ضدا على الحروب
هوية بريس – إبراهيم أقنسوس
الحرب من السياسة، ولكنها عند العقلاء، هي آخر مرحلة يمكن أن تصل إليها الأطراف المتنازعة، وأصعب خيار يمكن أن يتجه إليه العقل البشري، بغير رغبة ولا إرادة ؛ فلا بد من بذل كل الجهود الممكنة، بل وغير الممكنة أيضا، لإبعاد شبح الحروب عن العالمين، كل العالمين، بغض النظر عن ألوانهم وأديانهم، واختياراتهم النظرية والسلوكية، لأنهم في النهاية بشر، يستحقون هذه الحياة، بهذه الصفة ؛ لذلك يتجه العقلاء والحكماء، دوما، وعبر العالم كله، إلى مسارعة الزمن، حتى لا تندلع الحروب، ثم إلى مسارعته، مرة أخرى، وبلا توقف، حين تندلع ؛ حتى تتوقف ؛ فالحروب كيفما كانت أسبابها وظروفها، مبدئيا، تبقى عملا مؤسفا، وسلوكا بدائيا، يمجه الطبع السليم، وتمقته الضمائر الحية، لأن اندلاع الحرب، في النهاية، تعني موت العقل، وتراجع صوت الحكمة، وطغيان منطق القوة.
فاندلاع الحروب إعلان لبداية المأساة، التي يصطلي بنيرانها الضعفاء والطيبون ؛ النساء والأطفال والشيوخ والعجزة، وعامة الناس، عبر العالم ؛ وهكذا هي الحروب، على الدوام ؛ يصنعها الأنانيون والمتغطرسون والمجانين، ويؤدي ثمنها الفقراء والمهمشون ؛ يوقدها الجبابرة والمستبدون، وحين تندلع شراراتها، ويرتفع لهيبها، يفرون إلى مخابئهم التي احتجزوها سلفا، عبر العالم، تاركين المستضعفين العزل، يواجهون الحرائق والدمار فرادى، وبأجساد عارية ؛ وكشأن كل الأعمال القذرة، فللحروب تجارها وزبائنها، الذين يستثمرون في نكساتها وآلامها، ويراكمون الأموال والمصالح والمغانم، عبر اختراق أجساد الضحايا، بمختلف أنواع الأسلحة وألوان التدمير، ولذلك تجدهم يحرصون على إشعال الحروب باستمرار، والنفخ في دواعيها وأسبابها، عبر إثارة النزاعات الإقليمية، وتضخيم الخلافات الحدودية، وتحويلها إلى قضايا دولية، يتم اجترارها من محفل إلى آخر، بغرض تعقيد مساراتها، وإدامة وجودها ؛ وهذه صورة من صور البشاعة، التي تغذيها اللبرالية المتوحشة عبر العالم، والتي لا يهمها في النهاية، إلا مراكمة الثروات، وسرقة مدخرات الشعوب المادية، وكل ماعدا ذلك لا قيمة له ؛ ولنا أن نتأمل مقدار الخراب الذي لحق الكثير من الحضارات والثقافات العريقة، إثر اندلاع حروب حمقاء، اتضح أن دواعيها كانت أكذوبة، وأن أسبابها مجرد أراجيف واختلاقات خرقاء، سرعان ما تأكد زيفها، بعد فوات الأوان ؛ ولا زال العالم وإلى اليوم، يبحث عن أكذوبة، أسلحة الدمار الشامل العراقية، كما يبحث عن وعود الديمقراطية التي أتت عبر الدبابة الأمريكية ؛ لنا أن نتأمل خراب حضارة إنسانية عريقة، تمتد لآلاف السنين، ساهمت في بنائها أجيال من البشرية، من كل الجنسيات والأعراق والثقافات، في العراق وسوريا واليمن وأفغانستان، وشرق آسيا، والشرق الأوسط، وغيرها من البلاد، على امتداد هذا العالم.
من أجل هذا كله، يجب أن لا تتوقف الضمائر الحية عن قول (لا) لهؤلاء المجانين، الذين يسوقون العالم إلى المجهول ؛ كما يجب، أن لا يمل المثقفون والعلماء، وكل عقلاء العالم، من الدعوة إلى السلام العادل، الذي يعني العيش المشترك، والكرامة المشتركة، والإستفادة المشتركة، من شروط الحياة الكريمة، عبر توزيع عادل للثروات، وعبر تمكين كل العالمين، وعلى قدم المساواة، من حقوقهم الرئيسة، وعبر التخلص النهائي، من كل ألوان العصبيات، والعنتريات الإستعمارية البغيضة.