ذ.أيوب الحجام: إنماء القيم من خلال منهاج التربية الاسلامية ..
هوية بريس – ذ. يوب الحجام
إن إدماج المبادئ والقيم من خلال المناهج التربوية والتكوينية عبر فضاء المؤسسة التعليمية وجعلها أحد مرتكزات المنظومة التربوية، أمر ذو أبعاد دينية، ووطنية، وإنسانية، وعلمية، وأخلاقية ،وجمالية، يكون من خلالها المدرس مدعوا لإكساب المتعلم جملة من المعاني القيمية التربوية، مرفوقة بالأجرأة العملية لتوظيفها في حياته اليومية.
فما معنى التربية على القيم؟
وما مواصفات المدرس المتشبع بقيم المواطنة والسلوك المدني؟ وما مدى إمكانية تمرير القيم الوطنية للمتعلم من خلال دروس مادة التربية الإسلامية؟
تعريف التربية على القيم يقتضي تفصيل هذا المركب الإضافي وتحليله من خلال تعريف التربية، ثم تعريف القيم. والتربية عموما هي صيرورة تستهدف النمو والاكتمال التدريجيين لوظيفة أو مجموعة من الوظائف عن طريق الممارسة، وتنتج هذه الصيرورة إما عن الفعل الممارس من طرف الآخر، وإما عن الفعل الذي يمارسه الشخص على ذاته.
وتفيد التربية بمعنى أكثر تحليلا: سلسلة من العمليات يدرب من خلالها الراشدون الصغار من نفس نوعهم ويسهلون لديهم نمو بعض الاتجاهات والعوائد، أما القيم فهي؛ المبدأ أو المستوى أو الخاصية التي تعتبر ثمينة أو مرغوبة، والتي تساعد على تحديد ما إذا كانت بعض الموضوعات جيدة أو رديئة حسنة أم سيئة، صحيحة أم خاطئة، مفيدة أم عديمة الفائدة، مهمة أو عديمة الأهمية، هذه الموضوعات قد تكون أفكار أو قرارات أو أشخاص، أو أفعال أو أشياء…
إن مصطلح القيمة صعب التحديد لكونه ذو معنى شامل لكل الخصال الحميدة المرغوب فيها.
إذا؛ فالتربية على القيم تكون من خلال إكساب المتعلم صفات إنسانية إيجابية راقية مضبوطة بضوابط الشريعة الإسلامية تؤدي به إلى السّلوكات الإيجابية في المواقف المختلفة التي يتفاعل فيها مع دينه ،ومجتمعه، وأسرته في ضوء معيار ترتضيه الجماعة المسلمة لتربية أبنائها؛ وهو الدين، والعرف، وأهداف المجتمع. وتصبح القيم تربوية كلما أدت إلى مزيد من القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ ،وبين الخير والشر ،وبين القبيح والجميل.
فلابد من تمرير هذه القيم وطرق توظيفها للمتعلم وهذا يحتاج ضرورة إلى مدرس متشبع بقيم المواطنة والسلوك المدني.
إذا كانت الأهداف التربوية للقيم هي بناء شخصية الإسلامية المتوازنة والمنفتحة عند المتعلم وتنشئته على قيم التعايش، والتكافل ،والتضامن ،والتسامح ،والانفتاح واحترام الآخر؛ وترسيخ عقيدة التوحيد ،وقيم الدين الإسلامي على أساس الإيمان النابع من التفكير ،والتدبر، والإقناع، وتثبيتها في نفس المتعلم انطلاقا من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ والتشبت بالهوية الدينية والثقافية والحضارية المغربية ،واكتساب قيم وأخلاق وميولات أصيلة تنمو وتنفتح على التراث الوطني والعالمي؛ فإنه لزاما وحتما أن يتوفر المدرس على صفات تخول له توجيه المتعلم وإكسابه هذه الكفايات القيمية السامية، ومن هذه الصفات أذكر:
– أن يكون المدرس عارف بالمقصد التعبدي واضعا إياه نصب عينيه؛ ليتحقق لديه مفهوم التقوى والإخلاص في العمل:
– الوعي بمعاني القيم وأصنافها ومراحل إنمائها والتعريف بها والتدرب عليها؛
– أن يكون المدرس حاملا للمنظار الشرعي أثناء تخطيطه للدرس؛ ليستحضر ويراعي والمقاصد السامية للقيم؛
– إتقان التدبير التربوي، خاصة تدبير التعلمات؛ لأنه الأداة الأساس لتمرير القيمة؛
– الإلمام بمصادر القيم ووظائفها وخصائصها، حتى لا يكون فاقدا لما هو مأمول في أن يعطيه أو يبنيه مع المتعلم؛
– هذا إضافة إلى مواصفات دالة على نبل ما يحمله المدرس في منهاجه الخفي أو تمثله الشخصي عن القيم، فلابد من أن يكون خلوقا محبا مسامحا ،طيبا ،عفوا ،حليما متعاونا، مستقيما متقيا، فاعلا إيجابيا في أسرته وعمله ومجتمعه ووطنه، إنسانا راقيا بإنسانيته، وجميلا بدينه ،مراعيا التوسط والاعتدال، متجنبا للتبديع والتكفير، والتنفير ،والقدح …
ولابد من أن يستغل الأستاذ الفرصة لتمرير العديد من القيم والسلوكيات ذات الطابع الإيجابي المسهمة في تكوين شخصية قوية مواطنة ومستقلة ومعتدلة خلال كل مرحلة دراسية، ووضع الرهان الأساس هو أن يكون المتخرج من الموسم الدراسي متشبعا بقيم الدين الإسلامي، ومعتزا بهويته الدينية والوطنية، محافظا على تراثه الحضاري، محصنا ضد أنواع الاستلاب الفكري؛ منفتحا على قيم الحضارة المعاصرة في أبعادها الإنسانية؛ وملما بقيم الحداثة الديمقراطية ،وحقوق الإنسان المنسجمة مع خصوصيته الدينية والوطنية والحضارية؛ ومتمسكا بالسلوك القويم المعتدل والمتسامح والمثل العليا المستمدة من روح الدين الإسلامي، وهذا كله ممكن في ضوء ما جاء به المنهاج الجديد لمادة التربية الإسلامية، وفق ما حدده من مرجعيات وأسس وأهداف كفائية.
وعليه يمكن اعتبار ترسيخ القيم هدفا من الأهداف الكبرى التي يبدل الفاعلون التربويون فيها قصارى جهدهم على المستوى التنظيري، ومن جهة أخرى فالأستاذ المدرس ينزل ذلك بالمران والممارسة الصفية، متوسلا بجل الوسائل والإمكانات المتاحة وفق ما تجود به البيئة التربوية ببلادنا، ومعتمدا على ما تلقاه خلال التكوينات الأساسية والتكوين المستمر.