أي دور لساكنة مخيمات تندوف في تأثيث المشهد السياسي والرفع من نسب المشاركة؟
ومن هي ساكنة المخيمات؟، ما علاقتها بالنظام الجزائري وكيف يستفيد منها؟، وكيف تنظم قيادة البوليساريو العلاقة بين الساكنة والجزائر؟، وما هي الامتيازات الممنوحة للبعض منها؟، ثم ما علاقة الساكنة بالانتخابات الجزائرية؟، وكيف يستقيم أن تكون جزائريا تمارس مواطنتك الكاملة وتتمتع بالجنسية الجزائرية، وفي نفس الوقت تكون صحراويا مسجلا في قوائم اللاجئين لدى منظمة غوث اللاجئين؟.
فجأة أصبح الغالبية من ساكنة المخيمات جزءا من الخزان الانتخابي المعول عليه في الانتخابات الجزائرية على مستوى ولايات الجنوب، خاصة ولاية تندوف المحاذية للمخيمات التي يقطنها آلاف الصحراويين المسجلين كلاجئين لدى مفوضية غوث اللاجئين، التي تتكلف بتغذيتهم وتنظيمهم، وتمكينهم من المساعدات الانسانية والغذائية، بتنسيق مع جبهة البوليساريو التي تتولى التعامل المباشر مع الساكنة.
إشراف جبهة البوليساريو على الساكنة بمعونات ومساعدات دولية، جعلها على اطلاع تام وكامل على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالساكنة، وبأمكنة قدومها، ونسبها، وأعمارها، وامتدادها القبلي وظروفها الاجتماعية.
ولأن جبهة البوليساريو هي عين الجزائر على المخيمات، فالقيادة تعمل على تزويد الجزائر بالمعلومات الدقيقة على مدار الساعة، بينما الجزائر تدعي أن لا علاقة لها بالمخيمات، وتنصنع الحياد، ودعم الشعوب، لكن الواقع عكس ذلك فهي الآمر والناهي، والمتحكم في كل شيء بالمخيمات ومحيطها، وبقادتها.
على هذا الأساس استطاعت الجزائر التحكم في الآلاف من الصحراويين عبر القيادة التي تشتغل لصالحها، وأصبحت توظفها وتستعملها خدمة لمصالحها، وخلال إنشاء المخيمات في بدايتها سجلت آلاف الجزائريين في قوائم الصحراويين بالمخيمات، ولاحقا قامت بعملية عكسية حين بدأت في تسجيل الصحراويين في الجنوب الجزائري على أنهم مواطنون جزائريون، مستغلة الروابط القبلية لتسهيل العملية، واستغلت القيادة في نفس الأمر، وقدمت إغراءات مادية وعينية للراغبين في التسجيل، لكنها فرضت شروطا مهمة، بأن يبقى المعنيون رهن إشارة السلطات الجزائرية، وأن يلتزم المتواجدون منهم بالجزائر بالرجوع للمخيمات وقت الطلب، وأن يخرج الصحراويون من المخيمات الى الجزائر حسب الطلب والمصلحة أيضا.
غالبية المنتسبين للمخيمات يمثلون الجزء الأساسي لولايات الجنوب الجزائري، وحدهم الصحراويون المحسوبون على المغرب، والمنتمين قبليا وعائليا للأقاليم الصحراوية المغربية، هم من حرموا من التسجيل عن قصد، وعليه منعوا من الحصول على الوثائق الجزائرية، ومنعوا من التنقل والتملك، فكان مصيرهم الحتمي البقاء بالمخيمات ولا شيء غير المخيمات.
