هل أكثر أبو هريرة؟ ملخص دراسة تحليلية إحصائية
هوية بريس- مولاي التهامي بهطاط اليعݣوبي (خريج جامعة القرويين)
لا يخفى أن الهجوم المتكرر على السنة النبوية من خلال الطعن في ديوانها الأول، صحيح البخاري، أو من خلال التشكيك في راويها الأول، أبي هريرة رضي الله عنه، هو مؤشر على الجهل المركب.
فلو درس المتنطعون أبجديات علوم الحديث لخجلوا من ترديد شبهات تم تفنيدها وتسفيهها.
ولأن الأمر لا يتعلق فقط بأصحاب النية المبيتة، بل هناك كثيرون يتم التغرير بهم لأنهم لا يملكون الأدوات العلمية الضرورية لتمييز الغث من السمين، أو لأنهم يكتفون بـ”البرقيات السريعة” التي يطلعون عليها دون تمحيص، فتنطلي عليهم حيل بعض المضللين، ارتأيت إنجاز دراسة تحليلية إحصائية حول أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه الواردة في صحيح البخاري، كنموذج فقط، وذلك لتحقيق هدفين:
– يتمثل أولهما في تفنيد شبهة “إكثار” أبي هريرة رضي الله عنه، التي حولها البعض إلى “تهمة”، حيث اتضح في نهاية هذا البحث (وهو في أكثر من 300 صفحة، وعنوانه: كيس أبي هريرة.. دراسة تحليلية إحصائية)، أن مجمل ما أخرجه البخاري عن هذا الصحابي الجليل، لا يتعدى 431 حديثا (كرقم وسطي)، وأن نزرا يسيرا جدا من هذه الأحاديث انفرد به أبو هريرة رضي الله عنه، ولم يشاركه في روايته صحابة آخرون.
– ويتعلق ثانيهما، بتسليط الضوء على منهجية الإمام البخاري رحمه الله، في تبويب الأحاديث وتقطيعها… علما أن هناك من ينسب إليه هو أيضا أرقاما خيالية من الأحاديث، بشكل يكشف فقط حجم الجهل الممزوج بالجرأة على تسلق جدران علم دقيق ومضبوط.
ولتحقيق هذا المبتغى عمدت إلى اتباع الخطوات التالية (انظر الصورة):
-تتبعت أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح البخاري، مع الاحتفاظ بأرقامها التسلسلية حتى يسهل الرجوع إليها؛
-حذفت السند من جميع الأحاديث من باب الاختصار، كما حذفت أيضا المتابعات والشواهد لنفس السبب؛
-وضعت ما نقله أبو هريرة رضي الله عنه من كلام سيد المرسلين ﷺ، باللون الأخضر، حتى يسهل تتبع وإحصاء عدد الكلمات النبوية؛
-وضعت أرقام الأحاديث المكررة باللون الوردي، بحيث يتضح منذ الصفحات الأولى أن هناك كتب معظم أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه فيها مكررة، أي أنها ذكرت في كتب وأبواب سابقة؛
-وضعت أرقام الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه باللون البني، حتى يسهل تمييزها عما لم ينفرد به.
-وضعت أسماء الصحابة رضي الله عنهم، الذين رووا شواهد لأحاديث أبي هريرة رضي الله عنه، سواء أخرجها لهم البخاري في صحيحه، أو وردت في بقية كتب الحديث، باللون الأزرق، وهو نفس اللون الذي اعتمدته لإبراز عدد رواة بعض الأحاديث المتواترة التي نقلتها جموع من الصحابة رضي الله عنهم، بما ينفي “شبهة” تفرد أبي هريرة رضي الله عنه بها؛
وبما أن الأمر هنا لا يتعلق بدراسة للأحكام الفقهية، ولا بتحقيق كتاب أو تخريج أحاديث، فقد يحدث أن أحيل على حديث يوافق ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه، حتى لو لم يرق إلى مستوى “شرط البخاري”، كما أنني لم أركز على التطابق التام والشامل، بل اكتفيت أحيانا بالإحالة على تطابق جملة واحدة. فالمهم هنا هو نفي شبهة “التفرد” ما أمكن.
-اكتفيت بالإحالة على المصادر والمراجع التي تضمنت الشواهد، لأن إيراد هذه الأحاديث من شأنه أن يؤدي إلى مضاعفة حجم هذا البحث المتواضع أضعافا كثيرة، والحال أني راعيت فيه الاختصار غير المخل ما أمكن.
