د. محمد بولوز: تقنين زراعة القنب الهندي «إحياء لمنهج المحتل مع هذه الآفة»
حاوره: إبراهيم بيدون
هوية بريس – الجمعة 06 دجنبر 2013م
بارك الله فيك أستاذنا الكريم محمد بولوز على غيرتكم ودفاعكم على شرع الله ومصالح العباد، والتحذير مما فيه أذى للبلاد والعباد.. نشرتم مقالا بعنوان: “زراعة الكيف من التجريم إلى التطبيع والتقنين”، بعد اليوم الدراسي الذي نظمه فريق الأصالة والمعاصرة بالبرلمان، وحول هذا الموضوع نجري معكم هذا الحوار:
1- لماذا خصص للأمر يوم دراسي في البرلمان، ولماذا هذا الاجتهاد لأجل تقنين هذه المادة المدمرة؟
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه، اليوم الدراسي حول تقنين زراعة القنب الهندي هو من تنظيم فريق “الأصالة والمعاصرة” في إطار ما يبيحه الدستور الجديد للمعارضة، حيث جاء في فصله العاشر ضمن الحقوق التي يخولها لها الدستور”المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان”، ويأتي اليوم الدراسي للتحسيس والتمهيد للخطوة الموالية في تفعيل هذا الحق، والسعي للتقنين.
هو في واقع الأمر سعي للتطبيع مع آفة عششت في المنطقة الشمالية وخصوصا في “اكتامة” يوصلها بعض المؤرخين إلى ما يقارب أربعة قرون، وبقيت زراعة الكيف تقاوم من طرف العلماء ورجال السلطة من زمن غير يسير، ومما يذكر في هذا الجانب محاولة السلطان مولاي الحسن الأول رحمه الله تعالى القضاء على الكيف فأصدر أوامره بإحراق مزارعه، كما أصدر السلطان مولاي سليمان رحمه الله سنة 1814 مرسوما يأمر فيه بقطع “طابا والكيف” وإحراقهما، ولم تطرح مسألة التقنين إلا مع المحتل الغاشم؛ فهذه الدعوات الآن هي عودة إلى الفترة “الاستعمارية” وإحياء لمنهج المحتل مع هذه الآفة.
فبحسب ما ذكرته مجموعة بحث يشرف عليها د. محمد بودواح بمختبر للدراسات والأبحاث بجامعة القنيطرة، تحت عنوان “زراعة الكيف بالمغرب مقاربة مجالية قانونية“، أن زراعة الكيف عرفت انتعاشا وتأطيرا في بلادنا خلال الحماية الفرنسية والإسبانية، حيث اشترطت الدول الكبرى آنذاك في عقد الجزيرة الخضراء (7 أبريل 1906 في الفصل:72) أن تكون زراعة إنتاج الكيف محتكرة من طرف الدولة، وفي سنة 1910 تم إيجاد شركة دولية تدعى “الشركة الدولية ذات المصالح المشتركة” (Régi co-intersses) المستفيدة من امتياز الاحتكار، وامتد نشاطها سنة 1912 إلى منطقة الاحتلال الإسباني وكذا المنطقة الدولية بطنجة.
فانتعشت هذه الزراعة حتى وصلت إلى 500 طن سنة 1920، فكان من تقنين زراعة الكيف، أن يتقدم الفلاح الراغب في زراعته بطلب رخصة من إدارة “سكا تبغ”، وتقوم هذه الأخيرة بتوجيه لائحة بأسماء هؤلاء إلى السلطات المعنية.
وعرفت تلك الزراعات نوعا من الانحسار في نفوذ المقاومة التي قادها المجاهد عبد الكريم الخطابي باعتبار موقف الشرع من هذه النبتة الخبيثة. لتنتعش بعد ذلك إلى حدود صدور ظهير 1954 الذي وضع لهذه الزراعة حدا في منطقة الاحتلال الفرنسي، واستمر انتعاشها في الشمال وخصوصا بعد التمكن من استخراج مادة “الحشيش Chira” من عيون شجرة الكيف.
وفي يونيو 1956 صدر مرسوم يخصص جوائز مالية للأعوان المكلفين بزجر ترويج مادة الكيف؛ ولم يصدر قانون واضح في الزجر والمنع يعم المملكة المغربية إلا في ماي 1974 حيث جاء في الظهير ما يلي: “يعاقب بالحبس من خمسة إلى عشر سنوات وبغرامة يتراوح قدرها من 5000 إلى 50000 درهم كل من استورد أو أنتج أو نقل أو صدر أو أمسك بصفة غير مشروعة المواد أو النباتات المعتبرة مخدرة”.
