سنة على الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصّحراء
هوية بريس – عادل بنحمزة
مرت قبل أسبوع الذكرى الأولى للاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء الذي وقعه دونالد ترامب، في ظرفية كانت فيها قضية الصحراء تعرف تطورات متلاحقة. هذه التطورات أثارت ردود فعل مختلفة في حينها، وأفرزت قراءات متباينة حول الاعتبارات التي تحكمت في صانع القرار الأميركي، بين قائل إن الأمر كله مجرد صفقة تقوم على الاعتراف مقابل عودة العلاقات مع إسرائيل، وبين من ربط ذلك بإرادة أميركية في التخلص من النزاعات الموروثة عن الحرب الباردة في منطقة ذات طابع جيواستراتيجي هام بالنسبة للأمن القومي الأميركي. أما آخرون فاعتبروا أن الإدارة الأميركية تسعى إلى عقلنة طموحات الأطراف المعنية بالنزاع في الصحراء، وذلك من خلال تثبيت سيادة المغرب وحصر رحلة البحث الطويلة عن الحل في الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب منذ 2007، وذلك لاعتبارات متعددة.. منها الوضع غير المستقر في منطقة الساحل والصحراء (ليبيا، مالي، تشاد) والذي يفتح الباب لدخول لاعبين دوليين كبار إلى المنطقة، خاصة روسيا، زد على ذلك الفرص الاقتصادية والتجارية التي تمثلها أفريقيا بالنسبة للاقتصاد العالمي، وهنا تبرز المواجهة الأميركية الصينية في القارة، وعلى هذا المستوى يبدو المغرب لاعباً أساسياً بعد الاختراقات التي حققها في القارة خلال العقد الأخير، يضاف إلى ذلك وضع الجمود الذي تعرفه الجزائر، والخوف من أن يتحول الأمر هناك إلى حالة سورية جديدة بالنظر إلى استمرار الاحتقان السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، إذ يبدو أن الالتفاف الذي حاولت مؤسسة الحكم القيام به على مطالب الحراك الاجتماعي، لم تنجح خاصة أمام استمرار التحديات الاقتصادية والاجتماعية ما بعد كورونا.
إذا كان البعض قد ركز على الأثر القانوني للإعلان الرئاسي الأميركي، ومدى إلزاميته لباقي المؤسسات الأميركية وحجم تأثيره في الأمم المتحدة، خاصة في مجلس الأمن، فإن الأثر السياسي لم يحظَ بعناية كبيرة، علماً أن قضية الصحراء المغربية، هي في الأصل قضية سياسية، سواء من جهة الأخطاء التي ارتُكبت في الداخل وتركت شباباً يرتمون في أحضان القذافي وبومدين، أو الوضع الدولي الذي برزت فيه المشكلة وساهم في تعقيد الحل وجعله بعيد المنال لعقود طويلة، وذلك لاعتبارات سياسية تتعلق بتموقع أطراف النزاع من جهة التحالف والولاء لأحد المعسكرين الشرقي أو الغربي، وهو ما جعل قضية الصحراء من أقل الملفات التي بقيت دون حل منذ الحرب الباردة، ومن تعقيداتها اليوم، أن الجزائر وصنيعتها البوليساريو، يحتفظان بقاموس ومراجع وذهنية الحرب الباردة بشكل مفارق لما يعيشه العالم من تحولات، وإذا كان المغرب قد صمد كل هذه السنوات، فإنه ببساطة لم يقبل في يوم من الأيام أن يجعل حل قضية الصحراء مسألة مقايضة بقضية أخرى، وهو أمر كان يمكن القيام به في فترات كثيرة من تاريخ النزاع، بعد كامب ديفيد، وبعد الاتفاقات التي توّجت مسار أوسلو.
