معركتا أغريبا وأنوال (من 17 إلى 27 يوليوز 1921م)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
معركة أغريبا من 17 إلى 21 يوليوز 1921م
تعتبر معركة اغريبا أو إغريبن الواقعة بين قبيلتي تمسمان وبني توزين على الجنوب الغربي لكل من أمزاورو وأنوال، من أهم المعارك التي انهزم فيها الإسبان، قبل هزيمتهم في معركة أنوال المجاورة لها، وذلك بين 17 و21 سنة 1921 حيث تمكن المجاهدون بقيادة عبد الكريم الخطابي محاصرة المركز، بإنشاء خنادق وتحصينات حوله، لعزل حاميته، ومنع تموينها، خاصة بالماء الذي كانت ينابيعه تبعد عنه، بنحو أربعة كلم.
وقد بدأ الحصار في السابع عشر من يوليوز بمنع تموين المركز أو الخروج منه للتزود بالماء، وفي ذلك يقول الملازم كسادو:
“في صباح يوم 17 يوليوز رأينا الثوار يحتلون الأماكن المجاورة للمركز، ثم شرعوا في إطلاق النار بصفة منتظمة علينا، ولما ردينا عليهم بالمدفعية، شاهدناهم يحيطون بالمركز من كل جهة، على بعد أقل من مائتي متر، وفي الصباح الباكر ليوم 18 يوليوز تم إطلاق قنبلة على المركز المحاصر من قبل الثوار لتحطيم السور المحيط به ليسهل اقتحامه ليلا، وفي 19 التاسع عشر منه، خرجت من مركز أنوال قافلة تموين لأغريبا، فتم اعتراضها في معركة سقط فيها قائدها مع ستة ضباط آخرين و188 جندي، وقد جعل الحصار الجنود يعانون من قلة الماء بل انعدامه مما جعلهم يشربون بول البهائم والمداد، وفي 20 منه تواصل قنبلة المركز وهدم مبانيه وتفجير مخزن ذخيرته، وفي نفس اليوم خرجت قافلة تموين وإسناد من مركز أنوال مكونة من 3500 جندي ولكن ما أن وصلت للخندق المجاور للمركز، حتى وجدت نفسها محاصرة من جميع الجهات، فدارت معركة شرسة قتل فيها أكثر من كان في القافلة، وفر الباقون وأثناء المعركة كانت القنابل تسقط على المركز بدون انقطاع، جعل قائد المركز يبرق لقائده بأنوال قائلا: مدفع العدو يقصف المركز بدون انقطاع، وبحكمة فائقة لدرجة أنه لا تضيع ولو قنبلة واحدة، فرد عليه القائد:
الجنرال يؤذنك في أن تسلم المركز إلى العدو وتغادره فورا، بيد أن المجاهدين لم يمكنوا من في المركز من الخروج، لأنهم كانوا قد اقتحموه، وذلك يوم 21 على الساعة الثانية زوالا، فأبرق قائد المركز للجنرال بأنوال لم يبق لنا إلا 12 قنبلة مدفع سنشرع في استعمالها ضد العدو الذي يوجد على الابواب فعليكم أن تحسبوها وعند الأخيرة أطلقوا نار مدافعكم على المركز لأننا في تلك اللحظة سنكون نحن والموروس مختلطين داخل المركز”.
وفعلا عند الطلقة الثانية عشر بدأت مدفعية مركز أنوال تقنبل أغريبا، وتقول الوثائق الإسبانية أن عدد الذين غادروا المركز من الجنود الإسبان بلغ حوالي 300 رجل، وصل أنوال منهم حوالي 11 والباقي سقط قتيلا أو أسيرا، وكان بين الأسرى قائد المركز الذي أطلق سراحه فيما بعد، وكتب كتابا سماه أغريبا.
وقد بلغ عدد القتلى مند 17 يوليوز لغاية 21 حوالي 640 جندي وضابط، لتنطلق بعد سقوط مركز أغريبا، معركة مركز أنوال المجاور لها في نفس يوم سقوط هذه الأخيرة.
معركة أنوال 22-27 يوليوز 1921م
بعدما شاهد الجنرال سلفستر قائد مركز أنوال والمراكز المحيطة به ما وقع بموجان وظهر أبران وأغريبا، بعث للمقيم العام بتطوان يوم 21 يوليوز ببرقية قال فيها:
إني أتوقع أن يقوم العدو باقتحام هذا المركز (أنوال) قبل أن يتوجه إلى المراكز الأخرى،
بيد أن الثوار قاموا بقطع خطوط اتصال مركز انوال عن باقي المراكز المجاورة، وقاموا بمهاجمتها وحصارها، قبل التوجه لمركز أنوال، حيث كان الجنرال وأركان حربه بمعية 5000 رجل، وعشرين مدفعا و12 رشاشا كما كان بالمراكز المجاورة ما يفوق 1000 رجل و12 مدفعا وست 6 رشاشات.
