سبعة أسباب تُدخل تركيا في حلقة النار…
هوية بريس – متابعة
الإثنين 14 دجنبر 2015
في الوقت الذي تتخذ فيه تركيا الإجراءات التقليديةَ لتهدئةِ الوضع مع روسيا، تُصرُّ الأخيرة على التصعيد فتطلق صاروخ “كاليبرا” عابرا للقارات من عمق البحر مداه 10 آلاف كلم، وتجعل من العراق رأس حربة في مجلس الأمن لضرب مصالح تركيا فيه…
لكن الذي يجب التركيز عليه هو: هذا السكوت الأمريكي تجاه هذه الخطوات، التي إن حسبناها عسكريا وسياسيا فهي ضد الناتو وأمريكا حقيقة. فإن كانت الصواريخ العابرة للقارات والقادرة على حمل رؤوس نووية تهدد أنقرة، فإنها من باب أَولَى تهدد المِنصَّة البحرية للأسطول السادس (سنتكوم) الأمريكي، كما تهدد المنصات البرية الثابتة في كلّ من البلقان وأوروبا، هذا عسكريا…
أما دبلوماسيا فإن السماح بالمناورة العراقية في مجلس الأمن ضد تركيا سيعطيها المنصة القانونية لمتابعة الوجود الأمريكي والبريطاني… وغيرهم في العراق.
سأقولها بكل وضوح: تركيا هي الهدف المقبل، وسياسة تصفير المشاكل والتخندق داخل حلقة النار لم تعد مجدية استراتيجيا، وهناك الكثير من الأسباب والمؤشرات تجعلنا نرجِّح أن الساحة القادمة في إدارة الحرب بالوكالة ستكون تركيا، أهمها ما يلي:
1- وجود الحلف الغربي بهذه الصورة المكثفة وبأسلحة ردعية غير تقليدية في مواجهة تنظيم الدولة – كما يزعمون – الذي يملك أسلحة تقليدية جدا وتركيبة عسكرية لا ترقى للجيش النظامي، تجعلنا نجزم أن الهدف الاستراتيجي – حتما – ليس التنظيم؛ وإلا كان يكفي التعاملُ معه بالطريقة نفسها التي جرت في العراق حيث ألجئ إلى الصحراء سنينا.
2- الوجود الروسي في سوريا وبهذه الطريقة الاستعراضية مع عدم اعتراض الإرادة الدولية على إطلالتها على البحر المتوسط بدليل أنه أمر ثابتٌ دوليا، وأيضا كلُّ ممولي المعارضة السورية ما زالوا حتى الآن يرسمون خطا أحمرَ للثوار تجاه الساحل… فالأمر إذا ليس متعلقا بتنظيم الدولة ولا المعارضة؛ بل بهدف أكبر وأمرّ وأخطر.
3- لا يمكن أبدا إغفال الدور الصهيوني في كلِّ هذا؛ فالحركات الخبيثة التي قام بها نتنياهو مباشرة بعد إسقاط الطائرة الروسية وتبجحه بأن روسيا تنتهك مجال فلسطين المحتلة ورغم ذلك لم يسقط الجيش الصهيوني طائراتها لأنهم يتفهمون الجانب الروسي… وحتى من قبل حادثة إسقاط الطائرة، فقد زار نتنياهو بوتين بحقيبة من المعلومات الاستراتيجية للمنطقة، التي جمعوها طيلة السنوات الخمس من الثورة السورية المفتوحة والمكشوفة على الثوار والدول اللاعبة فيها، وقد خرجوا باتفاقات مرضية للجانبين.
لا يمكن اعتبار ذلك إلا طعنة استخباراتية للمحور السني (تركيا – السعودية – قطر)، طبعا هذه الطعنة تعتبر المنصة المثلى للحلف بين روسيا والكيان الصهيوني، وهو – حتما – ضد تركيا والسعودية.
4- إن تشكُّل محور الشر ووضوحَ اصطفافه لكلّ من مصر والإمارات والعراق والكيان الصهيوني، وتفويض مصر بإدارة مهمات ثقيلة أهمها مكافحة الإرهاب وتسيير ملف العقوبات الاقتصادية على العراق، سيشكل الفرصة التاريخية للسيسي والإمارات والصهاينة للانتقام من تركيا ومحاولة “تحديد” أردوغان مرة أخرى، وهو ما ظهر على لسان بوتين ونتنياهو وابن زايد ونظام السيسي؛ فالهدف إذا معلَن وليس بخفي.
5- لا نُغفِل أيضا ضمَّ القرم وإستونيا وأبخازيا وأجزاء من أوكرانيا فعليا أو تحت الصفة الرسمية لتحديد حركة الناتو ظاهريا؛ لكن الهدف الفعلي هو تحييد النشاط العسكري البحري لتركيا في البحر الأسود، وهو ما يتيح لروسيا وغيرها الفرصَ العسكريةَ للاستيلاء على المعبرَين الاستراتيجيين الخانقين لروسيا خاصة في حالة الحرب بموجب اتفاقية مونترو، وهما مضيق البوسفور وممر الدردنيل.