مع قدوم الانتخابات الجزائرية، تشهد مخيمات تندوف حركة دؤوبة، وتصبح ساحة للمعارك الانتخابية، تتسابق اللوائح للظفر بأصوات ساكنة المخيمات، وفي يوم الانتخابات تصبح المخيمات قاعا صفصفا، خالية من السكان، الا من المساكين المشكوك في ولائهم، أو الصحراويين المحسوبين على المغرب، أو لهم امتداد فيه، أما الآخرون فينطلقون لتطبيق المخطط المتفق عليه، بالإسهام في تشجيع التصويت، والانتخاب والتصويت على المرشحين، والمرشحون أنفسهم، تجدون يخاطبونك كجزائريين، وتجدهم فعلا مرشحين بتندوف وما جاورها، لكنهم يتباهون بانتمائهم للمخيمات، وينظمون الدعايات الانتخابية داخل المخيمات، والمفارقة التي ندعو كل قارئ للوقوف عليها بنفسه، بأن يطلع على حسابات المرشحين في تندوف مثلا، ونقصد حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وسيتفاجأ من التناقض الصارخ، حين يرى المرشحين يقدمون أنفسهم كجزائريين غيورين على الشأن العام، لكن ما أن يبحر في الحسابات الشخصية ويطلع على المنشورات قبل الانتخابات، سيصدم بانتماء هؤلاء المترشحين الى المخيمات، وحتى من منهم يحاول الادعاء أنه جزائري طوال الوقت، ستجدونه ينشر صوره داخل المخيمات، ويتجول فيها، ويبيت، وينظم خرجات مع المقاتلين، ويرتدي زي البوليساريو، ويوثق لحظات عائلية ينقل عبرها تهاني الأفراح، وينشر التعازي، ويعرفك عبر صورة على جدته، أو عمه، أو خاله العزيز المقيم بالمخيمات، بل وينشر صور قادة جبهة البوليساريو ويشكر هذا، ويتغزل بذاك، ويثني على وقوف آخر معه في مشواره، ثم في النهاية يخرج عليك في زمن الانتخابات يخاطبك كجزائري، غيور على الوضع بالجزائر، ينشر صور الرئيس الجزائري، ويقربك من مبادئ الحزب الذي ينتمي إليه.
أمر عجيب، وغريب، وظاهرة تستحق الدراسة، وينبغي أن نساهم جميعا في تسليط الضوء عليها، ليعرف العالم من هم ساكنة المخيمات، ولماذا يجيشون داخل المخيمات للأنشطة، ويقبلون الخروج بالآلاف احتفالا بحدث داخل المخيمات، وفي نفس الوقت يخرجون بالآلاف الى الجزائر لتأثيث المشهد، والزيادة في نسبة المصوتين خدمة للنظام العسكري الجزائري.
يبقى الأكيد أن ساكنة المخيمات سواء منهم الجزائريون المسجلون كصحراويين بالمخيمات، وسواء الصحراويون المسجلون كجزائريين بالجزائر، ونفس الأمر بالنسبة للقادمين من مالي وأزواد وغيرهما من المسجلين بالمخيمات، هم جميعا وسيلة وأداة بيد النظام الجزائري، يخاطب بهم المنتظم الدولي ويضغط عليه بهم على أنهم صحراويون مؤيدون للبوليساريو، كما يضغط بهم ويفرضهم على الجزائريين، ويبتز بهم أحرار الجزائر، ويمرر بهم ما يشاء، ويستعملهم في الانتخابات والمسيرات المؤيدة للنظام الجزائري، وهنا تكمن أهميتهم، وتشرف عليهم جبهة البوليساريو بإيعاز جزائري.
هؤلاء الساكنة ولاءهم للجزائر، وتصرف عليهم مفوضية غوث اللاجئين، وتحرسهم جبهة البوليساريو، وكثير منهم يبيتون في المدن الجزائرية ويقضون النهار بالمخيمات، يمرون بسهولة بين نقط المراقبة، ويسمح لهم بالتنقل بشروط، عكس الصحراويين الأصليين من المحسوبين على الأقاليم الجنوبية المغربية، محرومون من التنقل، ممنوعون من العيش الكريم، لا يملكون هوية، ولا يملكون شيئا، ولا يسمح لهم بالدخول الى الجزائر الا في حدود ضيقة، ولا يتملكون ولا يبيعون ولا يشترون، مهمتهم البقاء بالمخيمات، وليسوا سوى أرقاما وحصصا غذائية، تعيش على معاناتها قيادة جبهة البوليساريو، وتغتني عبرها، وتمارس سطوتها، وتدعي زيفا قيادتها لشعب، شعب مطعم بالأجانب، شعب لا يملك القرار، ولا مهمة له غير خدمة النظام الجزائري الذي يتوكأ عليه، ويهش به، وله فيه مآرب أخرى. وكالات