نظرية الاستعباد والاسترقاق عند بني علمان (ج1)
ذ. طارق الحمودي
هوية بريس – الثلاثاء 26 نونبر 2013م
من أقبح ما قد يرتكبه المفكر إن كان مفكرا أن يكيل بمكيالين، ويزن بميزانين، يكيل بأحدها بيعا، وبالآخر شراء.. وهو أمر يدل على نذالة المفكر ولؤمه، خصوصا إن كان صاحب مشروع فاشل ومقصد سافل، وأقصد هنا المفكر العلماني.. مع الاعتذار للفكر..!
لعل بعض القارئين سيصدم لو علم أن أحد منظري فكرة فصل السلط، السياسي الفرنسي الكبير وأحد أشهر منظري الفكر القانوني التزويري، المدعو مونتسكيو.. كان نموذجا من أولئك الذين أشرت إليهم من منظري الاسترقاق الزنجي..!
يقول مونتسكيو (ت1755م) في روح القانون (Esprit des lois/الفصل الخامس/l esclavage des noire/édition édouard laboulaye): (إذا كان لي أن أدافع عن حقنا الذي اكتسبناه في جعل الزنوج عبيدا، فهذا ما كنت سأقوله: إن شعوب أوروبا حين أفنت شعوب أمريكا، كان لابد لها من أن تستعبد شعوب إفريقيا لاستخدامها في استغلال تلك الكمية الكبيرة من الأرض) انتهى بترجمتي.
كل هذا ليشرب الأوروبي كأس قهوة محلى بالسكر في جلسة مسائية!
ولم يكن مونتسكيو متفردا بهذا، بل كان نموذجا لطائفة من صناع ثقافة عصر (البقل والتزوير) في أوروبا!!! ممن يختزلون مضامين أسس حقوق الإنسان والحريات في الإنسان الأوروبي فقط، صحيح أن بعض مفكري وسياسي الثورة الفرنسية نادوا برفع الرق.. لكن ذلك لا يعني أنهم كانوا صادقين، فإن بعضهم كان يسوغ الرق من منطلقات اقتصادية مثل مونتسكيو!!!، فلما تغيرت الأحوال غير الأقوال.. من باب تغيير الشكل من أجل الأكل، فلا ثقة في هؤلاء..
ومنهم العالم والسياسي البارع (François XII Alexandre Frédéric de La Rochefoucauld) فقد عرف عنه الدعوة إلى منع الرق.. لكنه قبل ذلك وفي مجلس النواب الفرنسي صرح -كما قال (Olivier Le Cour Grandmaison) في مقال له في مجلة (الإنسان والمجتمع/94/رقم:94)- بدون تردد أنه يجب الإبقاء على الرق الأسود، وإلا (كانت النتيجة إفلاس الاقتصاد، وتدهورا تاما للصناعة، وركودا للعمل وفقر المواطنين الذين لا عيش لهم إلا من اليد العاملة في منتوجات المستعمرات) كما في الأرشيف البرلماني الفرنسي (Archives parlementaires de 1787 à 1860/الجزء31 المجموعة الأولى ص:292).
وفي (tome 1 / l empire/Œuvres philosophique et politiques de Thomas hobbs) عرض السياسي والمفكر الإنجليزي توماس هوبز العلاقة بين السيد والعبد.. على أنها نوع من العقود الاجتماعية التي تنبني على الحقوق الطبيعية.. فحقوق الملكية للحيوان هي نفسها حقوق الملكية على العبد.. أنظر كيف يجعلون الاسترقاق عقدا اجتماعيا على أسس فكرية وقانونيا.. قبح الله من لا يستحي!
ولعل أغرب المسوغات ما ورد ذكره في كتاب (L’Histoire des deux Indes/6/132-133) من أن سبب ذلك.. أن الرقيق الإفريقي يكون أكثر سعادة في أمريكا!!!!
وقد أغفلت الحديث والنقل عن المفكر التزويري الفرنسي فولتير، لأن عنصريته أكبر من أن تختصر في نقل سطر أو سطرين عنه.. فقد كان شيخا من شيوخ التعصب والعنصرية البيضاء.. فهنيئا للمستغربين العرب به أسوة وقدوة!!!
أهؤلاء هم فلاسفة ومفكرو عصر الأنوار؟ بل قل عصر الأشرار، إلا نزرا يسيرا غلبتهم إنسانيتهم.. فاستجاب فكرهم رغبة ورهبة!
تكفيني هذه النماذج لبيان هشاشة البناء الفكري لعصر التزوير الذي لطخه مونتسكيو وفولتير وغيرهما بالتنظير لفكرة حقوق الإنسان الأوروبي.. المكتسبة اجتماعيا أو طبيعيا.. في استرقاق غيره، وتسويغه بالحاجة الاقتصادية للدولة الفرنسية.
وبعد أن ألغت الجمعية التأسيسية للثورة الفرنسية الناتجة عن فترة الفلسفة التزويرية في القرن الثامن عشر الرق سنة 1789.. عاد نابليون ليلغي (الإلغاء) ويسترد حق الإنسان الفرنسي في استعباد الرقيق الأسود بسبب قلة اليد العاملة.. على طريقة مونتسكيو..! ولا أخفي القارئ أنني أشك في صدق كثير من دعاة التحرر والحرية.. لعصر البقل والتزوير.
يقول الأستاذ عبد السلام الترمنيني في (الرق ماضيه وحاضره/ص:147/عالم المعرفة): (الحرية التي نادى بها كان يعني بها الإنسان الأوروبي المسيحي أما من يختلف عنه جنسا ودينا فلا يستحق الحرية ويجب أن يستعبد، وهذه في الغالب فكرة كثير من المفكرين الغربيين، الذين إذا تكلموا عن الإنسان عنوا به الإنسان الأوروبي وإذا نادوا بالحرية فإنما ينادون بها لمصلحة ذلك الإنسان).
فانتبه الآن إلى أن قولهم: حرية الإنسان.. جملة مفيدة عندهم بحذف كلمات تقديرها: حرية الإنسان (الأبيض في استرقاق غيره).. وحذف ما يعلم جائز كما يقل النحاة!!!
(الجزء الثاني: الرق الحديث واستمرارية التزوير، في الجزء الثاني).