كفى من “صفع” الوزير وهبي! ولنناقشه كما طلب
هوية بريس – إبراهيم الطالب
حضرتُ بفندق دوليز لأتابع الندوة التي نظمت لمناقشة وزير العدل، عبد اللطيف وهبي “عضو حركة لكل الديمقراطيين”، وأحد أعضاء حزب الطليعة سابقا، وذلك في مطالبه التي يمثل فيها التيار الحداثي الجامع بين الاتجاه الرأسمالي الليبرالي واليساري التقدمي في خلطة لم يعرفها التاريخ إلا بعد سقوط اليسار وذبحه على يد الوحش الأمريكي في لقاء كورباتشوف وريغان الشهير.
ومن المفارقات العجيبة أن الجهة المستضيفة لهذه الندوة الفاضحة، كانت هي مؤسسة الفقيه التطواني علامة سلا ابن الشاوية، الذي استقرت عائلته بتطوان أولا ومنها أخذ النسبة، قبل أن تشد أسرته الرحال لتستقر بمدينة سلا العالمة المجاهدة، برئاسة ابن الفقيه التطواني الأستاذ بوبكر الفقيه التطواني.
وقلت إن هذا من المفارقات لكون العلامة سيدي محمد الفقيه التطواني لو كان حيا لما رضي أن يكون اسمه مقرونا بهذا الكم من التدليس والتدنيس والتبخيس والتلبيس لدين الإسلام وللمبادئ والأهداف التي ناضل وجاهد من أجل استمرارها حاكمة قوية فوق تراب المغرب.
فالفقيه التطواني رحمه الله تعالى قد أنفق عمره في مقاومة الاحتلال وضد مخططاته حتى سجن وعذب بسبب ذلك.
أليس هذا من المفارقات العجيبة الشنيعة؟؟
نعود لوزير العدل -عن الحق-، لنناقشه، وذلك لأننا ذهبنا لنناقشه في وقت الندوة ففوجئنا باسي بوبكر الفقيه التطواني يرفع الجلسة بشكل مفاجئ دون أن يعطي للصحافة التي تواجدت بكثرة في الفندق حقهم في طرح الأسئلة، رغم ادعاء الوزير طيلة الندوة أنه يريد المناقشة لا غير.
لذا آثرنا أن نناقشه عن بعد، وسنبدأ نقاشنا العلمي معه حول نقطة مهمة هي الأساس للفصل في هذا اللغط الأهوج، والمزايدات الإيديولوجية المضرة بالفكر والثقافة والهوية المغربية، وبالمجتمع والدولة على حد سواء؛ وضبطُها وتجلية الحق فيها يوضح الخطأ والصواب والحق والباطل في الموضوع المتنازع حوله، دون كثير شقشقة للكلام وتمطيط للعبارة.
وتَهُمُّ هذه النقطة سؤال المرجعية السامية للدولة والمجتمع.
فأيهما يسمو على الآخر، المرجعية الدولية التي تمثلها المواثيق والاتفاقيات الدولية، أم المرجعية الوطنية التي تمثلها الهوية المغربية والثوابت الوطنية والتي تعتبر الشرط الأسمى والنطاق الفاصل المحدد لدستورية أي تشريع تتخذه مؤسسات الدولة؟؟
لا شك أن الجواب عن سؤال المرجعية السامية التي ينبغي أن تؤطر خيارات “المشرع” المغربي، من الأهمية بمكان، حيث ستحدد معالم تصرفه، وضوابط اختياراته، والمصدر الذي ينطلق منه لتأطير سلوك الناس وتصرفاتهم الشخصية والمدنية، من عقود الزواج إلى عقود التعاملات الاقتصادية والتجارية مرورا بالسلوكيات الخاصة والحريات الفردية.
