المقدم وحش السلطة يفسد الدولة
هوية بريس- إبراهيم الطالب
كنت أقول دائما إذا كانت الدولة تريد أن يحبها المواطنون فعليها أن تغير نظام “المقدمين والشيوخ”، فأول نقطة التقاء بين الدولة والشعب هي “المقدم”، فعندما نوظف إنسانا في هذه المهمة في غاية الخسة، نذلا متوحشا يذل المواطنين ويهينهم ويفرض عليهم الإتاوات والرشاوى، ويساعد الفاسدين على فسادهم، ويعتدي على الصالحين ويشي بهم إلى السلطات دون تحقق ولا تمحيص، نكون قد أفسدنا بالتأكيد كل علاقة بين الدولة وشعبها.
لذا كنت أقترح أن يستبدل المقدمون بدكاترة وما أكثرهم، يخضعون للتكوين والتدريب على الأمور المدنية والاجتماعية والشؤون الثقافية، ليسسوا أمور الناس الإدارية في القيادات والملحقات الإدارية والدوائر ، وأن تفصل هذه الإدارات عن الشؤون الأمنية، وأن يكتفى بالأجهزة الاستخباراتية المتعددة لتحسس أخبار الناس حفاظا على الأمن لا تزكية للقمع والاستبداد، فالتحسس مطلوب والتجسس منهي عنه.
فعندما تولى المولى إسماعيل رحمه الله حكم المغرب، كان بينه وبين العلامة الكبير أبي علي الحسن بن مسعود اليوسي رحمه الله جفاء ووحشة، حيث ابتعد الشيخ العلامة عن مخالطة السلطان والتقرب إليه واعتزل المدينة واعتصم بالقرية، فلما كثرت كُتب السلطان إليه يعاتبه فيها وكانت لا تخلو من التهديد، قام هذا العلامة الكبير بالجواب عنها في رسالة قوية اللهجة بالغ فيها في نصحه، وكان مما جاء فيها، كلام عن الجواسيس الذين يتربصون بالناس ويوصلون للسلطان والولاة أخبار الناس.
فتذكرتها لما وقع حادث ضرب الأساتذة من طرف ذلك الرجل الفظ المتوحش، الذي لن تمحى صور ضربه للأساتذة من ذاكرة المغاربة، وعلى من يهمهم أمر نهضة المغرب أن يعقدوا الاجتماعات لوضع إصلاحات تقطع مع هذا العفن وهذا الأسلوب في التعامل مع الشعب.
وهذا نص كلام العلامة من كتاب: رسائل أبي الحسن بن مسعود اليوسي، ص 199-202:
“وإنما ذكرنا هذه القصص ليعلم أن الأفاضل من أهل العلم ومن أهل الطريق يبتلون بشياطين الإنس عند ولاة الأمر: (والعاقبة للمتقين)، فلا يغتر صاحب الأمر بمن ينتصح له بالوقيعة في الناس، فإنه هو المؤذي له على التحقيق والغاش..(….)
ولما ولي عبد العزيز بن عبد الملك (أب الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه)دمشق، وكان لبيبا مع حداثة سنه، قال أهل دمشق هذا غلام لا معرفة له بالأمور، ويستمع منا، فقام إليه رجل فقال: أصلح الله الأمير ! عندي نصيحة فقال له: ليت شعري ما هذه النصيحة التي بدأتني بها من من غير يد سبقت مني إليك؟
قال: جار لي عاص وكذا وكذا.
فقال: ما اتقيت الله، ولا أكرمت أميرك. ولا حفظت جارك؛ إن شئت نظرنا فيما تقول. فإن كنت صادقا لم ينفعك ذلك عندنا، وإن كنت كاذبا عاقبناك، وإن شئت أقلناك.
قال: أقلني.
قال: اذهب حيث شئت لا صحبك الله؛ ثم نهاهم عن السعاية وذمها غاية.
وقال: فلا يأتيني أحد منكم بسعاية على أحد بشيء، فإن الصادق فيها فاسق والكاذب بهات.
ومن أحسن ما فُعل بهذا الجنس الخبيث ما رُوي أن أمير المؤمنين أحمد القادر بالله ( الخليفة العباسي، وكان من الأئمة الزهاد الصالحين 336هـ-422هـ) كان يمشي ليلة في أسواق بغداد. إذ سمع شخصا يقول لآخر: قد طالت علينا دولة هذا المشؤوم. وليس لأحد عنده رزق. وأمَر به فأُخِذ. فلما حضر بين يديه سأله عن صنعته فقال: إنه من السعاة الذين يستعين بهم أرباب الأمر في تعرف أحوال الناس، وأنه منذ ولي أمير المؤمنين أقصانا. واستغى عنا، فتعطلت معيشتنا.
فقال: أتَعرِف مَن في بغداد من السعاة؟ قال: نعم! فأمر بكَتْب أسمائهم وأجرى عليهم رزقا معلوما ونفاهم إلى الثغور يكونون هناك عيونا على الكفار.
ثم التفت إلى من حوله فقال: اعلموا أن هؤلاء ركَّب الله فيهم شرا. وملأ صدورهم حقدا على العالم، ولا بد له من إفراغ ذلك الشر. والأولى أن يكون ذلك في الأعداء. ولا ننغص بهم على المسلمين” انتهى كلامه رحمه الله تعالى.
فليتق الله الذين يمثلون الدولة أمام الشعب فإنهم يفسدون العلاقات بين الدولة والناس، ولا نهضة لشعب يكره ولاته وحكامه.
وقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا في قوله الشريف:
(خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذينَ تُحِبُّونهُم ويُحبُّونكُم، وتُصَلُّونَ علَيْهِم ويُصَلُّونَ علَيْكُمْ، وشِرَارُ أَئمَّتِكُم الَّذينَ تُبْغِضُونَهُم ويُبْغِضُونَكُمْ، وتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قَالَ: قُلْنا: يَا رسُول اللَّهِ، أَفَلا نُنابِذُهُمْ؟ قالَ: لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاةَ، لا، مَا أَقَامُوا فيكُمُ الصَّلاة). رواه مسلم.
فمثل هذا الوغد الذي أثخن في الأساتذة ضربا إنما فقط ينتج لدى الشعب البغض لحكامه، وبقاء أمثاله يدل على فشل سياسة الدولة في إدارة الملفات الحساسة.
إن الشعوب يمكن ضبطها بسياسات العدل والتواصل والثقة المتبادلة، وما نفعت لغة الرصاص والهراوات أنظمة الاستبداد البائدة.
فارفقوا بعباد الله تنصلح حال البلاد وينهض للعمل العباد ويسود الخير ويعم الأمن وتعز الدولة.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
بارك الله فيك وجزاك خيراً
حفظكم الله