أية حماية للعاملات والعمال المنزليين في ظل القانون رقم 12-19؟
هوية بريس- نور الدين حمضي
بعد مخاض عسير، دام قرابة عقد ونصف من الزمن عن صدور مدونة الشغل، أو فى المشرع المغربي بذلك الوعد الذي كان قد قطعه على نفسه في المادة الرابعة من مدونة الشغل، عندما استثنى صراحة فئة عمال وعاملات المنازل، أو ما كان يطلق عليهم بخدم البيوت، من الاستفادة من مقتضيات مدونة الشغل حيث كان على هذه الفئة أن تنتظر إلى غاية العاشر من غشت 2016 حيث تمت المصادقة عليه من قبل البرلمان، ليدخل بعدها حيز التنفيذ والتطبيق في الثاني من أكتوبر 2018 بعد صدور المرسومين التنظيمين ونفاذ المدة التي علق تنفيذه على مرورها.
لقد عرف المجتمع المغربي قبل صدور قانون رقم 12-19 المتعلق بشروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين نقاش وسجال كبيرين، بين مختلف شرائحه الحقوقية والقانونية بهدف إصدار قانون يحمي هذه الفئة من شتى ألوان الظلم والحيف والتهميش، الذي عاشته وتعيشه في غيابات المنازل، بدءا بأجور زهيدة، مقابل عدد ساعات عمل طويلة، في ظروف مزرية وقاسية، تختلف حدة قساوتها باختلاف طبيعة الأسر المشغلة.
أمام هذا الوضع إذن، كان لابد لآلة المشرع أن تتحرك وتستجيب لنداء هذه الفئة، بإصدار تشريع خاص بها، وبالتبع إنهاء الجدل الدائر حولها، غير أنه وبإلقاء نظرة على هذا المولود التشريعي الجديد الذي طال انتظاره، سرعان ما نصاب بنوع من الحسرة وخيبة الأمل، بفعل تلك الإعاقة التي ولدت معه، مما يدفعنا وبإلحاح شديد إلى التساؤل عن مدى نجاعة مشرع القانون رقم 12-19؟، وإلى أي حد استطاع هذا القانون أن يكون في مستوى انتظارات وتطلعات هذه الفئة من العمال؟
هذا ما سنحاول معالجته عبر مطلبين، سنخصص (المطلب الأول) للحديث عن مظاهر القصور التي تعتري القانون رقم 12-19، على أن نعالج في (المطلب الثاني) ضعف الطابع الحمائي في مقتضيات قانون 12-19.
المطلب الأول: مظاهر القصور الحمائي لعمال المنازل في إطار القانون رقم 12-19
قبل الحديث عن العيوب التي طالت القانون رقم 12-19 المتعلق بعاملات وعمال المنازل، لابد أن نعترف أن لهذا القانون من الحسنات والايجابيات التي تدفعنا للحديث عنها ولضرورة تخصيص حيز لها في بحثنا هذا، حتى لا تكون نظرتنا لهذا القانون نظرة تشاؤمية مطلقة، لأن غايتنا من هذه الدراسة تبيان حقيقة هذا القانون بشكل مجرد وموضوعي.
وعليه سنعمل على الوقوف على أهم الحسنات التي حملها القانون رقم 12-19 (الفقرة الأولى) على أن نتعرض إلى المعيقات والهفوات التي تحد من فعالية هذا القانون(الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحسنات التي تحسب للقانون رقم 12-19
لعل من الإيجابيات أو الحسنات التي جاء بها القانون رقم 12-19، هو كونه وضع حدا لذلك الفراغ القانوني الذي كانت تعاني منه فئة عاملات وعمال المنازل، حيث أضحت هذه الأخيرة اليوم تتوفر على نظام خاص بها عسى أن يغنيها عن الازدواجية في القوانين واجتهادات القضاء التي غالبا ما كانت تذهب عكس مصالحها.
لقد جاء هذا القانون حاملا معه تسمية جديدة، هي العاملة والعامل المنزلي بدل تسمية خدم البيوت التي كانت توحي إلى ثقافة الاستعباد، وعقلية السخرة اللتان ظلتا حاضرتين في السلوكيات المرتبطة بالخدمة المنزلية، والتي لطالما ووجهت بانتقادات كثيرة على المستويين الداخلي والدولي، على اعتبار أنها لم تكن تتماشى والتوجه العام للاتفاقيات الدولية سواء الاتفاقية 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزلين، أو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948.
