بعد سنوات من عودته إلى أرض الوطن.. قيادي سابق ب”البوليساريو” يحكي قصة من قصص اعتقاله السابقة..
هوية بريس- متابعة
كتب مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، القيادي السابق ب”البوليساريو” والعائد قبل سنوات إلى أرض الوطن، تدوينة على صفحته ب”فيسبوك”، يحكي فيها قصة حزينة من قصص اعتقاله من قبل عصابات “البوليساريو”.
وفيما يلي نص القصة، كما أورده صاحب التدوينة:
“ألا هَل لزائرتي من ساقيا؟.
في احد أيام اعتقالي من طرف البوليساريو أين كنت مخفيا و معزولا عن العالم في بطن وادي “اجحيفة رغيوة” قريبا من مسقط رأسي. كنت أجلس مساء في ظل خيمة الاعتقال، ابحث من حولي عن صورة تملأ حيزا و لو يسيرا من الفراغ الذي يثقل يومياتي في تلك الفترة. فلا من يتكلم معك أو يجالسك. و لا كتب و لا مجلات و لا مذياع و لا هاتف.. انا و الفراغ فقط.
بينما كنت ابحث عن شاغل يشغلني لاحظت ثلاث نوق تقترب من الوادي. ما لبثت إحداها ان تقدمت نحوي حتى وقفت فوق رأسي و بدات تنظر الي و كأنما تريد التحقق من ساكن واديهم الجديد..او كمن يريد القاء التحية. و كنت ساستغرب الامر و الابل ليست من الحيوانات الفضولية و لا الودودة لولا ان بدت لي علامة الناقة. فعرفت سر انفصال زائرتي عن القطيع و جرأتها على كسر الطوق الامني الذي يعزلني عن العالم. فلم تشأ ناقة “بابية” ان تراني وتمر دون ان تلقي التحية، او لعلها أحست بعزلتي و أشفت على حالي و جاءت لتخفف من وحشة وحدتي و لو للحظات. و قد تمر بك مواقف يكون الحيوان أرأف بك فيها من أخيك الانسان.
ما لبثت زائرتي أن عادت الى طبيعتها و جفلت مغادرة لما تقدم جنود الحراسة نحونا لابعادها، و كان يكفيهم مجرد الظهور. فالابل حيوانات حذرة بطبعها. تجفل كلما لمحت جسما غريبا حتى و لو كان ورقة تتطايرها الرياح..
و قد علمت حديثا أن آخر أخبار ابن خالتي و أخي “بابية” انه ركب و غنمه القطار من مدينة زويرات متوغلا بعيدا في الجنوب. و هو الذي لم يتخيل انه سيركب القطار يوما و احرى ان تركبه غنمه. و لا أنه سيأتي زمن يحول أي عائق بينه و بين مساقي نوقه: “أمراغ وين تركت” ، “لبيردات” ، “اصفية” و “لمريرة”.
شعرت بجبل من الاسى يخنق أنفاسي لِما حل بأهلي بارض “زمور”، و لِما سيحل بنوق “زمور” التي لم تعرف لها راعيا، إذا “حلٌَ الماء” و لم تجد لها ساقيا.
و لم أجد ما اواسي به زائرتي في بطن ذلك الوادي غير بيت شعري لمالك بن الريب ينعي نفسه لجواده قبل وفاته:
“و اشقر محبوكا يجر عنانه الى الماء لم يترك له الموت ساقيا”
فعندما تسمع أن غنم أخوالي تجاوزت السكة جنوبا فاعلم أنه قد حل بأرض زمور قحط شديد لم يبق على شجرة “طلح” و لا عود “ام ركبة”. أما و أن تسمع بأنها ركبت القطار متوغلة في الجنوب فقد حل بأهل “زمور” أمر جلل.
ملاحظة:
الابل من بين جميع المخلوقات لها ارتباط شديد بالارض التي ولدت فيها. و لو اخذتها الى نهاية الارض ستعود يوما الى اوكارها كلما حل موسم خريف او أحتاجت للشرب و لم تجد ماء.
الابل تهتدي الى آبارها و لا تحتاج من يأخذها إليها مهما ابتعدت عنها. لذلك إبل أي أرض قد لا تحتاج لراع. لكنها في حاجة لمن ينتظرها عند البئر الذي ألفته ليسقيها.
و يحزنني ان زائرتي ستعود حتما الى آبار زمور في الشمال مهما توغل ابن خالتي بعيدا في الجنوب، و لن تجد أمامها من ساقيا..”.
انتهى..