السياسة البربرية للحماية بالمغرب (ج4) المدرسة الفرانكو-بربرية
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ملخص الفصل:
يتحدث النص عن دور المدرسة الفرنكو-بربرية، في فك الارتباط بين البربر والعرب المغاربة، ووضع حد لقيام الفقهاء والطلبة الحافظين للقرآن الكريم، بالاتصال بالقبائل، لتعليم أبنائها، أو كتابة رسائلها وتدوين عقودها، معتبرين أن القرآن وسيلة لتعريب البربر، والقضاء على أعرافهم، التي يجب أن تدفع للتأثر بالثقافة الفرنسية، والدين المسيحي، بذل الشريعة الإسلامية المتماهية معها، لذلك تم التفكير في إفساح المجال للبعثات التبشيرية بغزو عقول السكان، بمساعدة لقبايليين الجزائريين المتفرنسين، ونفس الأمر في القضاء البربري حيث تم إحداث الجماعة القضائية البربرية، وتخصيصها بكتاب من لقبايلية، وتراجمة عسكريين ومدنيين، لتدوين الأحكام في سجلات بالفرنسية، والقطع مع قضاة الشرع، لتحقيق الفصل بين البربر والعرب.
الكلمات المفاتيح:
مدرسة الرومي، الفقيه ممثل الإسلام، مدرسة للبربر وبالبربر، الجماعة القضائية البربرية، مكتب دراسات المسائل البربرية، تعديل العرف.
– نص البحث:
ب) المدرسة الفرانكو-بربرية:
تطبق النموذج الجزائري:
“يجب أن ننشئ مدارس فرانكو-بربرية”… وفقا لما تم إحداثه بالجزائر، “يقوم فيها معلم المدرسة بغزو لَقْبَايْلِيَّا”،
سيعمل المُتَبَرْبِرُون على تبنـي سياسة مدرسية بربرية،
ولم يتأخر إجماعهم على ما يجب أن تكون عليه المدرسة الفرنكو-بربرية بعد مناقشات بين مديري الشؤون الأهلية، والتعليم العموميLe Glay,in Bulletin de L’enseignement public au Maroc n,33bis ,1921
كانت المبادئ واضحة، لكنها متناقضة، كان على المدرسة البربرية المساعدة في الحفاظ على التقاليد والمؤسسات البربرية، لمقاومة تأثير المدارس القرآنية، ولكن في نفس الوقت لتوجيه البربر في الاتجاه الفرنسي {”كتب لوكلاي لا ينبغي أن نشعر بالقلق، إذا ما صرح قساوسة بني امكيلد، ذات يوم بأن “أسلافنا كانوا من الغال Gauloi” لأن ذلك ممكن تماما}.
بالطبع كان هناك حديث لبعض الوقت، عن تعليم التلاميذ قراءة وكتابة لهجتهم الخاصة المنسوخة بأحرف لاتينية، ولكن تم التخلي عن ذلك، وتم وضع برنامج تعليم اللغة العربية والقرآن، جنبا لجنب تماما لصالح اللغة الفرنسية.
البرنامج الذي تمَّ تحديده في عام 1923 تضمن الدراسة العملية للغة الفرنسية، والكتابة والحساب الابتدائي، بالإضافة إلى أساسيات التاريخ، والجغرافيا، والنظافة، وفقا للنظام الجزائري الذي كان هو النموذج المتبع،
كان التدريس أيضا موجها بشكل احترافي، ويتضمن العمل الفلاحي التطبيقي في الحديقة المجاورة للمدرسة، لكن كان من الواضح تماما، أنه على عكس المدارس القروية، في النواحي العربية، يعتبر تدريس الفرنسية ركنا أساسيا في المدرسة البربرية.
– لويس ماسينيون مهندس المنهاج:
تم وضع خطة التنفيذ في نهاية مايو1923 حيث استدعي أستاذا من كليج فرنسا، لويس ماسينيون لمرافقة ونصح الضابط المسؤول عن إتمام وضع مشروع المدارس.
في بداية أكتوبر 1923افتحت المدارس الستة في أيت سغرشن، أيت مكيلد، (مدرستين) زيان وإشكيرن، وبعد خمسة أشهر تم إحصاء حوالي 200 تلميذ وسبعة مدارس، في حين أن المعلمين من أصل اقْبايْلي ومسيحي.