كما جاء هذا القانون بإلزامية كتابة عقد العمل وفق نموذج يحدد بنص تنظيمي
بالإضافة إلى كونه منع تشغيل عاملات وعمال المنازل الذين هم دون الثامنة عشرة سنة والذين تتراوح أعمارهم ما بين 16-18 بالاشتغال كعاملات وعمال للمنازل لفترة انتقالية لا تتجاوز 5 سنوات من تاريخ صدور هذا القانون، كما خص هذه الفئة الأخيرة بشروط خاصة عند تشغيلهم، كذلك عمل هذا القانون إلى تحديد ساعات العمل وجعلها 48 ساعة تقسم على أيام الأسبوع بحسب اتفاق طرفي العقد مع تخفيض هذه المدة الى 40 ساعة فقط إذا تعلق الأمر بعاملات وعمال المنازل الذين أعمارهم دون الثامنة عشرة وفوق السادسة عشرة، كما عمل أيضا على تمتيع فئة العمال المنزلين براحة أسبوعية حددت في 24 ساعة متصلة، وعطلة سنوية مدفوعة الأجر تقدر بيوم ونصف اليوم عن كل شهر من العمل، مع اشتراط أن تكون مدة الشغل التي قضتها العاملة أو العامل المنزلي لا تقل عن 6 أشهر متصلة.
وعملا منه على سد باب الوساطة الاستغلالية في هذا المجال، جاء قانون رقم 12-19 فمنع على الأشخاص الذاتيين القيام بأعمال الوساطة ذات مقابل من أجل تشغيل عاملات وعمال المنازل. لكن السؤال الذي يعترضنا في هذا الصدد هو هل هذه الحسنات السالف ذكرها ستغني عن النظر في تلك الهفوات التي يعاني منها هذا القانون؟
هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه من خلال الفقرة أدناه.
الفقرة الثانية: تجليات القصور الحمائي في القانون رقم 12-19
بمراجعتنا للمادة 15 من القانون رقم 12-19 نجد المشرع من خلالها قد خص الأم المرضعة باستراحة لإرضاع طفلها حددت مدتها في ساعة واحدة عن كل يوم طيلة 12 شهرا، إلا أنه في مقابل ذلك حرمها من حقها في إجازة للأمومة، ولم يعترف لها بهذا الحق أبدا، الأمر الذي يثير الاستغراب، كيف لمشرع يقر ويبيح للأم المرضعة الحق في استراحة للرضاعة، ولا يعترف لها بإجازة للأمومة؟ لماذا لم يعتمد نفس التوجه الذي سار عليه في مدونة الشغل حينما خص المرأة العاملة الحامل بإجازة أمومة حددت في 14 أسبوعا، سبعة منها قبل الوضع وسبعة بعده.
كذلك عندما نبحث في متون هذا القانون عن الساعات الإضافية، التي قد تشتغلها العاملة أو العامل المنزلي فإننا لا نجد لها أثرا يذكر، ويزداد الوضع حرجا عندما أتى هذا القانون فارغا أيضا من أي مقتضى يقضي باستفادة العاملة أو العامل المنزلي من التعويضات التي يوفرها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في تناقض صارخ مع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، وعلى الخصوص منها الاتفاقية 189 التي تقضي بضرورة إعمال المساواة بين العمال المنزليين وباقي العمال.
ولعل ما يزيد العمال المنزلين حرمانا وإقصاء؛ هو إحجام المشرع عن منحهم حقا من الحقوق الأساسية ويتعلق الأمر بالانتماء النقابي، لما لهذا الحق من أهمية قصوى باعتباره السبيل الوحيد الذي يحمي مختلف شرائح المأجورين من الاستغلال، والقهر، والظلم، ويمكنها من التمتع بحقوقها المشروعة، ومن تحسين أوضاعها المادية والمهنية، لتؤدي واجبها على أحسن وجه. فكيف يسمح المشرع بعدم التنصيص على هذا الحق خصوصا كونه حق كوني مضمون بالدستور والاتفاقيات الدولية؟؟
وفي هذا الصدد نرى، أنه بات من الضروري الاعتراف لعاملات وعمال المنازل بحقهم في الانتماء النقابي وجعلهم في نفس المستوى مع الأجراء الخاضعين لمدونة الشغل، وفي نفس السياق نتساءل عن مدى ناجعة القانون رقم 12-19 في مواجهة التحديات والصعاب التي تطال عاملات وعمال المنازل؟
هذا ما سنحاول الوقوف عنده في المحور أدناه.
