الإدارة القلقة
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
يسهل أن نلاحظ، أن (القلق) هو السمة البارزة، التي تكاد تنسحب على جل مرافقنا الإدارية، وتسود غالب العناصر التي ترتبط بإداراتنا، بشكل من الأشكال، تعلق الأمر بالموظفين، بمختلف مراتبهم وأسلاكهم، أوتعلق بالمواطنين، ذكورهم وإناثهم، ما يعني أن الإدارة عندنا فضاء موبوء، يكرهه جل المواطنين، ولا يزورونه إلا اضطرارا، وعلى مضض. يصعب أن تقصد الكثير من إداراتنا، وأنت في كامل لياقتك، وهدوئك المعتاد، لأنك مهما خمنت، فلا تدري بالضبط، ما الذي ينتظرك هناك، حتى وأنت تجري وراء وثيقة تافهة، لا تكاد تكلف شيئا، وقد لا تفيدك في شيء، فدائما هناك شيء ما ينقصك، أو يجب أن ينقصك، على الأصح، وفي حالة استيفائك لجميع الشروط والحيثيات، وما أكثرها، تجد أمامك عقبة كأداء، اسمها الإنتظار، وما يعنيه الإنتظار من إحراق للأعصاب، وتضييع للأوقات، بشكل يثير الشفقة. فالمؤكد أنه ورغم كل المجهودات التي بذلت، أو قيل إنها بذلت، لترشيد المرفق الإداري، وتصحيح علاقته بالمواطن، ورغم كل الشعارات التي ترفع، حول تقريب الإدارة من المواطنين، لا زال المواطنون العاديون، الذين لا سند لهم، غير عادي، يواجهون صعوبات جمة، في طريقهم إلى البحث عن وثائق عادية، صعوبات أقل ما توصف به، أنها حاطة بكرامة الإنسان، ومغتصبة لأدنى حقوقه التي يجب أن يتمتع بها، بلا كثير بهرجة ولا تطبيل. بالطبع، قلق إداراتنا، أو ماسميناه كذلك، له أسبابه ومساراته، الذاتية والموضوعية، والتي تمتد إلى حقبة تواجد المعمرين ببلادنا، اولئك الغزاة،الذين كانوا يسوقون البشر، كما تساق البهائم، ويمعنون في ممارسة ألوان من التعذيب النفسي عليهم، نكاية وإذلالا، ويمكن أن نلاحظ، بكل أسف، أن الكثير من هذه المعاني، لا زالت تحتفظ به، الكثير من إداراتنا، مع بعض الإختلاف في الدرجة، لا في النوع، والسؤال الكبيرهو، لماذا ؟؟. إن هناك أسئلة كثيرة، لا يتم الإجابة عنها بالوضوح المطلوب، أثناء الحديث عن ألوان الفساد الإداري عندنا، ونخص بالذكر هنا علاقتها بالمواطن، وهذه بعض تلك الأسئلة :
أولا : لماذا يكره المواطن العادي، وأقول العادي، زيارة مرافقنا الإدارية، حين يضطر لذلك، ولماذا يشعر وهو يقصدها، أنه سائر إلى المجهول ؟، هل الأمر يتعلق بفضاء موبوء ؟، لا أحد يدري، وإلى حدود الساعة، وبالضبط، كيف يشتغل ؟، وبأية قوانين ومنطق ؟، وأيضا،لماذا ولحساب من، كل هذا العناء ؟؟.
ثانيا : ما السر في هذا الطابع القلق، والسلوك المتجهم الذي يصحب الكثير من الموظفين المشتغلين بإداراتنا ؟، ولماذا كل هذا التذمر الذي يعبر عنه الكثيرون منهم، ولماذا يفهمك بعضهم، في كل مناسبة، أنهم في حاجة إلى مساعدة، حتى لا أقول إلى رشوة ؟؟، هل ما يكلفون به من عمل إداري، هو فعلا فوق ما يطيقون ؟، وهل ما يتقاضونه من أجر، لا يعادل ما يبذلونه من جهد ؟، أو هل تنقصهم التربية وروح المواطنة ؟، ولماذا حين يأتيهم أحدنا، أو أحدهم، من الذوات، من خلف الباب، متجاوزا كل الضوابط والقوانين والأخلاق، يهشون في وجهه ؟؟، ويسارعون إلى خدمته بلا تردد ولا كسل. مثير للإنتباه أنه، في بعض إداراتنا، نكتشف بكل أسف، أن هناك نوعان من المواطنين، النوع (العادي)، الذي لا ظهر له ولا سند، والنوع (الممتاز)، الذي يلج الإدارة من كل أبوابها، والجميع في خدمته، وهذه لوحدها كافية، وأكثر من دالة.
ثالثا : لماذا يجتهد الكثير من المواطنين، لإنجاز وثائقهم الإدارية بأية طريقة كانت ؟؟، ولماذا يتناسون، أو يفضلوا أن يتناسوا كل أخلاقهم وطبائعهم، إلى حين حصولهم على وثائقهم ؟؟، يسهل أن نلاحظ أشكال الفوضى والتشنج، التي تسود صفوف أغلب المواطنين، وهم يقفون في الصف، ينتظرون أدوارهم، للحصول على أوراقهم العادية، كيف يقفون، وكيف يتسابقون إلى الصفوف الأمامية، وكيف يغادرون، بعد الحصول، أو عدم الحصول على مرادهم. كل الأسئلة الضرورية في الرصد والمعالجة يجب أن تطرح، إذا كنا بالطبع نريد إصلاح إدارتنا، وفي انتظار ذلك، فالمواطنون في علاقتهم بالإدارة في بلادنا، ثلاثة أصناف، صنف تضيع مصالحه وحقوقه الإدارية باستمرار، ولا يحصل على بعضها إلا بالكاد، صنف ثان، يحصل على أغراضه الإدارية، بتدخلات ووساطات ورشاوى، وهؤلاء هم المواطنون العاديون، أو عامة المواطنين، وصنف ثالث، كل مصالحه مقضية وجارية، حتى دون حضوره إلى مكاتب الإدارة، فلا وقت لديه لإضاعته، وهذا هو الصنف غير العادي، الذي لا مصلحة له في أي إصلاح للإدارة. هل نريد حقا إصلاح إدارتنا، وجعلها في خدمة المواطن ؟؟. إنها إدارة قلقة، لأنها بكل بساطة، فاسدة.