جلال عويطا يكتب: إما أن نكون مع القرآن، أو نكون مع فرنسا!
هوية بريس – جلال عويطا
“ففي ضوء القرآن يبدو الدين ظاهرة كونية تحكم فكر الإنسان وحضارته، كما تحكم الجاذبيةُ المادةَ، وتتحكم في تطورها.”
هكذا كتب مالك بن نبي في كتابه “الظاهرة القرآنية” الذي ألّفه تحت سماء باريس التي أخرجت المتناقضات، أخرجت الظاهرة القرآنية لمالك بن نبي والنبأ العظيم لدرّاز، وأخرجت طه حسين وأركون وغيرهما، ومن هناك أدرك مالك كما أدرك دراز وطه عبد الرحمن وآخرون أن القرآن أساس الحضارة الإسلامية، الأمر الذي لا محالة تدركه فرنسا وغيرها، مما يدفعنا إلى فهم وتفسير العداء التاريخي للقرآن من قِبل كثير من الدول، من أبرزها فرنسا التي أوقفت مؤخرا إمام مسجد بتهمة تلاوة آيات تعادي قيم الجمهورية!
وهذا الفعل ليس جديدا، فقبل سنوات وقَّعت مجموعة من المثقفين والسياسيين وغيرهم عريضةً تطالب فيها بحذف آيات من القرآن الكريم بدعوى معاداة السامية، كأن السامية أساس إلهي لا ينبغي المساس به، وأن ما دونه يداس بالأقدام كلما خالف ما فيها من قيم ومبادئ! وقبلها ادعى إيريك زمور تحالف المسلمين مع الإرهابيين والقتلة، أو ما أسماه بتحالف القرآن والكلاشينكوف:
« Au XIXe siècle, on disait : ‘La France monarchie, c’est l’alliance du sabre et du goupillon’. Eh bien dans les banlieues françaises, c’est l’alliance de la Kalachnikov et du coran ! »
ولا يليق في هذا المقام الإكثار من ذكر ما صدر عن هذه الدولة وعن بعض مثقفيها وسياسييها من هجوم على الإسلام والقرآن، لأن هذا صار معلوما للجميع، إذ ليس هذا هو المشكل، فأن تقوم دولة برفض أي ممارسة دينية فوق ترابها هذا أمر يمكن أن يكون مقبولا، لكن المشكل هو أن تدعي دولةٌ قيمَ الحداثة وتورج للحرية الفردية والحرية في الاعتقاد وترفض الوصاية في مجالات الدين والحياة، ثم تستثني من هذه القيم ما كان مرتبطا بالإسلام فقط، هنا يوجد المشكل، وهنا مُسوِّغ الإنكار والاستنكار، لأنه لا يعقل أن يضيَّق على حجاب المسلمين ويوسّع على حجاب اليهود، وأن يهاجم قرآن المسلمين، ويفسح المجال لتوراة وإنجيل غارقين في الدموية، ثم ماذا؟ ثم القرآن يجب أن تزال آياته، وأن يُفرغ من محتواه، وأن يحذف كل ما يشكل الهوية الإسلامية، وألا يبقى فيه إلا المشترك الإنساني الذي يدعو إلى التسامح والعفو حتى مع مَن استعمرك وحشر أنفه في مشاكلك! ثم ماذا أيضا؟ ثم (وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ)
الامر الخطير هو أن الإسلام لم يعد مستهدفا جملةً كما كان في القديم، بل صار يُذابُ قطعة قطعة، وتمحى هوية المسلمين جزءا جزءا، وتنقض عرى الدين عروة عروة .. وكل مرة بحجة جديدة !
إن إشكالية فرنسا اليوم مع القرآن هي إشكالية وجودية؛ إما فرنسا وإما القرآن، فلا يُمكن أن تتعايش مرجعية القرآن مع المرجعية الفرنسية لأن لهما رؤيتان مختلفتان تماما، بل متعارضتين إلى أبعد الحدود؛ فإقصاء القرآن ونصوصه اليوم لمن يملك أمر الحكم أمر عادي في سياق بقاء الجمهورية الفرنسية !
باختصار، وبتعبير آخر، إما أن نكون مع القرآن، أو نكون مع فرنسا.