الأسرة والمدرسة وإشكالية تصادم القيم
هوية بريس – أيوب الحجام
على مر الأزمان كانت الأسرة الإدارة التربوية الأولى للمنظومة القيمية في مختلف المجالات، لكنه ومع انتشار المؤسسات التعليمية وسائل وأساليب التعليم والتعلم المنتظر استثمارها لهذا الغرض والتوسل بها لغيره من الغايات التربوية؛ نجد أنه سرعان ما تسابقت مكونات تلك الأسر إلى التخلص من تبعات هذا النوع من الإدارة، لتلقي بها على كاهل المؤسسات والمدارس، فأصبحنا نرى العامي والأمي والمثقف…يشيرون بأصابع الاتهام وأحكام القيمة على المنظومة التربوية التعليمية، يحملونها مالاتحتمل من الافتراءات الجماعية، والادعاءات الحمالة لنتائج لاعلاقة لأسبابها بالمنظومة، لماذا لانخرج عن صمتنا؟ نصرح ونصرخ بحقيقة فشل الأسرة باعتبارها تضم المراحل الأساسية لإعداد الطفل وتأهيله لولوج المؤسسات التعليمية، نعلم أن الأسرة كانت تقوم بأدوارها الفطرية سلفا، كانت الأم مدرسة ترسم البدايات لأبناءها، والأب مدرسة ثانية تسهر على إعدادهم، والمسجد مدرسة ثالثة تؤهلم وتصقل ملكاتهم الخلقية، وحينها يأتي دور الأستاذ، فيجد الأرضية جاهزة، ويشتغل في راحة تؤتي أكلها بعد حين.
كفى من تغيير المؤسسات، وتبديل المقررات، وإقالة بعض النظريات والبيداغوجيا التي كانت في الماضي القريب حديث الكل بنتائجها المبهرة، كفى من تسطير البرامج واقتراح الحلول داخل المنظومة.
انظروا إلى ماقبل المنظومة، فقد جاء المتعلم للمدرسة مبرمجا، ومالكا لجملة من الكفايات من قبيل؛ (لايحق للأستاذ أن يضربني…) التفتت الأمهات إلى قنوات الطبخ باليوتيوب، ومواقع الموضة، وأخبار الفن، ومشاكل خليلاتهن عبر مجموعات الواتساب. انصرف الأب إلى المقاهي مباشرة بعد العمل، وإلى الفيسبوك باحثا عن صديق ينسيه متاهات الحياة وأزماتها، أغلقت الكتاتيب ودور القرآن التي كانت بالأحياء، وعوضت بالتعليم الأولي الذي لم يعطى حقه تكوينا وتأهيلا وإعدادا وتدبيرا، هذا الذي ترى فيه الأسرة السبيل الوحيد للتخلص من ضجيج أبنائها، لكنه بمنظار الواقع هروب وتفرغ، وتخلص من أدوار تربوية تؤسس للقادم. بعد مدة نجني الثمار، وتدفع الأسرة الضريبة بمعية المنظومة التربوية، حين يجد المتعلم نفسه أمام تناقضات: (لايحق للأستاذ أن يحرجه او يهينه او يضربه….لكن كل ذلك مباح للأسرة، وللأصدقاء الذين هم نتاج أسر مثل أسرته، ومباح لبعض المتعطشين للسلطة والتسلط والخروج على القانون، أو حتى الركوب عليه…).
إن مايعيشه أبناؤنا اليوم ماهو إلا ثورة منهم على أنفسهم وعلى أسرهم، امتد صداها إلى أسوار المؤسسات التعليمية ليترجم على شكل الغش والتخدر، وسب الملة والدين، وانتهاك الحرمات والأعراض، والتطاول على المدرس والإدارة، بل والتقاط الصور ومقاطع الفيديو مع الأسلحة البيضاء مرفوقة بجل ما حملته قواميس الدارجة من الكلمات الساقطة الخادشة بالحياء والناسخة لكل المعارف والكفايات المنتظر منه أن يستغلها ليسهم في بناء مستقبله، ومن ثم السير بالركب الثقافي والحضاري إلى المقاصد السامية.
فبمثل هذا ظلت القيم عنوان النسيج المجتمعي الفاضل والمنظومات التربوية المثلى، وبطلة سير العلماء ورجال الدين وفرسان التاريخ. لكن السؤال عن معنى القيم بقي جوابه مجنحا غامضا لدى الكثيرين، حتى أهل التخصص أحيانا انزاحوا إلى ضرب المثل حال طرح سؤال مالقيم؟ وغاصوا في ذكر كل المحاسن والخصال الحميدة والفضائل الإنسانية التي انفطرت عليها الضمائر في الجانب الصاحي منها، الأمر الذي استدعى الرجوع إلى إحياء الثراث الإسلامي بالبحث فيه والتنقيب، علنا نجد حقلا عمليا لمعنى منهج تنزيل القيم وغرسها في النفوس وتنميتها، وتثمينها للتخلص من التناقضات المسببة للفوضى داخل الأسرة والمدرسة والمجتمع، ولبناء الإنسان.