا وفي قانون نظام التعدين، وقواعد كيفية التعود على ذبح الحيوانات وفق الشريعة، بل لم يتركوا أي عمل للصدفة، بحيث خططوا لكل شيء كي يصير تنفيذه آليا إلى أن وصلوا للطعام والملابس.
ميزة أخرى غير عادية لهذا الدين، هي أنه بالرغم من الحرص على تنظيم جميع مظاهر حياة المومنين بمبادئ دقيقة للغاية، حتى في المجالات التي تبذو لنا أنها بعيدة عن الدين، كما في الأمثلة السابقة المقدمة، إلا أنها تجاهلت إيجاد كنيسة مشكلة هرميا من أشخاص يرتدون ملابس ذات طابع مقدس، يترأسها زعيم أعلى، يوجه الكائن الكنسي، ويقرر في الملاذ الأخير، في مسائل العقيدة والطقوس.
محمد (عليه الصلاة والسلام) ليس له معهد للأسرار، ولا وزارة للعبادة، الإسلام لا يعرف هذه العمليات التي بحكم فضائلها تقدم النعم للمومنين بطريقة شبه سحرية: ليس هناك قساوسة مكلفون بالوساطة الضرورية بين الله والناس، في الإسلام الشخصيات الدينية المتميزة لا تتمتع بصفات فوق طبيعية، لكونها شخصية دينية، لأن أي مسلم يمكن أن يكرس نفسه مباشرة للعبادة، عندما يتعلم كيفية ممارستها بما في صلاة الجمعة، لأن العبادة الإسلامية ذات طابع فردي، كالصلاة والحج، والصيام، لا يوجد أبدا سوى المومن في حضرة الله، وهو فرق هام يجب الإشارة له عند المقارنة بالمسيحية، التي لا يمكن أن تكون فيها العبادة فردية، إذ لا بد من وجود كاهن يترأسها ويدير كل قربان مقدس؛ لمن يحتاج قداسا، يجب على الكاثوليكي حضور قداس يوم الأحد على الأقل، ويوم الأعياد، خلاف ما يوجد في الإسلام، فالصيام عمل فردي واجب، ومثله الصلاة؛ ليس إلزاميا عملها في جماعة، لم يوص بها، بالنسبة للحج، صحيح أن المسلمين يجتمعون بكثافة في هذه المناسبة لكن كل واحد يمارس العبادة لنفسه لأن عملية التعبد تتم بين المومن وربه.
من هنا نرى أنه من الصعب في الإسلام التمييز بين ما هو ديني، وما هو في ذهننا كمسيحين ننعته تخمينا بالدنس، هذا هو ما يمكن أن نطلق عليه الطابع الكوني للإسلام، فالدنيوي محكوم في أدق الخصائص بالروحي.
لقد رأينا من جهة كيف أن الدين فرداني وعبادة المسلمين بسيطة لأبعد الحدود، وأن النتيجة المنطقية للمفهوم الكنسي كما نفهمه في المسيحية لم يكن متصورا في الإسلام، حتى أقل من المجلس أو البابوية، بحيث لا توجد في المجتمع الإسلامي منظمات دينية بحتة، أو مجموعات مشكلة مستقلة، مما يجعل الإسلام أكثر بكثير من مجرد دين، إنه حضارة، أساس قيمه، طبيعته التي تظهر مدى تنظيم حياة وتفكير، كل الشعوب التي اعتنقته، ولهذا السبب كلمة علمانية، ليس لها مقابل مضبوط في العربية.
لذلك يبدو لي أنه من الضروري جدا تحديد العنوان العام الذي تم اختياره لهذه السلسلة من الدروس الجديدة المخصصة للفصلين الأخيرين من التعليم الثانوي،
كلمة (مؤسسات) التي استخدمت خطأ لأنها تحمل بالفرنسية معنى أفضل هو المعنى السياسي، ولكن بالنظر للطابع الكوني للإسلام فليس من المستغرب أن توجد بالإضافة إلى المؤسسات المتعلقة بعلاقات المؤمنين بالله، مؤسسات تتعلق بالأفراد في علاقاتهم بالآخرين، وأخرى تتعلق بعلاقات الأفراد بالسلطة المشكلة، وعليه فالمؤسسات الإسلامية هي المحرك للتجمعات الإسلامية، وتبعا لذلك فالتعليم المقترح يتابع سوسيولوجيا.
تذكروا خاصة هذه الملاحظة التي بينت أن الإسلام أكثر من دين، واقتراح تعليمه هو اقتراح تعليم حضارة، أو على الأقل بعض جوانب من هذه الحضارة.
بعد أن قررنا أخيرا إدخال الدراسة السوسيولوجية في التعليم الثانوي، سيكون من الخطإ، رفض دراسة مجتمع معين إذا كان لذينا فقط فرصة للنزول من النظرية للتطبيق، من الأفكار العامة للحقائق التي يمكن ملاحظتها في هذا البلد بالذات.
بيان هذه الحقائق ستهم كثيرا من التلاميذ الذين يكونون جددا بينهم، لكن الفائدة البيداغوجية لهذه الدراسة الجديدة، لا تتوقف هنا بالفصول النهائية، حيث التلاميذ يوميا يمارسون تحركاتهم مجردة
الأستاذ لن يجد عناء في جذب انتباهات المتعلمين، عندما يشرح كل خفايا العقيدة التي تجعلهم يدركون المفهوم الذي لذا المسلم عن الله، أو غيره من المسائل المناقشة بحماسة شديدة، في القرون الثلاثة الهجرية الأولى حول خلق القرآن أو عدم خلقه، والتفريق بين الجوهر وصفات الله بإرادة محكمة.