المطلب الثاني: غياب النجاعة التشريعية في القانون رقم 12-19
إن ما يميز تشريعات الشغل عامة، أن المشرع من خلالها يعمل على خلق نوع من التوازن بين طرفي عقد العمل، غير انه وبالرجوع الى مقتضيات قانون رقم 12-19 نجد هذا الاعتبار يكاد ينعدم متجاهلا بذلك مصالح العمال المنزلين في كثير من الأحيان، وهو ما سنحاول ملامسته عبر الحديث عن ضعف الضمانات الحمائية للعامل المنزلي في ظل القانون رقم 12-19 ( الفقرة الأولى) وعن محدودية سلطة المراقبة والردع في القانون نفسه (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: ضعف الضمانات المخولة للعامل المنزلي من خلال القانون 12-19
برجوعنا الى نص المادة الأولى من هذا القانون نجد المشرع قد استثنى بصريح العبارة بعض الفئات من الاستفادة من مقتضيات هذا القانون باعتبارها تتوفر على نظام خاص ينظمها، غير انه بالتمعن جيدا في فقرات هذه المادة وعلى الأخص مدلول “العمال الذين ينجزون أشغالا لفائدة المشغل بصفة مؤقتة” فهذا الوصف يثير مخاوف كبيرة كونه قد ينطبق على العمال المنزلين المياومين. ونرى أنه كان حري بالمشرع أن يرفع هذا اللبس ويضع حدا لأي تأويل واجتهاد.
كذلك وفي نفس السياق وباستقراء المادة 19 من نفس القانون السالف الذكر والمتعلقة بالأجر، هذا الأخير الذي جعله المشرع يقل عن الحد الأدنى للأجور المعمول به في قطاعي الصناعة والتجارة بنسبة 40 في المائة، وحتى لو سلما أن المشرع قد أخد بعين الاعتبار مزايا الإطعام والسكن فانه في نظرنا يبقى توجها خاطئا وغير عادل، فما قول المشرع للعاملات والعمال المنازليين الذين يشتغلون بصفة دائمة واعتيادية لكنهم لا يستفيدون من مزايا الإطعام والسكن؟ وما نظرته في تلك الفئة من العاملات والعمال المنزلين الذين يعتبرون المعيل الوحيد لأسرهم؟ كيف لهذا الأجر الزهيد والهزيل أن يسد حاجاتهم وذويهم.
كان حري بالمشرع أن يمكنهم من الاستفادة من الحد الأدنى للأجر المعمول به في قطاعي الصناعة والتجارة كاملا دون نقصان، خصوصا مع ارتفاع تكلفة المعيشة وكثرة متطلبات الحياة.
وتزداد الضمانات ضعفا من خلال هذا القانون عندما جعل المشرع في المادة 21 منه، حق العاملة أو العامل المنزلي في التعويض عن الفصل، معلق على قضائهم مدة شغل لا تقل عن سنة كاملة، وعملا بمبدأ المخالفة، فإن العمال المنزلين الذين فصلوا من الشغل قبل مرور سنة عن اشتغالهم لا يكون من حقهم الاستفادة من التعويض عن الفصل.
الأمر الذي قد يفتح باب التحايل والخداع أمام المشغلين الذين سيستندون على هذا المقتضى للتخلص من عمالهم قبل مضي سنة عن اشتغالهم واستبدالهم بآخرين.