6- إن إتاحةَ الفرصة لإيران للتراجع إلى الخلف لالتقاط الأنفاس أمرٌ مثير للريبة؛ خاصة مع أخبار انسحاب بعض ميليشياتها من سوريا ومحاولة اللعب على إمداد الطاقة لتركيا بحجة البرد والاستهلاك الداخلي… وما أخشاه – حقا – هو أن كُلا من روسيا وإيران وبموافقة أمريكا يهدفون إلى استبدال التوتر في العراق من (إيراني – سني) إلى (شيعي – تركي) لاستنزاف تركيا وإرهاقها في معاركَ جانبية وكشف خاصرتها القبرصية، فأرجو أن يتنبه الإخوة الأتراك لذلك جيدا.
7- إن العمل التخريبي الذي طال منصة النفط الشمسية لأذريبيجان والواقعة ببحر قزوين والذي راح ضحيتها 31 عاملا؛ لا يمكن قراءته الا استهدافا لأنقرة وحليفتها باكو، خاصة اذا علمنا أنها توفر 60 في المئة من اجمالي نفط أذربيجان وأن هذا العمل التخريبي كان يوما واحدا قبل زيارة رئيس الوزراء التركي داوود اوغلو ومباحثاته مع الرئيس الأذري الهام علييف حول مشروع خط النفط بين البلدين ..
وبناء على ما سبق، يبقى لزاما على تركيا أن تبحثَ عن خطط بديلة خارج الأطر المعهودة لتجاوز خطر غير معهود تماما.
وفي ما يلي جملةٌ من الاقتراحات السريعة، التي أعترف بقصورها لشح المعطيات الدقيقة، لكنه جهدُ المقل عسى أن تفيَ بحق النصرة لإخواننا الأتراك تجاه هذا التهديد الوجودي غير المسبوق:
1- لا بد من صناعة أوراق ضغط خارج إطار الدبلوماسية.
2- لا بد من التفعيل الفوري لثقل الأمة التركية من القفقاز وآسيا الوسطى إلى الحدود الأوربية.
3- لا بد من استدعاء العمقين الاستراتيجيين للأمة التركية (الأمة العربية، والأمة الكردية) لتشكيل كتلة بشرية مليارية تكون خزانَها البشري الاستراتيجي؛ فهاتين الأمتين أقدر على التكيف والقتال من الأمة التركية التي تحتاج لوقت ليس لصالحها حتى تتكيف.
4- حلف الناتو غيرُ مأمون الجانب في الاعتماد عليه في إدارة صراع دولي مقابلَ صراع إقليمي خطير استراتيجيا؛ فلو انتقل الصراع للمواجهة بين روسيا وتركيا فإن أمريكا دائما تتفادى التهديد الدولي على حساب التهديد الإقليمي، وهو ما نعرفه عن النفسية الدبلوماسية الأمريكية.
5- وهذا ما يستدعي تشكيل حلفين أحدهما معلنٌ وهو مع الدول، وآخر عملي غيرُ معلَن؛ ويكون مع الجبهات الشعبية من الكتل الثلاثة الكبرى (الأتراك العرب وباقي المسلمين من الكرد والقفقازيين وغيرهم…).
6- التبني الكامل للثورات العربية واعتبارها الخط الدفاعي الأول لتركيا ولا يجب أن يسبب هذا حرجا ، فنحن نرى الألمان مثلا يتبنون البي كي كي pkk ويرونه حليفا استراتيجيا خارج الدول، والاتحاد الأوربي يتبنى حزب الله الشيعي ولا يعتبره إرهابيا..
7- تنمية روح الجهاد في الشعب التركي، وهذا خيار استراتيجي، والآلة الحربية الإعلامية للغرب والشرق تعمل عملا رهيبا حتى لا يعتمد عن الشعوب الاسلامية المستهدفة ورأينا مثلا صدام حسين كيف انتبه لذلك لكنه فعلها متأخرا.
8- تهيئة الشعب التركي للتكيف مع سيناريو الكارثة والطوارئ وتحفيز العقول لإيجاد:
– بدائل تقليدية لمصادر الطاقة والغذاء والماء.
– بدائل للصناعات الحربية ،العالية التقنية ،سهلة الإستعمال، خفيفة الحمل ودقيقة الهدف.
9- تعزيز مفهوم الشعب المقاوم خير من جيش نظامي قوي، وهذا لا يحتاج لكثير تعليل. فقد كان الجيش العراقي أقوى جيش عربي لكنه لم يصمد أمام الحلف الغازي أكثر من 41 يوما ، أما الشعب فلا زال يقاوم لحد الآن.
10- لا بد من ترقية عقيدة الجيش التركي من القومية إلى الهوية العثمانية العريقة، وهذا من شأنه نقل التهديد من كونه في قلب الدولة التركية إلى أطراف النفوذ الجديد، دون التخلي عن الأطراف الحليف، وإلا انعكس ذلك سلبا وبطريقة خطيرة جدا. ولنا في بعض قبائل القفقاز والعرب تجربة سيئة كردة فعل تجاه قرارات خاطئة من بعض الجنرالات العثمانيين.
11- تعزيز دور المختار والجمعيات الخيرية وترقيتها إلى كتل خدمية تسير الكتل الشعبية عند انشغال الدولة ومؤسساتها بالدفاع عن البلد.
(رضا بودراع-العربي21).