لماذا تخافون من إلياس العماري و«مجموعته»؟؟؟
ذ. إبراهيم الطالب (مدير أسبوعية السبيل)
الأربعاء 16 دجنبر 2015
الخوف هنا ليس خوفا لضعف الخائف، وليس خوفا من قوة عاقلة منضبطة لدى المَخوف، بل هو إحساس يجعلك تترقب في كل لحظة أن تقابل شيئا مجهولا من طرف مَن تخشى خيانته، كأن يجهل عليك بكل ما في جاهليته من عنف وقوة، تكون عادة من أخس أنواع القوى.
الخوف هنا كخوف يعقوب على ابنه يوسف -عليهما السلام- من إخوته الذين أضمروا أن يقتلوه أو يطرحوه أرضا، فأعرب عن الخوف من الذئب بدل التصريح بالخوف منهم قائلا: “وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ“.
فهذا النوع من الخوف هو أقرب إلى انعدام الثقة، وفقد الأمانة في الشخص الذي تتعامل معه.
فردود فعل الناس مباشرة بعد الإعلان عن انطلاق مجموعة إلياس العماري، جاءت أغلبها يكتنفها هذا النوع من الخوف نظرا لكثرة التساؤلات المحيطة بشخصيته ومساره السياسي، والالتباس الذي يغلب على خرجاته وأدواره في المشهد العمومي، والتي يمتنع البعض عن الإفصاح عنها حتى لا يفقد امتيازا، أو يجلب على نفسه نقمة.
فلماذا يثير إلياس الشكوك؟
لماذا لا يثق به العاملون الصادقون؟
لماذا لا يحرك الأقلام المعروفة بنزاهتها لمناقشة أفكاره والتعاون معه؟
ولماذا لا يستحث الألسنة الصادقة على الدفاع عن مشروعه؟
فهل خروجه من قمقم السلطة ومحيط القرارات العليا يضعف مصداقيته لدى الصادقين فيفقدوا الثقة به وبمشاريعه؟
ألا يحق للناس أن تتساءل، كيف استطاع أن يجمع بين النضال والسلطة؟
فقد اعتاد الناس أن يروا المناضل تحت أحذية الشرطة أو في سراديب مخافرها.
كيف له أن يتبجح بالنضال وفي الوقت ذاته يكون تابعا لإشارة السلطات منقادا لمن يشخصون مصلحة النظام؟
كيف استطاع وجهه أن ينط من “المجهول” السياسي و”العدم” النضالي إلى “المعلوم” الحزبي و”الوجود” الإعلامي؟
ألا يترك هذا كله الانطباع لدى الناس أن إلياس قفز من عالم صناعة السياسة إلى معترك صناعة الإعلام ليزيد من اليأس عند المغاربة؟
أم ترانا نظلمه؟
فقد يكون مجيئ هذا العماري ليُحيل خراب الصحافة عمارا.
فإن كنا مخطئين، فلماذا إذًا لازالُ الناس يتهمونه بالتخريب الكامل للحياة السياسية قبل مجيئ غرمائه البيجيديين؟؟
لماذا تلفُّ هذا الرجلَ ضماداتُ اللَّبس والالتباس كمومياء فرعونية؟
من أين يستمد قوة «التفرعين» رغم ضعف بنيته، وانعدام الكاريزما في شخصيته؟؟
أمِن سلطة «قَصرٍ»؟
أم من طول «مَدٍّ» ليديه في الشأن العام، الذي يعتبره المراقبون امتدادا، لأيدي مَن كانوا يتوقون إلى إجراء أكبر عملية «جَزْرٍ» لحزب سياسي مافتئ يتمدد، ثم شاء الله أن يدخل أسوار القصر الواسع الفسيح من باب السجن والضيق، ليصنعا معا (أي الحزب والقصر) شيئا اسمه: «الاستثناء المغربي»، الذي نخشى أن يكون المستثنى الأول فيه هو ذات الحزب “الإسلامي” الذي أقنع المغاربة بِلَمِّ أنفسهم من الشارع، وفرض عليهم الإيمان المطلق بجدوى «الاستثناء» في إحلال العدل والعدالة الاجتماعية؟
هل يمكن أن نصدق أن هذا ال-إلياس قد فك ارتباطه عن قوةٍ مستترة كانت تحركه قبل “الربيع”، وأنه تخلى عما كانت توفره له من مال وجاه وسلطة؟
تلك القوة شاء الله سبحانه أن تتوارى خلف جدُر «الاستشارية» بعد أن كانت قوة فعلية على أرض الواقع، حاولت ثم فشلت في تحريك « كل الديمقراطيين» لحرب كل الإسلاميين من خلال «أصالة» عجزت عن إقناع المغاربة بتُلودِها، وكذلك «معاصرة» أرادت أن تعصر الضرع المغربي دمًا بدل أن تحلبه حليبا؟ جهلا منها بحكمة المثل المغربي الأصيل القائل: «المحلوبة حليبْ والمعصورة دمْ»، والذي يقذفه المغاربة في وجه كل من أراد أن يصل إلى مآربه «بَزَّزْ»، أي بالقوة رغما عن إرادة الناس ورغبتهم.
