الفتاة اللادينية التي تبحث عن أجوبة لأسئلتها.. مع الشيخ كمال المرزوقي
هوية بريس – الشيخ كمال المرزوقي
هذا الصّباح راسلتني فتاة فرنسيّة من أصل جرماني تخبرني أنّها بلا دين.
هكذا تعريب جملتها المطابق قالت: أنا بلا دين.
سألتني عن الإسلام وأخبرتني أنّ هناك من أحالها إليّ..
لم أهجم على الحديث.. تريّثت..
قلت لها أخبريني عن ذلك العالم الّذي أنت فيه.. كيف هو؟
كيف تشعرين هناك حيث لا دين؟
ما يعجبني جدّا في محاورة هذا النّوع من النّاس أنّهم عرايا تماما .. ليس عندهم ما يجبرهم على النّفاق ولا الكذب، ولذلك يكون الحوار صريحا وصادقا جدّا ..
أخبرتني عن كمّية – وأعود مرّة أخرى للتّعريب المطابق – الغضب (La fureur) والسّواد (La noirceur) والوحدة (la solitude) والإحساس بغياب العدل في هذا الكون (ce monde est injuste).
ثمّ انطلقت البنيّة لوحدها تحدّثني عن أنّها حاولت أن تعرف وتستكشف ..
أخبرتني أنّها تحبّ الطّابع القوطيّ .. تحبّ موسيقى الرّوك .. أنّ ملامحها وعرقها سلتي الّذي هو ذاك الأبيض القريب من المهاق، وأنّها كانت في وقت ما ترى أنّ الصّريح والصّادق الوحيد هو الشّيطان (الرّجيم)، حتّى إنّ عندها تاتو برأسه ذي القرنين على كتفها الأيسر!
والرّجيم من كلامي!
التقت أوّل أمرها بفتاة مسيحيّة كاثوليكيّة محافظة .. سعدت بها وبحثت كثيرا معها عن جواب لبعض أسئلتها فلم تجدها .. لكنّها لم تترك الفرصة دون اغتنام أن تذهب معها للكنيسة .. وتعرف أكثر ما يمكن عن عاداتهم وكيف يصلّون وماذا يقولون …
قالت لي شعرت بشعور جميل ومحبّب للنّفس ومريح .. لكنّ عقلي لم يجد أجوبة أشعر انّني تائهة!
قطعت حديثها فجأة لتقول لي:
– العام الماضي صمت في رمضان ثلاثة أيّام!
تركتها وقد استمرأَت الكلام تسترسل .. أضافت كنّا ننشغل تماما طيلة النّهار في أنشطة كثيرة خيريّة واجتماعيّة ..
قالت لي إنّها قدّرت أنّهم يفعلون هذا لأجل أن ينسوا أنّهم جائعون ..
أخبرتني عن حجم الطّعام الكثير الّذي وضع عند الإفطار مع العائلة الجزائريّة المسلمة الحميمة الجميلة الّتي كانت صديقة ابنتها .. وكيف اجتمعوا جميعا ليأكلوا في وقت واحد ..
وصلّوا في وقت واحد ..
وخرج الرّجال ليجتمعوا مع رجال آخرين كثيرين ليصلّوا خلف رجل واحد يقف أمامهم جميعا، ويفعلون مثله تماما في نظام محبّب.
كلامها!
تعرّفت على فتاة يهوديّة جميلة .. لم تكن مهتمة كثيرا بكونها تعرف اليهودية أو لا تعرفها .. لكنّها سمحت لها بأن تجلس إلى عائلتها الّذين أخذوا يحدّثونها عن عذاباتهم التّاريخيّة وكم عانوا (وكم ضربت عليهم الّذّلّة والمسكنة طيلة دهرهم)!
وما بين قوسين كلامي ومعناه من كلامها!
قالت لي شعرت أنّني لست بعيدة كثيرا عن السّواد الّذي أنا فيه، هناك جوّ من الغضب والكره أيضا بين سطور من عانوا كلّ تلك العذابات .. ربّما شعروا مثلي بغياب العدل في هذا العالم.
كلامها!
قلت لها: وقد قدّرتُ أنّها نسيت أنّني أتابع ما تقول: لم تخبريني عن رأيك إلّا في موضعين النّصرانيّة واليهوديّة ..
ماذا عن الإسلام؟
قالت: أقول لك بصدق أجده أقرب لي من الاثنين
قلت: هل لهذا سبب معيّن يمكن أن تخبريني به؟
قالت: نعم.
ثمّ صمتت ..
طويلا ..
دهرا ..
آبادا لم تبد لها نهاية ..
دقيقة في الواقع ..
لكنّني كنت مشتعلا فضولا، تُرى لماذا؟
(تراودني رغبة أن أكفّ عن كتابة المنشور هنا، تبدو الفكرة مغرية جدّا .. اللهمّ اخزيك يا شيطان)
نطقَتْ أخيرا لتقول: شعرت أنّكم شيء واحد .. واضح جدّا جدّا .. مثل: …
– مثل ماذا؟
هذا كان سؤالي بصوت مبحوح ويد ملهوفة
– مثل ضوء النّهار!
كلامها بتعريب مطابق!
تبدون دوما مجتمعين دافئين ..
هنا كان ما يعصف بذهني هو شيء من أعاصير المشتري لا الكرة الأرضيّة ..
الضّوء .. الظّلام في اليهوديّة والغضب والكره .. المسيحيّة والتّيه والحيرة ..
نحن مجتمعون!
ما شعرت به هي أثناء ذلك وكيف لها أن تصل بمجرّد الشّعور – كما هو تعبيرها – لكلّ هذا القدر من الحقيقة المسطورة في كتاب ربّنا؟!
هذه أسلمت أو كادت!
الهداية على طرف بنانها لو مدّت يدها فقط أخذتها ..
الخلاصة من كلّ هذا تحتاج منشورا مستقلّا أعدكم أن أكتبه ..
سيكون فيه قطعا ذكر زيد بن عمرو بن نفيل!
لكن ركّزوا معي في هذه الجملة الأخيرة رحم الله والديكم:
قالت لي في نهاية حديثنا الّذي سيستأنف إن شاء الله قريبا كما أرجو وأظنّ:
“أنت لطيف جدّا وبارع ولست سهلا كما قد يظنّ المرء في أوّل الأمر”.
هذا أنا؟!
يا سلااااااااام
فلتطلع الشّمس كيف شاءت إذن
كلامي النّفسي للأسف!
جوابي المنطوق هناك اكتفيت فيه بشكرا واحدة جامدة باردة كاسدة لا تأتي بخير كثير ولا مستقبل لها …
اسفخص!
ملاحظة: استأذنتها في نشر ما دار بيننا فأذنت لي.
السلام عليكم
اين الخلاصة التي وعدتنا بها
بارك الله فيكم