سأكتب رغم أنكم لا تسمعون وإن قرأتم…
مصطفى الحسناوي
هوية بريس – الجمعة 08 يناير 2016
لا يهمني أن لا يستجيب لنداءاتي وصرخاتي مسؤول ما بإحدى المؤسسات الصورية التي يؤثث بها النظام الحاكم المشهد. أو تدفع بياناتي الدكاكين الحقوقية للقيام بواجبها. اللهم إلا بعض الصادقين الشرفاء، ويعدون على رؤوس الأصابع.
لا يهمني هذا أو ذاك وأنا أسطر البيان تلو الآخر دون استجابة أو تفاعل.
ذات مرة قال لي أحد البلداء وهو بالمناسبة مسؤول بالسجن: إن بياناتي لا تأثير لها بدليل أنه مستمر في عمله وأن أجرته يستلمها آخر كل شهر. كتمت ضحكة كدت أفجرها في وجهه بعد أن علمت أي طينة من الأغبياء ممن يستعين بهم النظام لنشر بطشه وبسط قمعه في سلسلة مكونة من زراويط وبنادق وأدوات بشرية تنتمي لما أسماه “أتين دي لا بواسييه” بالعبودية المختارة.
إن الواحد من هؤلاء لا تعنيه صورة بلاده بالقدر الذي يهمه أجره الشهري مثل دابة لا تعرف غير العلف، فهو لا يدرك أبعاد تلك البيانات ومآلاتها آجلا أو عاجلا، لا يدرك أن تجاهل بيان يدفع لكتابة آخر بنفس أعمق وحمولة أثقل وجرأة أكبر، وأن تجاهل مطلب بسيط يترتب عليه ما هو أعظم.
لذلك طالما أن أمثاله ممن يقرؤون بياناتي لا تجاوز حلوقهم ويحمدون الله أن رواتبهم لم تمس بسوء هم الأغلبية الساحقة فسأستمر في الكتابة مستفيدا من هذه المساحة التي يمنحني إياها من لا يهمهم من كتاباتي سوى أن لا تقترب من رواتبهم فتمسها بسوء واعدا إياهم أن رواتبهم ووظائفهم المقدسة لن تمس.
فليناموا قريري العين لأني سأتحدث فقط عن سياسة النظام وسجونه وواقع الحقوق والحريات المزري والخطابات الكاذبة والشعارات الفارغة؛ عن بيعي وأمثالي في صفقات دنيئة. سأستمر في الكتابة ليشهد التاريخ والأجيال على ظلام وإجرام هذه الفترة.
سأكتب لمجرد الكتابة، لمتعة الكتابة، فلتصموا آذانكم كما شئتم. كان لابد من هذه المقدمة حتى لا يظن ظان أن تجاهل رسائلي سيدفعني إلى اليأس لا والله.
إن التصعيد يدفع إلى تصعيد مضاد، والتجاهل يدفع الى الإصرار والعناد والظلم يدفع إلى الحقد، ومع علمي أن الجهات التي وضعتني بالسجن لا همّ لها سوى إلحاق أكبر الأذى بي فإن هذا لا يزيدني إلا إصرارا وعنادا للتشبث بمظلوميتي وعدالة قضيتي بحقوقي وأفكاري وقناعاتي.
سبب هذا الكلام ما أقدم عليه المدير من انتهاكات أشرنا إليها في بيان سابق موقع من طرف خمسة معتقلين، وبعد نشرنا للبيان ازدادت وثيرة الاستفزاز؛ وقد استفسرت عن سبب تلك المعاملة اللاإنسانية وتم تبليغي أن المقصود بقية المعتقلين لأنهم في وضعية عقابية {وهو ما ينفيه المعتقلون}، ثم قيل إن الأمر يتعلق بتنزيل لنظام أمريكي وأن للمدير صلاحيات للتمييز بين السجناء وأني غير مقصود بهذه الإجراءات لأن إقامتي في حي دال مؤقتة؛ وحين أجبته أنه لا يمكنني أن أقبل بهذا الجحيم بحجة أنه مؤقت، لم يعقب، وطلب مني أن أصبر لأتفاجأ بعد يومين أو ثلاث بإجراءات أكثر استفزازا منها ما طالنا جميعا ومنها ما طالني وحدي، وحين استفسرت قيل لي: سول الحموشي هو لي حاطك هنا!!
إن هذا الرد بقدر ما هو حقيقي بقدر ما هو صادم وخطير لانتقاله من دائرة المفهوم إلى دائرة المنطوق، ومن المضمر إلى المعلن.
وإنني إذ أنشر مجددا هذا البيان فإنني أتمنى أن يكون صوت العقل حاضرا لدى كل من يهمه الأمر، وإلا ففي مجرد نشره بالنسبة لي خير وبركة وإلى بيان آخر.