فإذا كان هذا حاله، فكيف استطاع إلياس أن يجمع كل تلك الشخصيات المهمة في مجال المال والسياسة و«الفكر»؟
أكيد.. أنه ما كان ليستطيع ذلك لولا قوة «جماعته» الأولى، لا صدقية مجموعته؟
كيف أقنع «المستثمرين» ليضعوا في جيبه كل تلك المليارات ليضارب في سوق الإعلام المفلسة أصلا؟
وكيف يقنعهم وقد صرح في شريطه الدعائي، أنه لا يهمه أن يبيع 100 نسخة فقط طالما فيها خبر صحيح؟؟
إنه يصرف صرف من لا يخشى الإفلاس، لأن ما يصرفه لا يحاسب عليه، مادام قد صرح مرارا أنه جاء ليحارب أسلمة المغرب، وكأن المغرب لا زال في زمن الكاهنة، وليس في زمن أميرٍ للمؤمنين.
مشكلة إلياس وخلفيته و«مخلوفيته» أنهم يعاكسون التيار الجارف يريدون العوم ضده، يعملون ضد رجوع المغاربة إلى أصالتهم، يسمون كل التزام بالشرع إخوانية، وكل مظهر من مظاهر الشريعة تطرفا.
عكسهم ومعاكستهم للواقع دفعهم إلى الاستعانة بدعم صحفي خارجي، وكأن أكثر من 30 مليون مغربي ليس فيهم صحفي لديه الخبرة ليقود مجموعتهم، فآثروا استيراد «قلم» مصري بَرَاه الخليج.
فهل لنا أن نتصور الدور الموكل لـ«قلمٍ» صحفي اكتسب كل حرفيته الصحفية في بلاد مِن أهمّ رجال أمنها واستخباراتها المسمى خلفان.
قَلَمٌ مصري لم يعتد الحرية لا في بلاد المنشئ ولا بلاد المهجر، شارك بقوة في تكوين إعلام الأمراء، في بلاد الديكتاتورية، التي لم يقل له أصحابها حتى كلمة «ياله مع السلامة» عندما أرادوا إقالته، حيث وجد خطاب إقالته من منصبه ذات صباح شاحب شحوب صخور الخليج، وجده على مكتبه ليعلم من خلاله أنه لم يتبق له ببلاد الإمارات سوى 24 ساعة ليخرج وراء حدودها، إنه المصري طارق الفطاطري، الذي استجلبه ولد الحسيمة الشامخة ليكون له سندا في إنجاح مهمة مجموعته وإنشاء إعلامٍ له ولمَن خلفه.
نعم «لمن خلفه» فليس أمام إلياس أحد، فهو لا يخاطب الشعب، كلامه في كل ما يقوله رجع صدى لكلام من خلفه.
لذا نتوقع أن تكون مهمة الفطاطري سهلة، فهي شبيهة بمهمته السابقة في بلاد تنفق من مال المسلمين لقتل المسلمين.