في أكتوبر 1924 تم إنشاء قسم عادي في معهد الدراسات المغربية العليا بالرباط، كان على المعلمين المتطوعين دراسة اللهجة البربرية، هناك والتعرف على العادات والأعراف البربرية، كما تم تعيين معلمين من منطقة القبايل مباشرة في المدارس الجبلية لتجنب أي بداية خاطئة تم تحذير المعلمين بوضوح من أن “هذه المدارس البربرية هي مؤسسات للسياسة الفرنسية، وأدوات للدعاية، بقدر ما هي مراكز تعليمية مناسبة”.
لذلك كان عليهم أن يعتبروا أنفسهم عملاء، ومعاونين لكمندارات (كمندار) الدوائر، وأن تستلهموا نصائحهم في جميع الظروف.
في السنوات الموالية، تم إنشاء مدارس جديدة، على طول حافة الأطلس المتوسط، بحيث كان هناك في بداية عام 1927 حوالي 26 مدرسة فرانكو-بربرية تضم 600 تلميذ، في عام 1930 ارتفع عدد هذه المدارس إلى 20 ضمت 700 تلميذ، فإذا أخذنا بعين الاعتبار مخاوف القبائل من هذه المدارس، وإحجامها عن إلحاق أبنائها بها، نعتبر أن تلك النتيجة لم تكن قليلة الأهمية.
– الفقيه مقلق:
ليس من الصعب أن نتخيل أن مدرِّس القرآن متواجد في كل فخدة، أو تقريبا، على الأقل طيلة جزء من السنة يحارب مدرسة الرومي بأفضل ما يستطيع من وسيلة، أحاط البربر بالفقيه متشبثين به، باعتباره الممثل الوحيد للإسلام بينهم، يراعون خيمته ويهتمون بها معتبرينها مسجدا ومدرسة، وفي هذا السياق تم “ترويض” السلطة الفرنسية على قبول الوضع، لكن في نطاق محدود LOUBINAC,le monde berbere et ses institution.
وحسب اعتقاد الضباط، فإن التلاميذ البرابرة كان لهم مستوى فكري أعلى من مستوى تلاميذ المدارس القروية العربية، لكن هذا التأكيد كان قبل التجربة، التي بينت أن مستواهم في اللغة الفرنسية كان ضعيفا.
صحيح أننا كنا نتعامل مع سكان عابرين، وأن الحضور في المدارس كان غير كاف للغاية.
لكن سرعان ما شعرنا بالحاجة لمدرسة ذات مستوى أعلى لإعداد كلا من المعلمين والمتعلمين تحت شعار “مدرسة للبربر وبالبربر” وكذا كتاب محاكم الجماعة، السكان {في الجبال يجب تدريبهم ومراقبتهم لحماتهم من أي تَشْرِيب عربي، أو تأثير إسلامي […] سنبقيهم قابلين للتأثير الفرنسي وحده}.
هذه المدرسة فكرة مفكر مُتَبَرْبِرْ تم تنفيذها بأيت امكيلد، في أزو، وافتتحت في أكتوبر 1927وصارت كما نعلم خيبة أمل، ومثار إحباط، بعدما تحولت مستنبتا للوطنيين المغاربة.
ومهما كان المخطط له، فقد حظيت سياسة المدرسة الأمازيغية بدعم المارشال ليوطي، في رسالة DR113 بتاريخ 1924/1/2 التي حددت الأهداف السياسية لهذه التجربة، “للحفاظ أيضا بسرية شديدة على الاختلافات بين بلاد المخزن، وجبل البربر الذي يجهل اللغة العربية”.
كتب ليوطي: “أعتقد ولا بد لي من التأكيد على الأهمية التي أعلقها على هذا الأمر المرتبط بعملنا السياسي كنتيجة لتقدم التهدئة في بلد العرف البربري”.
لكن في مجال العدالة، الذي تم اتخاذ القرارات الأكثر أهمية، ولهذا السبب انتهت السياسة البربرية بهذا الخلط مع الشأن القانوني البربري.
