روح المدونة قبل شكلها
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
عادي جدا، أن يتم التفكير، في قراءة جديدة لبنود مدونة الأسرة، وطبيعي جدا، أن يتم إدخال تعديلات جديدة عليها، بعد مرور سنوات عديدة، على إعدادها، وبعد الوقوف على مجموعة من الملاحظات والنقائص، النظرية والتطبيقية، التي شابتها؛ وسيكون مفيدا، مشاركة كل الأطياف العلمية والثقافية، المعنية بالأسرة المغربية، في إنجاز مناقشة هادئة ورصينة، لمجمل القضايا المتعلقة بها، وفي هذا الصدد، يهمني أن أدلي بالملاحظات التالية :
أولا : إن الحديث عن مدونة الأسرة، يعني تحديدا، الحديث عن الأسرة المغربية، بكل ما تحمله هذه العبارة من حمولة، تاريخية وثقافية وحضارية، وبكل ما تعنيه من تراكم وحضور؛ ما يعني أن علينا، أن نجيب عن السؤال البدهي والمركزي، ماذا نعني بالأسرة المغربية الآن؟ وماذا ننتظر منها؟ وكيف نتصورها، في ظل التحولات الاجتماعية الجارية، والمستجدات المتلاحقة؟
ولنا أن نناقش هاهنا طبعا، كل الاختيارات التي يتم تداولها، اتفقنا معها أو اختلفنا؛ ماذا نعني بالأسرة المغربية الآن، هذا هو السؤال المفتاح، والذي ينتظر جوابا علميا عميقا ورصينا.
ثانيا: إن مصطلح الأسرة المغربية، يعني بالضرورة كل عناصرها، الرجل والمرأة والأطفال، وكل من يفترض أن ينتظم ضمن مؤسسة هذه الأسرة؛ فلا معنى للحديث عن الأسرة، مع التركيز على عنصر من عناصرها فقط، لأسباب ليست بالضرورة علمية؛ فالملاحظ أحيانا، بروز نوع من التضخيم، أثناء الحديث عن (المرأة )، ودورها داخل الأسرة.
إن دور مدونة الأسرة، هو النهوض بمكونات الأسرة المغربية، فردا فردا، وإعدادها بما هي مؤسسة اجتماعية، لتكون في مستوى التحديات التي تنتظرها، أما الدفاع عن قضايا المرأة، فله مجالاته المعروفة، أو التي ينتظر أن تكون معروفة؛ فهناك فرق بين التأسيس العلمي والمنهجي للمؤسسات، وبين الإنشغالات النضالية والحقوقية، والخلط بين الإثنين لا يبدو مفيدا، في قضية مركزية، كقضية الأسرة.
ثالثا: إن المطلوب أثناء إعداد مدونة للأسرة، وأثناء إنجاز التعديلات المرتبطة بها، الاشتغال بروح القوانين، لا بأشكالها ومساطرها، في صورتها الحرفية والجافة فقط، وبتعبير الفقهاء؛ المرجو التركيز أساسا على المقاصد العليا، من التشريعات والمراسيم، والتفكير في المآلات والنهايات، قبل الأشكال والإطارات، إذ المنتظر من المدونة، ومن تعديلاتها الجديدة، أن تدعم صورة الأسرة المغربية، وأن تصحح ما يكون قد لحق بها من خلل وقصور، سواء في صيرورتها العادية، أو أثناء تفاعلها مع بنود هذه المدونة، وتطبيقاتها المسطرية، وبالنسبة لجميع عناصرها؛ فالمنتظر والمؤمل، أن تكون الأسرة المغربية، أفضل حالا، وأسعد حظا، بهذه المدونة، وبتعديلاتها، وليس العكس، كما فهم البعض، وكما يتم تداوله من طرف البعض الآخر، في علاقة ببعض التطبيقات، غير الموفقة، حيث يتحول الحديث عن بنود المدونة أحيانا، إلى موضوع للتنافر والاختلاف، وإثارة ألوان من الشقاق، كما تتحول بعض تطبيقاتها، غير المضبوطة، إلى وسيلة لإشاعة الفرقة والفشل الأسري.
فلا معنى لتعاظم نسب الطلاق، بعد الشروع في تطبيق بنود المدونة، ولا معنى لاعتبار هذه المدونة، نصرا لطرف، ضدا على طرف آخر؛ ولنا أن نلاحظ، أن بعض النقاشات العاطفية، وغير العلمية، تنحو هذا المنحى، وتحول مسألة الأسرة، إلى مقابسات نظرية إشكالية، وإلى صراعات عدائية لا تنتهي؛ فما الذي يتبقى من الأسرة، وما الذي يتبقى لها، حين تجرد من معاني السكينة والمودة والرحمة، وحين تتحول إلى أنانيات، وتدبير قانوني للمصالح الشخصية؟
إن كل الإشكالات المرتبطة بالأسرة، والتي تبدو مستعصية، يمكن أن تجد طريقها إلى الحل، حين نغلب روح القوانين على أشكالها، وحين نمتلك إرادة النهوض حقا بالأسرة المغربية، كما نعرفها ونريدها، وحين نفكر أساسا في استقرارها، وضمان نجاحها واستمرارها، بكل عناصرها.