2- ألا يمكن تقنينها في إطار الاستعمالات المباحة؟ وما هي آثارها السلبية؟
إن الحديث عن التقنين بعد هذا القانون الواضح الجلي الذي ختمنا به حديثنا في السؤال الأول، يفيد أن مطلقي دعوى التقنين يريدون الإباحة وجواز الزراعة وما يمكن أن يلحق بها مع بعض الضوابط الشكلية التي لن تزيد الآفة إلا استفحالا ورواجا، وإلا فقانون المنع موجود، ونحن علمتنا التجارب أن أي حديث عن التقنين بخصوص المحرمات ما هو إلا شكل من أشكال فتح الباب للمحرم المقصود بالتقنين ليدخله الناس فيه أفواجا، فهذا الربا لما قنن عمّ حياتنا الاقتصادية والمالية حتى لا يكاد ينجو منه أحد؛ وهذا الخمر لما صدر في شأنه ظهير يقننه نعرف انتشاره وسريانه في مفاصيل المجتمع رغم تجريم بيعه للمسلمين، وهل يقوم عليه اليوم في الأغلب الأعم إلا المسلمون، وهكذا سيكون إذا قنن الإجهاض والدعارة وغيرها من الآفات لا قدر الله. ورأينا أن سياسة تقنين الآفات والموبقات هي سياسة “استعمارية” بامتياز وكل هذه الدعاوى رجوع بنا إلى تلك العهود المظلمة.
أما عن الاستعمالات المباحة، فنقول على فرض صحة ما يقال في هذا المجال، ما قاله الله تعالى في شأن أم الخبائث: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا“، فالمعمول في هذه المستويات هو الترجيح بين المصالح المشروعة والمفاسد المتحققة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وما أدري كيف نتساهل مع مفاسد متحققة واضحة للعيان لمصالح متوهمة من نسج الخيال، فأين الصناعات التي يتحدث عنها؟ وأين الأدوية التي تصنع منها؟ وكيف يتم الوصول إلى ذلك بأيسر سبيل؟ وهل تستوعب تلك الجهات كل هذه الكميات المزروعة؟ ثم هل سيدفع هؤلاء من أهل الصناعة المزعومة والأدوية المنتظرة إن صح في هذه النبتة من دواء ما يدفع صناع المخدرات ومروجوها لزراع “الكيف”؟
إننا من دون شك سندخل نفقا من التساؤلات والاحتمالات الوهمية والتي لا يرجى منها حلول ناجعة وقريبة، ونفتح أبوابا يصعب إغلاقها، والشيء المتحقق أننا سنطبع مع سم يضاف إلى السموم التي تنخر كياننا وتنتعش في أجسامنا وعقولنا بشكل رهيب ومدمر.
وعندنا أيضا قاعدة سدّ الذرائع المعمول بها لحماية الأصول والضروريات من مثل الدين والنفس والعقل والعرض والمال، والتي هي على هذا الترتيب يقدم بعضها على بعض عند التعارض، فلا يضحى بالعقول ولا بالأعراض في سبيل تحصيل الأموال، إنما تبذل هذه الأخيرة لحماية وحفظ الضرورات الأخرى كلها، ثم إن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة، فلا يمكن إيجاد حلول لفئة محدودة من الناس تعيش على آفة “الكيف” على حساب شعب بكامله، بل وعلى حساب أعداد هائلة من الناس في ربوع العالم يسهم زراع الكيف وصناع المخدرات والسلطات المتواطئة والراغبون في تجويزها وتقنينها، ومن يدور في فلك هؤلاء جميعا في تدمير عقولهم وشبابهم وأسرهم. وينالهم الأذى من المغرب بعد أن كان يصدر الحضارة والقيم في عصوره الزاهرة.
ثالثا: كيف تفسرون إصرار بعض الجهات على مزيد من التطبيع مع الدعوات التخريبية؟
أفسره بضعف الإيمان، وبالجهل بمقتضيات هذا الدين الذي ننتسب إليه، وبقدر هذا الوطن العريق الذي يمتد في تاريخ الحضارة والقيم، أو مجرد دوافع مادية صرفة من كسب ود وتعاطف الغارقين في هذه الآفات، ومن ثم نيل نصيب من أموالهم وأصواتهم الانتخابية ومقاعد في البرلمان وفي مجالس الأقاليم والجهات، وهذا إذا بالغنا في إحسان الظن بهذه الجهات، وإلا فقد يكون وراءها ما هو أخطر من ذلك من استهداف هويتنا وقيمنا وحضارتنا بالتقويض والعمل بالوكالة للهدم والتخريب.
فمثل آفة زراعة “الكيف” واضحة الحكم في الشرع لا يجرأ عليها إلا ضعيف الدين جاهل به أو حتى منكر له ولأصوله، فزراعة “الكيف” الذي هو نوع من المخدر بحيث ثبت استخراجه منه، حرام لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم: “لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها“، فهي من جنس الخمور، وإن لم تلحق بها نصا فهي لاحقة به بالقياس الجلي القوي الذي لا غبار عليه بجامع علة الإسكار. فالزارع مساعد ومعين في العملية كلها. فيحرم سعيه وعمله وكسبه من هذه النبتة الخبيثة، كما يحرم تصنيعها والاتجار فيها وتعاطيها، وكل من سعى لتيسيرها والترويج لها بإشهار أو تقنين أو نحو ذلك فهو شريك في الإثم وعليه نصيبه من اللعنة كما جاء في الحديث، والله عليم بالمتحايلين مهما نمقوا من عبارة وسلكوا من سبيل.