وعندما وجد سلفستر نفسه محاصرا من كل جهة، بدأ يتصل برؤسائه عن طريق الرسائل التي يبعث بها لقائد مركز الدريوش، الذي يحولها للجهات المعنية.
جاء في رسالته مساء 21:
العدو يحيط بنا من كل جانب، بقوة يتزايد عددها باستمرار، فيجب عليكم أن تقوموا بنجدتنا فورا، لأن الحالة تزداد خطورة ساعة بعد ساعة.
وعندما أقبلت ليلة 21-22 يوليوز ازداد هجوم الثوار على المركز، كما يقول شاهد عيان، بحث لم يبعدهم عن أسواره سوى 100 مائة متر أو أقل، وفي الساعة الثانية من صباح يوم 22 يوليوز عقد الجنرال اجماعا مع أركان حربه وقال لهم:
إن العدو سوف يقوم باقتحام المعسكر من حين لآخر، وعدده كبير وقيادته محكمة وتفاديا لئلا يقع بأنوال ما وقع بأغريبا، يجب أن نغادر المركز غدا، ونتوجه لمركز بن الطيب وهذه العملية وإن كلفتنا خمسين بالمائة فهي أفضل من أن نبقى هنا مكتوفي الأيدي وربما لن نتمكن من الخروج أبدا، وقبل انسحابنا علينا تحطيم المعدات وخاصة المدافع وترك الباقي عسى أن تشغلهم الغنيمة عن مطاردتنا.
ولما توصل برسالة تخبره بأن الدعم قادم إليه غير رأيه، وقرر البقاء في المركز خاصة وأن الثوار قد توقفوا عن إطلاق النار، لكنه عاد وأمر بالمغادرة، دون إخبار الجنود بمكان توجههم، فأمر بإخراج قافلة من الجرحى تتبعها قافلة معدات، وثالثة تحمل المدافع والرشاشات، وما أن بدأت في التحرك خارج المركز، حتى تعرضت لوابل من الرصاص على كل الجوا نب.
فعمت الفوضى في القوافل المغادرة وداخل المركز الذي كان يستعد من فيه للمغادرة ونفس الأمر كان على الطريق، حيث كان الجميع يريد النجاة من الرصاص المنهمر من كل جانب، وبذلك اشتعلت كل المراكز وما حولها، ولم تنفع الإمدادات التي جاءت من إسبانيا وتطوان يوم 26 يوليوز، والمكونة من 40000 جندي و20000 من رجال القبائل، التي حاولت اختراق صفوف المجاهدين الذين كانوا منتشرين على المحاور الطرقية المؤدية لمركز أنوال والمراكز المجاورة التي تم الاستيلاء عليها وتدميرها في الأيام السابقة، بل إن رجال القبائل انقلبوا للقتال ضد الإسبان، بعدما تم قتل قائدهم، مما زاد في إرباكها، ولم يعرف مصير الجنرال سلفسر، هل خرج من المركز أم قتل فيه بعد يومين من القتال الضاري الشبيه بما وقع في أغريبا قبله، وتواصل الهجوم على بقية المراكز، كالشايف، وعزيب مدار، وازرو، وكارا ميشار، وبوحفرة، وتفريست واسن لحسن، وباطل، وذلك خلال أيام 23-24 وفي 25 تم محاصرة الفارين من باقي المراكز بباطل، حيث الجنرال نبارو، الذي غادر بمن معه لتزطوطين، يوم 27 يوليوز، فحوصر به، فتركه لجبل العروي حيث فقد في الطريق ثلاثة مدفع وعددا من الجنود بين قتيل وجريح بينهم 17 ضابطا، وقد بلغ ما تم حصاره في هذا المركز من الجنود، حوالي 1800 فلم يستطع الجنرال نبارو الخروج به لمليلية، نتيجة للحصار المضروب عليه، فاستسلم بعد خمسة عشر يوما -لما نفذ مخزونه التمويني- دون قيد أو شرط، فأسر ثلاثين ضابطا، وقتل الباقي أثناء الاقتحام.
وقد خسر الإسبان في معركة أنوال حوالي 40000 جندي وأسر 1900 ما بين ضابط وجندي، وغنم المجاهدون ما يزيد عن مائة مدفع ثقيل، ومائتي مدفع صغير، وألف رشاشة، وثلاثون ألف بندقية وذخائر منوعة وبهائم ولباسا، وخياما، وأغطية، وآلات مختلفة.