لسنا هنا نعلن العداء للأستاذ طارق الفطاطري، وإن كان هو قد أظهر العداء من أولى كلماته حيث لم يستح من نفسه، وأعلن منذ اليوم الأول للمغاربة على جداره الأزرق أنه جاء ليحارب التطرف والمتطرفين، وكأنه يقول للمغاربة: ها قد أتوا بي إليكم لأحارب تطرفكم ومتطرفيكم، على منهج ضاحي خلفان في مصر وليبيا وتركيا، لكن ليس بالرصاص والانقلابات بل بالأخبار والجرائد والمجلات.
نرجو من الفطاطري أن يعرف لنا التطرف في مقالة من مقالاته، كي يعرف المغاربة المتطرفين، ويسلموهم له ولجماعته أو مجموعته فبلادنا آمنة لا نريد أن ينشر لنا فيها فوضاه «البوشية» «الخلاقة».
يذكـِّر استيراد العماري لطارق الفطاطري المغاربةَ باللبناني وديع كرم الذي استجلبه اليوطي ليكون مديرَ جريدة السعادة الناطقة باسم الاحتلال والعسكر الفرنسي، وليحارب بالقلم والقرطاس المجاهدين والمقاومين المغاربة الذين كان ينعتهم ذلك اللبناني بالمتطرفين والإرهابيين.
نخشى أن يعجن الأستاذ الفطاطري في “آخر ساعة” فطيرة بلا زيت ولا ماء، ويكتفي بطحن أشلاء الضحايا وعجنها بدماء التطرف والإرهاب فقط، و«يؤخونها» و«يدعشنها»، على الطريقة الخلفانية أو الدحلانية، فتأتي صلبة مثل الحجر.
نريد منه ما دام جاء ليحارب التطرف أن يحدثنا عن شريعة الإسلام، هل فيها تطرف لا يليق بـ”سمو” المواثيق الحقوقية المحكومة بمقدسات العلمانية الغربية؟
أن يحدثنا عن أحكام الإسلام، في تصريف الشهوة وتحديدها لمفهوم الحريات الفردية من سحاق ولواط وزنا، وعلاقة كل ذلك بالتطرف.
أو عن المرجعية الإسلامية في الشأن الحزبي وصلتها بالأخونة والإخوان، والأسلمة والدعشنة.
أو عن حقوق المحجبات اللائي يخفن من اجتياز المباريات المهنية، لأن المتنفذين يحكمون على الحجاب أنه مظهر من مظاهر التطرف، بله حقوق المنتقبات.
نريده أن يحدثنا عن العدل وحقوق السجناء الإسلاميين ومعاناتهم في سجون المملكة، وإقصاء وزارة العدل من تدبير ملفهم، حيث لا يستطيع وزير عدلنا أن يقدم أو يؤخر فيه.
نريده أن يوصل صوت المئات ممن اصطلوا بسوط تهمة الإرهاب وقضوا سني شبابهم وراء القضبان، دون أن يعلموا لماذا سجنوا؟
لا نريده أن يستورد لنا تطرف داعش ويستفيض في نقاشه، أو يطنب في التعليقات على أحداث باريس، دون أن ينورنا بتحليلات معمقة عن استغلال الاستخبارات الدولية للتطرف المصنوع والإرهاب المرعي في وضع الخريطة الجديدة البديلة لخريطة سايس-بيكو؟؟
أما سؤال: لماذا تخافون من إلياس العماري و«مجموعته»؟؟؟
فيبقى، مهما قيل في الرجل، شبه معلق إلى حين رفع الستائر الحريرية الشفافة التي تحول دون معرفة حقيقية تفسر بوضوح تام مِن أين أتى إلياس بهذه القوة كلها.
ننتظر ربما تأخذ الصحوة يوما مأخذها من رأس الأستاذ بنكيران، ليبتعد عن الاستنجاد بالعفاريت، ويكشف المستور، فالعفريت خرج من قمقمه مع مجموعة من العفاريت و«العفريتات»، ليقول لجنده من الصحافيين: «شبيك لبيك آخر ساعة لحرب الإسلاميين بين إيديك».
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
الأستاذ إبراهيم الطالب