رأي في قضية “الأساتذة المتعاقدين”

24 مارس 2021 10:09

هوية بريس – يونس فنيش

إن لم ندافع عن التعليم العمومي في حده الأدنى -نظرا للتحصيل الحاصل- و بأقل تكلفة اليوم، فسندفع الفاتورة غالية جدا غدا عندما ينهار كل شيء كليا و نهائيا بالإنهيار الشامل للقيم. فالتعليم الخصوصي لم يعد حلا ممكنا حتى بالنسبة للطبقة المتوسطة التي شهدت تفقيرا مهولا لحالها عبر سلسلة متتالية من “الإجراءات المفروضة”، إضافة إلى ظاهرة غلاء المعيشة بطريقة غير منطقية. و أما الضرب الفعلي للمعلم و للمعلمة و للأستاذ و للأستاذة أمام الملأ، فهو فعل يضرب عمق الحضارة في مقتل و يفتح باب الجهل و الجهالة على مصراعيه.

لما يطالب الأساتذة “الذين فرض عليهم التعاقد” بالإدماج في الوظيفة العمومية، فإنهم لا يطالبون بالإرتقاء إلى طبقة الأغنياء، بل لعل ذلك سيقلص من أجورهم نظرا للإقتطاعات الجديدة التي “فرضت على أجور الموظفين العموميين”، ولكن الترسيم في الوظيفة العمومية يوفر إلى حد ما الدخل الشهري للأستاذة و لا يعلق مصيرهم بمجرد قرار من مسؤول ما، ناهيك عن مسألة التقاعد الشائكة أيضا…

صحيح أن الحكومة قد تواجه صعوبات مالية، و من الممكن أن لا تكون للحكومة خيارات كثيرة، ولكن كيف يمكن إقناع الناس بأن الأمر كذلك و لو بالنظر فقط إلى عدد سيارات المصلحة في الإدارات العمومية، مثلا وبصفة عامة، و إلى كثير من النفقات الثانوية التي لا توحي أبدا بأن الحكومة تواجه أزمة مالية؟ و افتراضا، حتى لو تبين بالملموس و على أرض الواقع للجميع أن هناك أزمة خانقة، فالحكمة تقول أن التشغيل بالعقد من طرف الحكومة أو الدولة يمكن أن يطال جميع الإدارات العمومية ماعدا التعليم، لأن التعليم خط أحمر لأنه أمر يتعلق بأسس الدولة و الوطن و المجتمع، و لأنه أمر يتعلق بالحياة الإنسانية…

لقد كان المغرب، قبل حكومة بنكيران و العثماني، ناجح في معادلة صعبة جدا ألا و هي تحقيق نوع من المساواة لدى مختلف الطبقات داخل الوظيفة العمومية، بحيث كان يوفر توازنا جميلا بين مستوى عيش الموظفين العموميين بطريقة جعلت بركة ربانية تغطي على فارق الأجور بحكم الرتبة أو التراتبية داخل الإدارة العمومية.

نعم، لقد كان من يتقاضى، مثلا، 10.000 درهم و من يتقاضى 5000 درهم متساويين في مستوى العيش اليومي إلى حد ما، بكل بساطة، مادام الأول يؤدي 5000 درهم للمدرسة الخصوصية لفائدة أبناءه و الثاني يسجل أبناءه في المدرسة العمومية بصفر درهم، فيحدث ارتياح و استقرار يضمن تعايشا صحيا على الأقل لدى هذه الفئة من الطبقة المتوسطة. ولكن مع ارتفاع تكاليف الحياة اليومية تبعثر كل شيء…

خوصصة التعليم العمومي في حدود 2./. أو حتى 5./. أمر مقبول، ولكن مع ضمان العودة لمن تدهورت أحواله إلى التعليم العمومي الأصيل كما عهدناه، يعني بأساتذة مطمئنين نفسيا في إطار الوظيفة العمومية و ليس مجرد متعاقدين مع حكومة بنكيران و العثماني…

نعم، لا أحد فرض على هؤلاء الأساتذة الأجلاء التعاقد، ولكن ذلك لا يهم بقدر ما تهم مصلحة الوطن، مصلحة المغرب و المغاربة، أليس كذلك…؟ كما أن مطالب الأساتذة المتعاقدين مع الحكومة و إن بدت للبعض “فئوية” أو حتى “أنانية” في أول وهلة، فإنها مطالب، في الحقيقة و بتأمل موضوعي، تهم جميع المغاربة بدون استثناء…

فأن “يفرض التعاقد” على الأساتذة العاملين في قطاع التعليم العمومي، فهذا لا يثير الإرتياح بتاتا لأن من شأن ذلك أن يزيد من حدة تدهور مستوى التلاميذ. فمهما كان مستوى الأساتذة المتعاقدين مرتفعا فلا يمكن أن ننتظر منهم مردودية فعلية مع وضعهم في مرتبة منخفضة خاصة بالمقارنة مع نظرائهم من الأساتذة المدمجين في الوظيفة العمومية.

إن الناس مازالوا ينتظرون بصبر أيوب آفاقا أفضل تجعل حدا للإرتفاع المهول لتكاليف الحياة، و تزايد الضرائب غير المباشرة، و ربما المباشرة أيضا، و مازالوا ينتظرون الكثير من الإصلاحات في شتى المجالات العمومية التي لها علاقة بالعيش الكريم كالصحة و جودة الخدمات الإدارية، و لكن السكوت عن تدهور و تقهقر و تقعقع و تخلف أوضاع التعليم الذي بات يمثل الأمل الوحيد و آخر قلاع الصبر الصامدة رغم كل الأهوال، فصراحة وجب دق ناقوس الخطر.

سيداتي سادتي، التعليم أولا و قبل كل شيء. حتى لو اقتضى الحال، لا قدر الله، توقيف التوظيف نهائيا و كليا لخمس سنوات فما فوق، في جميع الوزارات التابعة للحكومة من أجل ضمان مناصب كافية لصالح التعليم العمومي في إطار قانون الوظيفة العمومية، لأن الأساتذة المعلمين هم من يصنع الطبيب و المهندس و رجل الأمن و المقدم والقايد و الباشا والعامل والوزراء و البرلمانيين… وبطبيعة الحال، كلما كان وضع الأستاذ و الأستاذة جيدا كان وضع الوطن جيدا… و الله أعلم.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M