حدث انفجار في باريس، فعلقت مادة التربية الإسلامية في المغرب!!
عبد الله الزكري
هوية بريس – الأحد 22 نونبر 2015
لا تزال الاتهامات تنصب على الإسلام بصفة عامة والتعليم الديني في المغرب بصفة خاصة؛ فلقد واجهت التربية الإسلامية كمادة دراسية في المنهاج التعليمي المغربي تحديات كبيرة منذ فجر الاستقلال مرورا بأحداث 16 ماي 2003م بالدار البيضاء التي اتخذت سببا للتضييق على مادة التربية الإسلامية، بل كادت أن تحذف من المنهاج؛ لولا لطف الله تعالى ثم نضال بعض الأساتذة والمسؤولين ضد أعداء التربية الإسلامية؛
وها قد تعالت أصوات مزعجة بعيدة عن الحكمة والتؤدة بضرورة: “تنقيح المقررات الدراسية، ومن ضمنها مقررات التربية الإسلامية من كل المواد والمضامين التي من شأنها تغذية التأويلات والقراءات الخاطئة للدين الإسلامي أو للديانات الأخرى، وفي نفس الآن، لإعادة الاعتبار لدرس الفلسفة والعلوم الإنسانية، وإيلائه العناية اللازمة بالانتصار لقيم التنوير والعقلانية..” بعد تفجيرات باريس!
إن ربط أحداث باريس بمراجعة المقررات الدراسية في المغرب من أعجب العجب؛ ولكن المتأمل في حال هؤلاء سيجدهم لا محالة يتمتعون ببلادة في العقل، وبازدواجية في المواقف، فينقلب عجبه إلى ضحك وإشفاق على حالهم.
فما سمعنا منهم ضرورة مراجعة قيم الحداثة المتفسخة أخلاقيا وروحيا، وقيم العقلانية المتوحشة الغاصبة ماديا، أليس بانتشار الحداثة في المغرب امتلأت دور الأيتام ودور العجائز؟ وكثر أبناء السفاح وهدمت أسر وشرد أبناء؟ وباسم العقلانية والتحديث دمرت دول على سكانها؟ وهجرت شعوب من بلدانها؟ كما فعلت فرنسا بالمغرب والجزائر وتونس وأمريكا باليابان وأفغانستان والعراق؟ وما هذا إلا بعد أن عرفت أوروبا قيم التسامح والحرية والمساواةّ!! فأين أنتم مما فعلوه أو يفعلوه أسيادكم الظالمين في العالم من القتل والتدمير والتفجير؟؟
ولكنكم إذا سمعتم مسلما تجشع على فرنسي في مطعم بباريس قمتم وانتفضتم مكشرين أنيابكم مستنجدين بمجالس حقوق الإنسان -غير المسلم- العالمية وبالمنظمات الدولية! إنكم تكشفون للمجتمع المغربي المسلم تبعيتكم وحبكم لوطنكم- المستعمر- فرنسا، وخيانتكم لقيم وثقافة وشعب المغرب المتشبث بدنيه ووطنه.
إن أي مسلم عاقل ينكر وبشدة ما وقع في باريس، كما ينكر أي إنسان حر ما يقع في فلسطين وسوريا وبورما من قتل الأبرياء المسلمين المسالمين، فالإسلام -ولا ريب- جاء بالرحمة، ودور المسلم أن يتحلى بها وينشرها بين الناس “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.
فأي من نصوص في القرآن والسنة تحمل معنى القتل بغير حق وإيذاء الأبرياء المسالمين؟ بل وأي مضامين في دروس مادة التربية الإسلامية تحمل معاني التقتيل والتفجير؟ حتى يطالبوا بمراجعة مضامين كتب التربية الإسلامية.
إن أكبر خلل وتشوه حصل -لدى الفرد المسلم- في المفاهيم، لم يحصل إلا بعد تهميش التربية الإسلامية وتقليص حصصها في الغلاف الزمني مقارنة بحصص المواد الأخرى، وتشويه صورة أستاذها عبر وسائل الإعلام في المجتمع، وفصل التربية الإسلامية عن العلوم الإنسانية والعلوم الحقة.
فالتربية الإسلامية تنصب كلها في إصلاح الإنسان معرفيا ووجدانيا، ومادتها فهم بشري مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالإنسان يحوم حولها وهي له، وما العلوم الحقة بمنفصلة عن التربية الإسلامية، فإذا انفصلا كما انفصلت القيم عن المعرفة لدى الغرب، فلن ترى إلا الدماء والتخريب والظلم على الشعوب المستضعفة، أما إذا أطرت العلوم الحقة بقيم الإسلام وخلقه الحميدة فعندها دعني أحدثك بما سينتفع منه العالم والبشرية جمعاء من فوائد تلك المنتوجات والاختراعات، وخير مثال رأيناه وودعناه حديثا المخترع الشاب المغربي المسلم ” عبد الله شقرون” رحمه الله تعالى، فلما علم أن اختراعه يمكن أن يكون سببا في تدمير إنسان بريء، منعته قيمه المستمدة من روح الإسلام عن تسليم ذلك الاختراع للأيادي الملوثة بالدماء مقابل أموال طائلة، والأمثلة كثيرة عبر تاريخ الإسلام، وفي المقابل تجد العالم المتشبه بقيم الحداثة يفجر “هيروشيما” بالقنبلة النووية مبتسما فرحا بنجاعة اختراعه.
إذا لم يناقش المتعلم مفهوم الجهاد والحدود، ويتعلم أحكامه مع أستاذ التربية الإسلامية، فأين سيتعلم ذلك وهو يتبنى الإسلام وينظر إلى الكون والحياة والمصير بمنظور دينه الإسلام، وما مبادرة وزارة الأوقاف في تعميم خطبة الجمعة 20/11/2015م في توضيح مفهوم الجهاد إلا اعتراف بضرورة تعميق وتوسيع التربية الإسلامية الصحيحة السليمة في أوساط المجتمع، وما يثار في الإعلام من مواضيع للنقاش حول الإرهاب وتلبيسه زورا للإسلام كفيلة بأن تخلق لدى أي مراهق أو شاب أسئلة ملحة حول تلك المفاهيم والقضايا المثارة في الإعلام، فمن سيجيبه عنها!؟ فلما ضيق على مضامين التربية الإسلامية وعلى أستاذها، اضطر التلميذ المراهق الفاقد للمناعة المعرفية، إلى البحث في الشبكة (العنكبوتية) للوصول إلى جواب ولابد من الجواب، عندها يستغل وتقلب مفاهيمه وتشوه أفكاره ويغسل دماغه، والدليل على ذلك أولئك الشباب الذين هاجروا إلى العراق وهم ولدوا في فرنسا وتربو فيها ولم يعرفوا الإسلام إلا من خلال “اليوتوب” أو “جوجل” فأطروا من المنحرفين الإرهابيين.
ما أحوج المتعلمين -في هذا الزمن- إلى تعلم أحكام الإسلام وفهمه فهما صحيحا وشموليا محيطين به من كل جوانبه، كما فهمه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فتجسد ذلك بإعطاء الإنسان كرامته وحريته ومساواته، فلم يعرف زمن كرم الإنسان حق تكريم مثل زمن النبوة والخلفاء الراشدين، ولن يتأتى هذا إلا بإعطاء الأولوية لمادة التربية الإسلامية في المنظومة التعليمية المغربية.
بارك الله فيكم
أشفيتم غليلا