والأجدر أنه كان على المشرع أن يجعل حقهم في التعويض عن الفصل مستحق بقضائهم مدة 6 أشهر من الشغل فقط كما هو الحال بالنسبة للعمال الخاضعين لمدونة الشغل، والذين بالإضافة إلى هذا الحق مكنهم المشرع أيضا من الاستفادة من باقي التعويضات الأخرى المرتبطة بالفصل، كالتعويض عن أجل الإخطار والتعويض عن الضرر وكذا التعويض عن فقدان الشغل، الأمر الذي أغفله المشرع في قانون 12-19 وهو في الواقع تناقض لا نرى فيه إلا مزيدا من الإقصاء الذي لا يزيد وضعية العمال المنزلين إلا ضعفا وصغارا أمام المركز القوي للمشغل، هذا الأخير مكنه هذا القانون من التحكم بزمام الأمور حيث جعل العديد من حقوق العاملة أو العامل المنزلي لا يمكن بلوغها إلا بموافقته ورضاه ودليلنا في هذا المادة 11 من هذا القانون التي جعلت حق الاستفادة من برامج التربية والتكوين التي توفرها الدولة مقرونة باتفاق بين المشغل والعاملة أو العامل المنزلي أي أنه إذا لم يحصل اتفاق بين الطرفين أو منع المشغل عن ذلك فليس هنا مقتضى يلزمه أو يعاقبه، والحال أنه كان على المشرع أن يقرن هذا الحق بجزاء يطال المشغلين المخالفين له ويبعده بذلك عن أي مجال للمساومة والتفاوض بشأنه.
فماذا عن الجانب الردعي والرقابي من خلال هذا القانون؟ هذا ما سنحاول الوقوف عنده من خلال الفقرة أدناه.
الفقرة الثانية: محدودية سلطة المراقبة والردع في ظل القانون رقم 12-19
برجوعنا إلى متون القانون رقم 12-19، نجده قد ضيق من صلاحيات العون المكلف بتفتيش الشغل ومنعه من ممارسة مهامه وفق ما نصت عليه الاتفاقية الدولية 129 المصادق عليها من طرف المغرب وتشمل كما عبرت عنها مدونة الشغل ما يلي:
– السهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالشغل.
– إعطاء المشغلين والأجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجح الوسائل لمراعاة الأحكام القانونية.
– إحاطة السلطة الحكومية بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها.
– إجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية.
الأمر الذي جعل من الدور الردعي للعون المكلف بتفتيش الشغل ضعيفا وعديم الفعالية، يقتصر فقط على استقبال الشكايات في مكتبه وإجراء محاولات صلح بشأنها، وفي حاله فشلها يحرر محضرا بذلك يسلمه للعاملة أو العامل المنزلي ليدلي به اذا قرر اللجوء إلى المحكمة.
حقا نتفهم اصطدام سلطة العون المكلف بتفتيش الشغل في مراقبة تطبيق هذا القانون بحرمة المنازل، ولكن ثمة أوضاعا ومراكز قانونية كانت أحق بالحماية، ونرى أنه كان على المشرع أن يمنح العون المكلف بتفتيش الشغل الحق في القيام بالزيارات الميدانية، إلى أماكن اشتغال العمال المنزليين، من أجل الوقوف على مدى التزام الأطراف باحترام مقتضيات هذا القانون، وكذا استفسارهم عن أوضاع عملهم ولو خارج أصوار المنازل، حتى يدرك المشغل أن هناك جهاز رقابي يتابع أوضاع العاملات والعمال المنزليين.
وبالنظر إلى الجانب العقابي والردعي في القانون رقم 12-19 نجد أن معظم العقوبات هي عبارة عن غرامات ذات قيمة هزيلة لا مهابة فيها، فقد نصت مقتضيات المواد 23 و24 و25 من القانون 19-12 على مجموعة من العقوبات زجرا لمخالفات نصوص هذا القانون، والتي تراوحت ما بين الغرامة من 25000 إلى 30000 درهم والغرامة من 500 إلى 1200 درهم وكلها لا ترقى إلى ردع المشغلين المخالفين لهذا القانون مما قد يعصف بهيبة النص القانوني ويفرغه من محتواه.
خاتمة
من خلال ما تقدم، حول قانون رقم 12-19 المتعلق بعاملات وعمال المنازل لا يسعنا إلا أن نوجه نداء استغاثة إلى المشرع المغربي من أجل الإسراع بمعالجة هذه الثغرات والهفوات التي لا نجد لها تفسيرا يريح تفكيرنا، والتي لا جرم أن بقائها سيذهب بقيمة هذا القانون ويجعله معطوبا لا يقوى على بلوغ الهدف المتوخى منه، والمتمثل أساسا في حماية العاملات والعمال المنزليين باعتبارهم الطرف الضعيف في عقد الشغل.