اليوم المغرب على مسافة سنة من الاعتراف الأميركي التاريخي بسيادة المغرب على الصحراء، وهو اعتراف أحدث صدمة قوية لدى كثير من القوى الإقليمية، فبينما كان المشككون وخصوم المغرب يراهنون على وصول إدارة ديموقراطية إلى البيت الأبيض لنقض قرار دونالد ترامب، أثبتت الممارسة خلال سنة كاملة، أن إدارة بايدن نجحت في تخطي كل الصعوبات والفخاخ التي وضعت في طريقها في سبيل استمرار الالتزام بقرار الاعتراف، وقد ظهر ذلك بوضوح، سواء من خلال اعتماد الإدارة الأميركية لخريطة المغرب الرسمية، أو من خلال إفادات المسؤولين الأميركيين، خاصة في الخارجية، وبصفة خاصة احتفاظ واشنطن بلقب “صاحبة القلم” وعبره المسؤولية المباشرة على صياغة مشاريع قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالنزاع المفتعل في الصحراء، حيث كان واضحاً أثر قرار الاعتراف الأميركي على قرارات مجلس الأمن، خاصة القرار الأخير الرقم 2602 الذي أكد أهمية مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، كما أنه رفض السردية الجزائرية/الانفصالية التي تفتقد القدرة على قراءة حجم التحولات التي عرفها عالم ما بعد الحرب الباردة. المرحلة اليوم تقتضي مزيداً من الضغط على الإدارة الأميركية للتقدم خطوات أخرى في درب الاعتراف بسيادة المغرب، ويتعلق الأمر خاصة بما يمكن لواشنطن القيام به داخل الأمم المتحدة من خلال دعم المغرب على خمس مستويات وهي:
أولاً: وضع حد للتعسف الجاري منذ 1988 على ميثاق الأمم المتحدة، خاصة فصله الرابع الذي يحدد اختصاصات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إذ إن الفقرة الأولى من المادة 12 تمنع على الجمعية العامة بحث وإصدار قرارات في قضايا يعالجها مجلس الأمن، والحال أن الجمعية العامة من خلال لجنة تصفية الاستعمار ما زالت تناقش قضية الصحراء المغربية، بينما قد تولاها مجلس الأمن منذ 1988، هذا التناقض يجب أن يوضع له حد بصورة مستعجلة والولايات المتحدة الأميركية قادرة على القيام بذلك، خاصة أن الأمر لا يتعدى فرض احترام ميثاق الأمم المتحدة.
ثانياً: توضيح أمر أساسي من داخل الأمم المتحدة، وهو أن النزاع في الصحراء لا يتعلق اليوم بتصفية الاستعمار، والذي وضعه المغرب كصاحب حق منذ 1963 في اللجنة الرابعة، وذلك لأن تصفية الاستعمار تمت فعلياً بين سنة 1969 عندما استرجع المغرب سيدي إفني وسنة 1975 عندما استرجع الصحراء، عبر مفاوضات بين المغرب وإسبانيا كانت موضوع قرار الجمعية العامة الرقم 2072 الصادر في 16 دجنبر 1965.
ثالثاً: وضعية المحتجزين المغاربة في مخيمات تيندوف، بحيث يجب العمل على تمكين هؤلاء اللاجئين الذين تقع مسؤولية حمايته على الدولة الجزائرية، تمكنهم من حقوقهم وفقاً لاتفاقية جنيف ذات الصلة، وتمييز السكان المدنيين عن أفراد الميليشيات المسلحة، وتمكينهم من أهم الحقوق وهو الاختيار بين العودة إلى المغرب، أو البقاء في الجزائر أو التوجه إلى بلد ثالث، لكن لا يمكن أن تستمر معاناة ساكنة، ومع ذلك يستمر الحديث عن الاستفتاء وفزاعة تقرير المصير.
رابعاً: عطفاً على النقطة السابقة، المغرب يجب أن يطرح موضوع تسمية واختصاصات المينورسو في الصحراء المغربية، وعلى هذا المستوى، أعتقد أن الدولة يجب أن تكون حاسمة ومعها الولايات المتحدة، إذ لا يعقل أن مجلس الأمن قطع أي إمكانية لتنظيم الاستفتاء ومنذ 2007، وهو يدعو الأطراف للحوار على أرضية الحكم الذاتي، وفي الوقت نفسه يقبل استمرار حمل بعثته في الصحراء تسمية “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية”، علماً أن خطة التسوية انتهت إلى غير رجعة.
خامساً: حسم موضوع تمثيلية جبهة البوليساريو للصحراويين، فالجبهة لا تمثل سوى طيف صغير داخل الصحراء، وأن هناك تيارات سياسية متعددة لها مطالب لا يتجاوز سقفها الحكم الذاتي، وهي منخرطة اليوم في تنفيذ المخطط التنموي الجديد للأقاليم الصحراوية، والذي تتجاوز قيمته 77 ملياراً، وإذا كان الأمر يحتاج إلى تذكير فيمكن التذكير بعدد الأحزاب والتيارات في الصحراء التي قبلت حل نفسها والانخراط ضمن الوطن الواحد، كما لا يفوتني هناك التوقف عن أمر مهم يتعلق بمضمون قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2072 سنة 1965، والذي ناشد إسبانيا إطلاق مشاورات ومفاوضات من أجل إنهاء مشكل السيادة في كل من سيدي إفني والصحراء المغربية، فمع من جرت المفاوضات؟ هل مع المغرب أم مع جبهة البوليساريو التي لم يتم إحداثها إلا سنة 1973؟
هذه النقاط أعتقد أنها متماسكة، ويمكن للمغرب أن يجعل منها مدخلاً لإعادة النظر في تعاطي الأمم المتحدة مع قضيته الترابية، وهنا سيظهر الاستثمار الأمثل للاعتراف الأميركي…