مذهب السادة المالكية في حكم قتل الخوارج المارقين
رضوان شكداني
هوية بريس – الثلاثاء 05 يناير 2016
بعد أحكام القتل التي صدرت في المملكة العربية السعودية في حق شرذمة من البغاة الذين حاولوا الإفساد في تلك البلاد الآمنة وتقتيل العباد، انبرى أصحاب الحقد الدفين على المملكة السعودية وعلمائها باللمز والتنقيص والطعن دون تبصر وروية، وحاملهم في ذلك الحماسة الزائدة وخفة التفقه في الدين، لذلك أردت تأصيل هذه المسألة من الناحية الشرعية وكلام أئمتنا المالكية -رحمهم الله- دفعا للريبة في هذا الموضوع.
إن المتأمل في أقوال السادة المالكية المحررة في كتبهم في مسألة قتل وقتال الخوارج المارقين، يجدها لا تختلف في التنصيص على وجوب قتالهم إذا ظهر منهم الفساد في الأرض وامتنعوا عن الرجوع لجادة السنة، بل هذا القول السديد هو قول عامة فقهاء الأمة كما قال الإمام ابن عبد البر: “أجمع العلماء على أن من شق العصا، وفارق الجماعة، وشهر على المسلمين السلاح، وأخاف السبيل، وأفسد بالقتل والسلب، فقتلهم وإراقة دمائهم واجب؛ لأن هذا من الفساد العظيم في الأرض” التمهيد 23-338
وهذا الإجماع مستند إلى نصوص نبوية مستفيضة منها قول عَلِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. رواه البخاري (6930)، ومسلم (1771).
وقال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: “يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ”. رواه البخاري (6933)، ومسلم (1761).
وفي رواية لمسلم: “لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد”.
وهو فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما خرجوا في عصره ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري قال: “أشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه”.
ونص الإمام مالك على هذا الحكم فقال: “الإباضية والحرورية وأهل الأهواء كلهم أرى أن يستتابوا فإن تابوا وإلا قتلوا” المدونة 2-48.
قال ابن القاسم: “قال مالك في الحرورية وما أشبههم أنهم يقتلون إذا لم يتوبوا” .المدونة 2-47
وقال القاضي إسماعيل ابن إسحاق القاضي: “رأى مالك قتل الخوارج وأهل القدر من أجل الفساد الداخل في الدين، وهو من باب الفساد في الأرض، وليس إفسادهم بدون فساد قطاع الطريق والمحاربين للمسلمين على أموالهم، فوجب بذلك قتلهم، إلا أنه يرى استتابتهم لعلهم يراجعون الحق، فإن تمادوا قتلوا على إفسادهم لا على كفر”. التمهيد مع فتح البر 1/471-472.
يبقى هذا التنصيص الفقهي واضح في تقرير مسألة قتال الخوارج البغاة ثم ينزله العلماء في كل عصر وقطر بحسب أحوالهم وحوادثهم فهم أهل التنزيل وألوا التدليل والتأويل.