وأضاف بلقزيز في مقال له بعنوان: أزمة القراءة، “نحن نعيش، فعلاً، أزمة القراءة. وهي أزمةٌ حادّة بدأت منذ نيّفٍ وثلاثين عاماً، لكنّها ما فتئت تستفحل مع الزّمن. في مرحلةٍ أولى، بـدَتْ هذه الأزمة في شكلِ تراجُـعٍ عن معـدّلات قراءة الكتاب، من غير أن يساوقه تراجعٌ في نسبة مستهلكي المجلاّت الفكريّة والأدبيّة أو المتنوّعـة والجرائد؛ فالعلاقة بالمادّة المكتوبة، حينها، لم تكن قد أصيبت بالضّرر بعد، وإن كانت تدهورت في المستوى. والحقُّ أن تدهورها (من الكتاب إلى الجريدة) استجرَّ نتائج في غاية السّوء على معارف القرّاء، ثمّ على معارف أجيال جديدة من الكتّاب والباحثين. لوحظت تلك الآثار في المستوى الهزيل للمعظم من البحوث الجامعيّة في أقسام الآداب والعلوم الإنسانيّة، مثلما ستُلاحَظ – بعد ذلك – في التّـأليف على وجْـهٍ عامّ. ولقد نبّهنا ذلك، في حينه، إلى أنّ الأزمة لم تكن أزمة قراءة، فقط، بل أزمة قراءةٍ ومقروء أو، قل، أزمة على مستوى المقروء نفسِه! “.
وأردف المتحدث ذاته “بـدتِ القراءة بمعدّلاتها المتراجعة، حينئذ، ضحيّةَ مزاحمةٍ من مصدرٍ آخر من المصادر القادرة على احتكار الانتباه والتهام حصص القراءة لدى مَـن هُم في عداد القُـرّاء. ولم تكن المصادر المزاحِمة تلك سوى أجهزة الإعلام (= التّلفاز خاصّة) والسّينما: التي لم تعد منتوجاً يُـطْـلَب في أمكنته المخصوصة (دور السّينما)، وإنّما بات عموميّاً يمكن استهلاكه عبر التّلفزيون، أو من طريق أشرطة الفيديو المتوفّرة في الأسواق. ثمّ لم يلبث هذا المنحى أن تعاظَم واتّسع نطاقاً في بداية التّسعينيّات مع الثّورة الإعلاميّة التي أحدثها البثّ عبر الأقمار الصّناعيّة، وسمحت بالولوج إلى آلاف القنوات التلفزيونيّة. لقد بـدتِ القراءة، إذن، ضحيّة هيمنة ثقافـة الصّـورة في هذه المرحلة من أزمتها”.
وخلص بلقزيز “الثّقافة والمعرفة اليوم في أزمة، لأنّ القراءة في أزمة. وهذه أزمةٌ قد تمتدّ وتستفحل، وربّما تنتهي إلى انقراض ظاهرة القراءة جملةً إنْ لم توضَع، منذ اليوم، خطّة عمل – بل استراتيجيّة – لتنمية قيم القراءة وترسيخها في ثقافة النّاس منذ المراحل المبكّرة من العمر. وهذه استراتيجيّة ينبغي أن تُجنّد فيها المؤسّسات كافّة: الأسرة، المدرسة، الجامعة، الإعلام، سياسات ترويج الكتاب والإنفاق على صناعته. ذلك وحده ينقذ الثّقافة والمعرفة من زوالٍ محقَّق”.