وبصفة عامة إذا أراد أعادة رسم نفس الخط العريض لتاريخ الفكر الإسلامي بمجهوده فسيجعل العقيدة القرآنية تتماشى مع العقلانية.
في الختام سأناقش معكم الإجراء الذي يمكن أن يؤدي له هذا التدريس إن تم استخدام الإجراء بتبصر وهو الرفع من كفاءته البيداغوجية، إني أتكلم على المقارنات التي سيقوم الأستاذ بها أحيانا محليا مع أديان أخرى.
في مسألة الألوهية مثلا المسلمون الأرثدوكس يرون بأن صفات الله أبدية وسرمدية، الله وصفته أبدية وبالتالي منطقية، هذه الصفات بالنسبة له أقانيم، لماذا لا يسمح للأستاذ بالإشارة للأقانيم الثلاثة التي في الإله حسب علم اللاهوت الكاثوليكي؟
متى سيقترب من السؤال المدرج في البرنامج المتعلق بأمور الأخرة؟
لماذا يمنع من قول ذلك ولو على شكل تمهيد لكن دون الخوض فيه طبعا؟
المذاهب درست العقائد(علم الآخرة) مفصلا كفسيفساء، فأين علم الآخرة المسيحي (العقائد)؟
دون الذهاب إذا أردتم لحد هذه الاستطرادات الصغيرة، حيث نرى بعض المسلمين الأرثدوكس يصرحون بأن اللعنة لا تكون نهائية للمؤمنين، فيمكنه إضافة على الأقل وكمصادفة بأن الكاثوليكية تدعي العكس من ذلك، وتقول بأبدية العقوبات على جميع المفسدين.
وفي مسائل الطقوس (والشعائر) بالرغم من أن هذا ربما سيكون أكثر حساسية فإنها ستكون قادرة على تحديد تشابه العبادة الإسلامية، التي يمكن أن تقام (في الصحراء) مع العبادة البروتستانتية، التي لوحظ أنها على أكثر قدر من البساطة، وسيكون قادرا في نفس الوقت، على المقارنة مع العبادة الكاثوليكية التي تبدو من قبل الإسلام، على أنها فخمة وفنية ومعقدة.
فالأمر إذن ليس كما نراه عبارة عن درس مقارن في الدين، ولكنه فقط طريقة بيداغوجية للاستفادة من التعليمات المسيحية، التي يتعين على معظم الطلاب انتهاز الفرصة للاقتراب منها.
المهم فيها: هو أن يكون الأستاذ موضوعيا حتى لا يجرح أي شخص، لذلك عليه أن يتحلى بالأدب والانضباط، بسبب تنوع الطلاب الممدرسين لديه، كما يتعين عليه.
أثناء هذه المواجهة المعرفية، أن يحاول مرة أخرى، أن يجد في الدين سبب هذه الحقيقة أو هذه الشخصية، وبذلك سيساعد التلاميذ تدريجيا، حتى يصلوا إلى تعريف ما هو إنساني عميق عند جميع الديانات العظيمة، وبالتحديد عند ما هو عربي لأن مهده ظهور الإسلام عربي.
هذه البساطة التي ستظهر واضحة في العبادة الإسلامية، تذكرنا بالحياة البسيطة والقاسية للصحراء التي عاشها محمد (عليه الصلاة والسلام)، وأن شخصيته الفردية تنبع من طبيعة قاسية، وتعيش في وسط طبيعي معاد حيث الصراع على البقاء، إن لم يكن حالة شبه طبيعية، فهو على الأقل حالة لا مفر منها، لذلك لا يجب تفويت أية فرصة، لتحفيز الطلاب على التفكير في شرح هذا الانشغال المقلق الذي نوصي به كل من يدرِّس بالثانوي، كي يجعل الظاهرة مفهومة تماما من قبل التلاميذ، حتى يدركوا الحقائق الإسلامية الصحيحة، مما سيعطي لتلاميذ المغرب ميزة كبيرة، تتمثل في تقديمهم نتائج بحثية توفر الكثير من المعلومات حول نفسية المسلم، لأن هناك البسيكولوجيا أكثر أهمية من تصرف المسلم حتى في الحياة اليومية، عندما يفكر في ضمان دنياه المادية، في ظل إمبراطورية إيمانه أو معتقداته، أو وفقا للتعليمات الدينية المعتمدة لديه.
أقدم لكم هذه الأفكار القليلة، لمراجعة جميع أسئلة البرنامج، عارضا عليكم إطار كل منها، والملاحظات التي قد أقترح عرضها للشرح، هي الجزء الأقصى مما يمكن الحصول عليه من القدرات الذهنية، وللمضي قدما في هذا المجال كان يجب أن يكون لذينا الكثير من الوقت، وعلى كل حال لم يكن الأمر خاليا من الملل بسبب تكرار بعض الأفكار.
آمل أن أكون عند تحديد خصائص الحضارة الإسلامية، قد ألهمت أولئك الذين يجب أن يزودوا البرنامج التدريسي المعني بالتوجيهات التي ستستخدم، عندما يتعلق الأمر بإعادة التفكير في المفاهيم، التي ينبغي أن تقدم في كتب التدريس، وعند من يجب تأليفها.
———
- ما بين قوسين من المترجم.
– أنظر: bulletin de l enseinement:semaine pedagogique
Paques1950