لكن قبل أن أسوق الخلاصات الأولية التي انتهيت إليها بعد هذا البحث، أشير بداية إلى أن ما وقفت عليه بالنسبة للدراسات المرتبطة تحديدا بهذا الموضوع، هو أن المحاولات التي تم القيام بها حتى الآن، رغم الجهد الذي بذل فيها، إما أنها تحتاج إلى التحيين والضبط، خاصة بعد الحركية الكبيرة التي عرفها مجال نشر أمهات كتب الحديث في السنوات الأخيرة، أو أنها مغرقة في العموميات بينما نحن في حاجة لكثير من التفصيل والتفاصيل، بدل تقديم خلاصات مختصرة جدا، تكون مخلة أحيانا، عن عدد الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه مثلا، لأنه يصعب حتما إقناع المتلقي “المتحامل” أصلا، بأن هذا الصحابي الجليل الذي تلاحقه “تهمة” الإكثار والتفرد، انفرد فقط برواية أربعين أو حتى مائة حديث، من ضمن آلاف الأحاديث المنسوبة إليه في مجموع كتب السنة، وضمنها “الجامع الصحيح” بطبيعة الحال.
* معطيات إحصائية حول عدد الكلمات النبوية في أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه:
إن الخلاصة التي انتهيت إليها بعد تتبع جميع أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه في الجامع الصحيح، تتمثل في أنه إضافة إلى اثني عشر (12) كتابا التي لم يخرج له فيها البخاري أي حديث، نسجل أنه لم ينقل له أيضا أية كلمة عن النبي ﷺ في كتاب: سجود القرآن، حيث إن الأحاديث الثلاثة الواردة فيه تخص سنة عملية لا قولية، وكذلك الشأن بالنسبة للحديث الوحيد الذي رواه عنه في كتاب: الاعتكاف.
أما بقية الكتب الثلاثة والثمانين (83) فإن ما نقله أبو هريرة رضي الله عنه فيها من كلام سيد المرسلين ﷺ يتراوح بين ثمان (8) كلمات في كتاب: “العقيقة”، وتسع وسبعين وثلاثمائة وألفي (2379) كلمة في كتاب: “أحاديث الأنبياء”.
وبشكل إجمالي، فإن عدد الكلمات التي نقلها أبو هريرة رضي الله عنه من أقوال سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، في “الجامع الصحيح”، هي بالتقريب تسع عشرة وخمسمائة وأربع وعشرون ألف (24.519) كلمة، المكرر منها: 15.573 كلمة؛ والخالص من التكرار: 8.984 كلمة؛
أما مجموع كلمات النبي ﷺ في الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه، فهو في حدود ثلاث وثلاثين وأربعمائة وألف (1.433) كلمة تقريبا؛
ولابد هنا من ملاحظة أن المكرر يمثل -أحيانا- النسبة الأعظم في بعض الكتب، كما هو الحال في كتاب “التوحيد” على سبيل المثال.
فمن مجموع ثمانية وخمسين (58) حديثا التي أخرجها البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه في هذا الكتاب، نجد أن الأحاديث غير المكررة لا تتجاوز خمسة (5) أحاديث، أي أن ثلاثة وخمسين (53) حديثا الأخرى كلها سبقت روايتها في كتب وأبواب سابقة.
والنتيجة العملية هنا، هي أن عدد الكلمات غير المكررة في هذا الكتاب، لا يتعدى أربعا وثمانين ومائة (184) كلمة، من مجموع أربع وعشرين وتسعمائة وألف (1924) كلمة، أي أن المكرر أربعون وسبعمائة وألف (1740) كلمة.
هذا علما أن هناك أربعة عشر (14) كتابا، كل ما ورد فيها من الأحاديث، مكرر.
* انفرادات أبي هريرة رضي الله عنه:
يتضح من تتبع انفرادات أبي هريرة رضي الله عنه في “الجامع الصحيح”، أنها لم تتعد في مجموعها خمسين (50) حديثا موزعة كما يلي:
– مجموع الأحاديث التي انفرد بها أبو هريرة رضي الله عنه وتضمنت سنة قولية: واحد وأربعون (41) حديثا؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت قصة من قصص الأنبياء أو الأمم السابقة: اثنا عشر (12) حديثا؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت واقعة شخصية أو رأيا فقهيا لأبي هريرة رضي الله عنه: أحد عشر (11) حديثا؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت توجيها تربويا: ستة (06) أحاديث؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت مشاهد من يوم القيامة: ثلاثة (03) أحاديث؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت مواقف من السيرة النبوية: ثلاثة (03) أحاديث؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت أمرا غيبيا من أمور الدنيا أو الآخرة: ثلاثة (03) أحاديث؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت أحداثا ووقائع: ثلاثة (03) أحاديث؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت وعيدا: حديثان اثنان (02)؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت حكما: حديثان اثنان (02)؛
– مجموع الأحاديث القدسية: حديثان اثنان (02)؛
– مجموع الأحاديث التي أشارت إلى قاعدة وحدة دين جميع الرسل عليهم السلام: حديث واحد (01)؛
– مجموع الأحاديث التي تضمنت حضا على التسبيح: حديث واحد (01).
