هل “الخنزير البلدي” حلال؟ خبير شرعي يوضح
هوية بريس – عابد عبد المنعم
مع انطلاق موسم الصيد البري، وصيد الخنزير بالذات “الحلوف”، وثقت مقاطع فيديو إقدام بعض المواطنين، من أهل البادية على أكله، بدعوى أنه حلال.
وجوابا على سؤال توجهت به هوية بريس، إلى الدكتور يوسف فاوزي، أستاذ الشريعة بجامعة ابن زهر بأكادير، اعتبر الإقدام على أكل الخنزير البري “جرأة على محرمات قطعية لا ينبغي للمسلم أن يشك في حكمها”.
وأكد الأستاذ الجامعي أن نصوص الشريعة وإجماع علماء الملة دلّ على تحريم لحم الخنزير.
واشار إلى القرآن الكريم أكد هذا الأمر في غير ما آية، منها:
1- قوله سبحانه وتعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله ﴾ [البقرة: 173].
2- وقوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ﴾ [المائدة: 3].
3- وقوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام: 145].
4- وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الله بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 115].
ومن الأدلة التي وردت في السنة قوله صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: (إِنَّ الله وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ)، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ الله، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: لَا هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عِنْدَ ذَلِكَ: (قَاتَلَ الله الْيَهُودَ إِنَّ الله لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا، جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ، فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ) رواه البخاري ومسلم.
وعلى هذا إجماع العلماء لا يعلم فيه خلاف؛ يقول الإمام القرطبي المالكي رحمه الله في تفسيره الجامع لأحكام القرآن:
“لا خلاف أن جملة الخنزير محرَّمة، إلا الشعر فإنه يجوز الخرازة به، وقد رُوِي أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخرازة بشعر الخنزير، فقال: لا بأس بذلك، ذكره ابن خويز منداد، قال: ولأن الخرازة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت، وبعده موجودة ظاهرة، لا نعلم أن رسول صلى الله عليه وسلم أنكرها ولا أحد من الأئمة بعده، وما أجازه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو كابتداء الشرع منه”.
وشدد د.فاوزي أن العلة في التحريم واضحة لا غبار عليها؛ لأن لحم الخنزير من الخبائث؛ يقول الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله:
“التعليل العام الذي ورد في تحريم المحرمات من المآكل والمشارب ونحوهما، يرشد إلى حكمة التحريم في الخنـزير، وذلك التعليل العام هو قول الله تعالى: ﴿ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ ﴾ [الأعراف: 157]، فهذا يشمل بعمومه تعليل تحريم لحم الخنزير، ويفيد أنه معدود في نظر الشريعة الإسلامية من جملة الخبائث، والخبائث في هذا المقام يراد بها ما فيه فساد لحياة الإنسان في صحته أو في ماله، أو في أخلاقه، فكل ما تكون مغبته وعواقبه وخيمة من أحد النواحي الهامة في حياة الإنسان، دَخَل في عموم الخبائث”.
ولقد دَلَّ العلم الحديث على مفاسد لحم الخنزير وضرره على صحة الإنسان نظرا لاحتوائه على نسبة كبيرة من الدهون عسيرة الهضم؛ فتتحول إلى كلسترول كبير الذرة يتسبب في ارتفاع ضغط الدم؛ وتصلب الشرايين؛ مما يؤدي إلى سد عضلة القلب؛ ومن هنا نلمس سبب ارتفاع الوفيات بأوروبا بسبب كورونا؛ فالفيروس يجد القلب عند آكلي لحم الخنزير ضعيفا؛ فيسرع في الانتشار أمام ضعف الشرايين.
وأما احتجاج من يقول بجواز أكل لحم الخنزير بكونه (بلدي) أو أنه من باب الضرورة الفقر والجوع؛ فهو احتجاج باطل، وفق ذات المتدث، وذلك لما يلي:
– الله سبحانه وتعالى لما حرم أكل لحم الخنزير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الخنزير المتواجد وقتها (بلدي) ولم يتم
استثناؤه!؛ فلا فرق بين بلدي أو رومي في التحريم.
– الجوع أو الفقر ليس مبررا للقول بالاباحة؛ لأن القول بالاباحة يحتاج فتوى عالم مخول له بالفتوى ولحالة خاصة وليست فتوى عامة لكل فقير؛ وهل حرمان الفقير من أكل اللحم سيؤدي إلى موته جوعا؟!.
– الضرورة تقدر بقدرها؛ وليس دائما تخول المكلف استباحة المحرم؛ قال تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) الأنعام/119.
والضرورة هنا لأكل لحم الخنزير هي المجاعة التي تنعدم فيها المطعومات الحلال؛ فيكون الجوع جالبا للموت؛ فهنا أباح الشرع أكل لحم الخنزير دون مبالغة أو إفراط.
وختم أستاذ الشرعة تعليقه بقوله “يجب على خطباء الجمعة والوعاظ والدعاة تنبيه العوام لخطورة الجرأة على استباحة هذه المحرمات
فالحلال بيّن والحرام بين؛ والموفق من وفقه الله للالتزام بهما؛ وبالله التوفيق”.