التدين في المجتمع المغربي بين التنظير والممارسة
هوية بريس – أحمد السالمي
الدين والممارسة، أو بين التنظير والتطبيق العملي للدين، هنا مكمن الجدل والخلاف بين كل الأطروحات والحضارات منذ الأزل.
هذا الصراع الذي لا يعدوا أن يكون حول النظرية نفسها، وحول الممارسة والتطبيق، أي عند إسقاط النظرية على الحياة بكل تفاصيلها ومكوناتها والتي يكون أساسها الفرد والمجتمع، وهو الأمر الذي تنتج عنه الحروب محاولة لتقريب الهوة بين النظرية والتطبيق.
وإذا كان أمر النظرية محسوم بالنسبة لنا كمسلمين، وأن حالنا مختلف عن باقي الأمم، لأن شرع الله محسوم ولا يحتاج إلى تكهنات فكرية وفلسفية عقيمة، وفي غنى عن المتاهات الفلسفية التي أنتجتها النفس البشرية بكل شهواتها وشبهاتها، فإن هناك صراعا أزليا بين الفلسفات التاريخية بكل معتقداتها المختلفة لإدارة شؤون الحياة، وتخبطا في متاهات اللامعنى والعبث لإيجاد معتقدات تناسب الأقوياء وتستعبد الضعفاء، وليس حال الكنيسة الغربية في عصور الظلام علينا ببعيد، والحروب التي أشعلتها، والدمار التي ألحقته بالحرث والنسل بغريب، هذا التوحش الذي أنتج هوة ساحقة بين النظرية الإنسانية المصطنعة، والتطبيق على أرض الواقع، الذي خلق نوعا من التيه لأنه مبني على سراب نظري، أسس أغلبه على معتقدات واهية وأساطير خيالية.
فالعقول المجردة عندما تبحث عن الحقيقة دون أن يكون لها مدد سماوي إلهي، يستحيل أن تتواطأ أو تتفق على شيء واحد تؤمن به، بل النتيجة التي سطرها التاريخ أن سبُلها ستتشتت، ومعبوداتها ستتعدد.
كما أن الفلسفات المادية الحداثية والعلمانية بكل تنظيراتها وتكهنات فلاسفتها، وما تدعيه من تماهي بين التنظير والممارسة، هذه الدعوى تصطدم بجدار الحقيقة والواقع، وما أمر الحروب الكونية، والانتهاكات الحقوقية، التي تطال الأقليات المسلمة في دول الأغلبية العلمانية بخفي، حيث تتنصل العلمانية عن كل مبادئها التي تعتبر ركائز في بنائها الوجودي، وتكشر عن توحشها، وتقلب كل ما تدعيه من التعدّد والتعايش إلى جحيم لكل من خالفها.
وهنا تبرز قوة التدين الذي هو التزام بتعاليم الدين والعمل بها، حسب القدرة والاستطاعة وقوة الإيمان، هذا الدين الذي هو بدوره إيمان واعتقاد جازم بوجود ذات إلهية تستحق العبادة والإذعان لها، ويكون ذلك عن طريق الانقياد والتسليم للنصوص التي تقوم بوصف وتحديد تلك الذات وتوضيح التشريعات لسلطة الذات العليّة.
فالدين هو التنظير، والتدين هو الممارسة، فالدين هو التشريعات، والتدين هو مقدار الالتزام بهذه التشريعات، فكلما كان المجتمع متمسكا بهذه التشريعات كان للتدين أقرب، وكلما ضعف تمسكه بها كان عن التدين أبعد.
وهنا يأتي دور العلماء والدعاة، الذين يستوعبون أن التدين له قدرة على تحرير العقل من الماديات والشهوات، وبه تتشبع النفس بالقيم الروحية والأخلاق الحسنة، والعمل تحت مظلة مقام الإحسان والمراقبة، وبه تشحذ الهمم والإرادة على فعل الواجبات واجتناب الموبقات، والسعي لكل ما يرضي الله عز وجل.
وبذلك يحقق الفرد الطمأنينة والراحة النفسية، والرضا، وتمتين العلاقة بين الإنسان وأخيه الإنسان، كاسرا كل الحواجز العرقية واللغوية والجغرافية من دم ولون ولغة ووطن، كـ”الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، وبذلك يصبح المجتمع على قلب رجل واحد وهو المجتمع الكامل الذي يتماها فيه التنظير مع الممارسة والتطبيق، أي الدين مع التدين.
وعلى عكس ذلك فإن التفاوت بين التنظير والتطبيق ينتج عنه أفراد مسلمين ضعفاء الإيمان تعصف بهم الشبهات والشهوات، في كل اتجاه، ومع كل صيحة، وتكون التبعية العمياء والتقليد مسيطرة على المجتمع، وهذا ما قد يفسر انتشار ظواهر غريبة كظاهرة “روتيني اليومي”، و”وكالين رمضان”، و”الحركات التحررية الشاذة” التي تدعم حقوق اللواطين والسحاقيات، وغير ذلك من تجليات جموح النفس البشرية التي تحررت من التطبيق والممارسة معا.