– مجموع الأحاديث التي تضمنت مناقب الصحابة: حديث واحد (01).
* تأملات في هذه الانفرادات:
إن أول ما يستوقف، بعد استعراض المعطيات الإحصائية المشار إليها أعلاه، هو أن مجموع ما انفرد به أبو هريرة رضي الله عنه:
– يمثل حوالي 11.21% من مجموع الأحاديث التي أخرجها له البخاري في صحيحه (446) وفق إحصاء ابن حجر والقسطلاني كأعلى رقم؛ وحوالي 11.96% وفق عد بدر الدين العيني (418) كأدنى رقم؛
– يمثل حوالي 1.25% مجموع أحاديث “الجامع الصحيح” بعد تجريدها من المكرر وفق عد ابن الصلاح والنووي، أي أربعة آلاف (4000) حديث كأعلى رقم.
بل حتى إذا اعتمدنا إحصاء ابن حجر الذي حصر أحاديث الصحيح دون مكرر، وباحتساب المتون المعلقة المرفوعة، في واحد وستين وسبعمائة وألفي (2761) حديث فقط، فإن هذه النسبة لن تتجاوز 1.81%.
هذا بالنسبة للإحصاء المجرد، أما في ما يخص توزيع هذه الانفرادات من حيث المضمون، فيمكن أن نسجل أنها توزعت على تسعة وعشرين (29) كتابا من الكتب التي وردت فيها أحاديث عن أبي هريرة رضي الله عنه.
والخلاصة هنا أن الخمسين (50) حديثا هذه، لا يكاد أحدها يتضمن حكما شرعيا أمرا أو نهيا، ملزما للمكلفين عامة، باستثناء حديث نفقة الرهن، مركوبا ومحلوبا، والقرعة في اليمين، مع الأخذ بعين الاعتبار التفصيل الفقهي في هاتين المسألتين (توسعت في هذه المسألة ضمن البحث).
وبالمقابل فإن هذه الأحاديث تتضمن مشاهدات شخصية أو آراء فقهية، أو تتطرق لقصص بعض الأنبياء والأمم السابقة، وبعض مشاهد يوم القيامة، وعلامات الساعة، وهو أمر طبيعي أن يستأثر أبو هريرة رضي الله عنه بشيء منه، بسبب خصوصية صحبته لرسول الله ﷺ، بل إنه أمر يحدث عادة بين الشيخ وبعض تلاميذه الملازمين له، الذين لابد وأن يخصهم، دون غيرهم، بشيء من العلم الذي لا يضر غيرهم استئثارهم به. ولذلك أكرر القول بأننا لا نكاد نجد انفرادا يخص الأمور التي تتعلق بالتشريع العام، لأنه لا يعقل أن ينفرد صحابي واحد بأمر أو نهي، أو شيء مما تعم به البلوى، أو يلزم جماعة المسلمين، خاصة في جوانب العقيدة والعبادات.
من جانب آخر، وبلغة الأرقام دائما، فإذا اعتمدنا ما صرح به أبو هريرة رضي الله عنه بخصوص مدة صحبته للنبي ﷺ، حيث قال: “صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثَ سِنِينَ، لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ” (أخرجه البخاري 3591)، فإن مجموع ذلك حوالي ستين وألف (1.060) يوم.
وبقسمة بسيطة يتضح أن معدل ما انفرد به أبو هريرة رضي الله عنه من كلام سيد المرسلين ﷺ، لا يزيد كثيرا عن 1.3 كلمة في اليوم، أي أقل من كلمتين، هذا علما أنه كان يحضر، على الأقل، الصلوات الخمس يوميا، ويصليها خلف رسول الله ﷺ، ويرافقه في كثير من جولاته بالمدينة المنورة وتنقلاته خارجها.
أما إذا أخذنا بعين الاعتبار ما نقله الحافظ ابن حجر من أن أبا هريرة رضي الله عنه “قدِم في خيبر سنة سبع، وكانت خيبر في صفَر، ومات النبي ﷺ في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فتكون المدة أربع سنين وزيادة” (فتح الباري ج:6 ص: 608)، فإن هذه النسبة تنخفض إلى كلمة واحدة في كل يوم، بما أن عدد الأيام في هذه الحالة يناهز ثمانية وعشرين وأربعمائة وألف (1.428) يوم.
والخلاصة الواضحة هنا، أن كل تلك المبالغات المنسوبة لأبي هريرة رضي الله عنه وشبهات الإكثار التي تلصق به، تصبح غير ذات معنى، حتى لو وسعنا هامش الخطإ في إحصائي في هذه الدراسة المتواضعة، للكلمات النبوية التي نقلها في “الجامع الصحيح”، بـ 10%، والحال أن هذا الهامش لا يمكن أن يتجاوز بحال من الأحوال، حتى سقف 1%، لأنني حرصت على التوسع في احتساب الكلمات النبوية حتى حين يكون الخطاب غير مباشر.