ج) تنظيم قضاء مدني بربري:
انطلق بداية تنظيم عدالة مدنية بربرية بمنشور في 1915/9/22 كتب من قبل المراقب المدني برونو بعد مهمة قام بها لتقصي الحقائق في ناحية مكناس، حيث اكتشف سلسلة من العادات البربرية التي قلبت فكرة أن هؤلاء الأخيرين لديهم عدالة. لكن الحقيقة أن العدالة لم تكن تتحقق من قبل الجماعة، كما ادعت أسطورة لَقْبَايل، ولكن من قبل واحد أو أكثر من المحَكِّمين، المختارين من قبل أصحاب الدعاوى أنفسهم.
وافق الأمين العام للحكومة الشريفة على الاعتراف بهذه العادات بتأكيدها، لكنه مع ذلك منح الجماعة سلطات أكبر في هذا المجال، وكان ذلك هو أصل المذكرة رقم 7041 التي يستند عليها طرفي الدعوى، لتعيين محكم بينهما باتفاق متبادل، أو ثان وثالث حتى يتم الاتفاق (المادة 5) في حالة عدم وجود اتفاق على المحكم بين المتخاصمين، يعرض النزاع على الجماعة بكامل أعضائها، وتحكم هي نفسها في النزاع.
تم تعيين كاتب لتسجيل مداولات مجلس الحكم وتسجيل أحكام واتفاقات التوفيق، التي تم إجراؤها من قبل الجماعة، وذلك باللغة الفرنسية، بذل العربية التي كانت متداولة عند الحكام، -قياسا على ما كان ساريا في لَقْبايل بالجزائر منذ 1906-.
تلك المذكرة التي تم تعميمها على مسؤولي جهة مكناس، لكن بسبب ظروف مختلفة، وخروقات متوالية يمكننا القول بأنه لم يتم تطبيقها.
والوقع أم مبدأ اختيار المحكمين لم يرق سلطات الرقابة المحلية كثيرا، التي تفضل رؤية الجماعة الإدارية، التي تعين أعضاءها، وجذب المصالح لها، والتقاضي بدون استئناف، مما خلف ارتياحا لإدارة الحماية، فاستندت عليه، وقامت باختراع الأنظمة القضائية الأولى، التي تم تنزيلها رسميا في عام 1923.
– تنظيم العدالة البربرية:
في هذا التاريخ تمَّ بالكاد تنظيم العدالة البربرية الذي ظل معلقا منذ 1915 وذلك بعد توسع المنطقة المؤمنة بعد عمليات التهدئة المتفرقة، لإخضاع ساكنتها للنفوذ الفرنسي باسم السلطان دائما، فأقيم مكتب دراسات المسائل البربرية، بمديرية الشؤون الأهلية، ليعرف بشكل أفضل لرئيسه الكومندار مارتي الوجهة التي يريد أن يذهب لها.
بعد البحث في وظيفة القضاة البرابرة، تقرر في 1923/7/10 تعميم التطبيق الإداري القضائي للجماعة، لكن من أجل حصر عددهم النهائي صدرت مذكرة رقم 986 /DR/2 في 1923/8/17 تفرض تجميع كل الفخذات في قبيلة واحدة، ذات جماعة قضائية للقبيلة، قدمت بكياسة كمدرسة للحكيم، وهي في الواقع مستلهمة من الجماعات القضائية التي أنشأناها بلَقْبايل، ولم تخف السلطة العسكرية حقيقة تخوفها من بعض التغير المزاجي، بالنسبة للبربر، نتيجة التعديل الذي أُدخل على العرف التحكيمي لهم.
لقد أدى غياب رد فعل على ذلك العمل، المضي قدما على الفور، بالمشروع لأبعد مدى، ودائما بواسطة قرارات إدارية، فجاء منشور رقم DR/2 /58 في 1924/1/1 يقترح هذا التوضيح “إذا كانت هناك صعوبة في تطبيق مادة من مواد هذا التنظيم التجريبي الجديد يمكن تأجيلها حتى يتسنى لنا تطبيقها بسهولة”.
المنشور الصادر في 1924/1/29 تُمِّم بمنشور آخر في 1924/2/14 ضبط جزئيات قضاء الجماعة واختصاصاته.
هذا القضاء يتيح للقبائل العادية التنقل للقضاة بمسائلهم الشخصية من ميراث، وعقار، مما يجعله محكمة حقيقية، تأمر بإجراء التحقيقات، والاستماع للأطراف، وإصدار الأحكام في الأخير.
بالرغم من أن جميع الأعراف البربرية نصت على إمكانية اللجوء لعدة محكمين، إلا أن قاضي التحكيم لم يتم حذفه، لأن النظام الجديد لم يقدم سوى كوسيلة اختيارية -فالرسالة DR/2 الصادرة في 1924/2/14 تصرح بإمكانية لجوء أطراف النزاع دائما لنظام التحكيم البربري القديم الموافق للأعراف-.
في 1924/10/8 اقترحت لجن دراسة تنظيم العدالة البربرية توسيع اختصاص هذه الجماعات القضائية من خلال منحهم ليس فقط البث في قضايا العقارات بل أيضا بإجراء التحفظ على المعاملات المتعلقة بالملكية الجماعية، وكل الأمور المدنية والتجارية التي كانت من اختصاص محاكم القياد والباشوات G.Surdon (Esquisse de droit,p .219).
لم يتم قبول هذا التغيير، لأن الجماعة القضائية لم توضع إلا لفض المنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية والميراث والممتلكات، مع أن المحاكم الفرنسية فقط هي التي كانت تواجه المنازعات بين برابرة العرف والخاضعين للمحاكم الفرنسية.
بالطبع الجماعة كانت تأخذ بحكم العرف، ولم يكن بإمكانها التصرف في تنفيد العقوبات الجزائية: فمحكموها يحددون التعويض المالي أو غيره، من المنصوص عليه عرفا، لكن أي عرف ؟ لقد كان حذرنا مع الأسف من هؤلاء {«البربر الجيدون الذين يرفضون القانون الأجنبي، يدفعنا لعدم الاتفاق على العمل لاختيار شخص يطلع بالبحث عن هذا الخطأ المصطنع» لوكلاي}.
أمرت مديرية الشؤون الأهلية في 1/30 و1924/3/8
بالعمل في كل مكان بـ”تعديل العرف” ولكن على عكس ما قرره ضباط منطقة القبائل الكبرى في الماضي، إذ لم يكن هناك مجال “لإزالة المواد البربرية” من هذه العادات.
كان الأستاذ لويس ماسينيون يعلن علانية أن بعض العادات القديمة أو الوحشية لا ينبغي أبدا تقنينها واستخدامها كقوانين لشعب تحميه فرنسا.
كما أعطيت أيضا للجماعات القضائية مهام قيمة خارج نطاق القضاء، كالإشراف على توقيع العقود والاتفاقات للبرابر، كما تم تخصيص سجل لجميع المستندات المتعلقة بالعقارات والميراث، وآخر لتسجيل المستندات المختلفة التي أضيفت لاختصاص الجماعة القضائية بعد القرار الصادر في 1924/6/11 كشهادة الزواج والطلاق.
إذا اعتقدنا أن كل جماعة كان عليها أيضا الاحتفاظ بسجل لمداولاتها وجميع أحكامها، فيمكننا تخمين الدور الأساسي لكتاب الجماعة، الذي تم اختيارهم مؤقتا من بين التراجمة المدنيين أو العسكريين، وحتى من بين الضباط أو المراقبين المدنيين، في الحالة الأخيرة، يصبحون رأساء لتلك المحاكم على الرغم من منحهم لاحقا لقب مفوض الحكومة.
على العكس من ذلك عندما تم تعيين مترجمين جزائريين أو مغاربة، تم قصر مهامهم على كاتب عدل، بيد أن تزكيتهم سرعان ما رفضت من قبل القبائل وقيادها، ولو أن هؤلاء الأخيرين تقبلوهم بشكل أسهل من الجماعة القضائية، ووكلاء المخزن، ومع ذلك احتفظوا عموما بحقهم في العدالة، الجنائية والمعرفة بالنزاعات المدنية والتجارية، باعتباره مورد ربح مهم.
تابع (ص:71).