فما هي المرجعية التي يصدر عنها المشرّع المغربي في وضع القاعدة القانونية والنص التشريعي؟؟
فمن حيث المبدأ؛ المفترض أن تكون للمغرب -استنادا إلى الهوية المغربية- مرجعية وحيدة فريدة وهي المرجعية الإسلامية، والتي حكمت سلوك الدولة المغربية منذ كانت للمغرب الأقصى دولة، واستمر عليها العمل إلى غاية دخول المستعمر الفرنسي العلماني، فأعاد صياغة قوانينها وأرسى منظومة التشريع فيها وفق مرجعيته العلمانية التي أتى بها على متن دباباته، وبهذا ورث المجتمع المغربي بعد الاستقلال تناقضا سافرا على مستوى التشريعات، حاولت الدولة أن تخرج منه، لكن الأحداث التي وقعت بعد الاستقلال واضطراب الحياة السياسية والحزبية، وصراع إيديولوجيات غريبة عن المجتمع، وإحداثها للتنافر والخصومة والاحتراب بين الفاعلين السياسيين، وما تلا ذلك من انقلابات وأحداث دامية، وكذا الارتباط بالخارج وفق شروط الاستقلال التوافقي الذي فَرض على المغرب وساستِه الحفاظ على المصالح الحيوية للرأسمال الفرنسي بعد الاستقلال؛ وغيرها من الأسباب، جعلت مهمة إعادة ملاءمة التشريع المغربي لمقتضيات المذهب المالكي صعبة للغاية.
لكن الغريب أن المغرب سيعرف اختراقا كبيرا استغل مرتكبوه الظروف التي ذكرناها ليستنبتوا منظومة قيم غربية علمانية، أسسوها على ما يسمى زورا دون تمحيص ولا نقد بالمرجعية الكونية؛ ومكنوا لها من خلال السيطرة على قطاعات التعليم والثقافة والفن.. ولا يزالون يطورون المجتمع المغربي ليلحق من الناحية الاجتماعية والسلوكية بالمجتمعات الغربية.
وأكبر حدث وقع في هذا الإطار هو استغلال أتباع العلمانية مدفوعين بارتباطهم بالمنظمات الدولية ظروفَ الربيع العربي وما صاحبها في المغرب من إرادة لتجاوز تلك الظروف بأقل الأضرار، ليثبِّتوا تحت الضغط مبدأ ملتبسا زاد من التناقض المرجعي في المغرب، وهو “مبدأ سمو المواثيق الدولية”.
إلا أن أتباع العلمانية الدولية في المغرب خلال مدة 12 سنة التي أعقبت صدور دستور 2011، ما فتئوا يضغطون على الدولة من أجل ملاءمة التشريعات الوطنية لمقتضيات الاتفاقيات الدولية، خصوصا في شأن الحريات الفردية والمساواة في الإرث.
فهل أقر الدستور فعلا كما يروِّج العلمانيون مبدأ سمو المواثيق الدولية دون قيد أو شرط؟
أم هي المزايدات من أجل الإحراج السياسي للدولة المغربية أمام من يهمهم إخضاع المغرب والمغاربة لنفوذ الدول العلمانية؟؟
صحيح أننا بالرجوع إلى دستور 2011، نجده يتحدث عن سمو المواثيق والأوفاق الدولية لكنه اشترط لها شروطا دقيقة ومهمة حتى يقيدها تقييدا، يضمن بقاء سيادته على البلاد والقانون سيادة كاملة؛ لهذا نجده تناول في آخر فقرة من تصدير الدستور هذا السمو لكنه حدد له نطاقه صراحة وبدقة بالغة، بقوله في نفس الفقرة وحتى قبل كتابة كلمة سمو: “جعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة”.
ثم عاد وأكد على نفس النطاق ونفس القيود في الفصل 19 في سياق حديثه عن المساواة بين الرجل والمرأة في تمتيعهما بالحقوق والحريات المدنية؛ أن هذا التمتع ينبغي أن يكون “في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها”.
إذًا؛ فالدستور واضح وصريح في اعتباره الهوية المغربية وثوابت المملكة مرجعية فاصلة يستمد منها الشروط والنطاق الذي لا ينبغي ألا يتعداه تمتيع الرجال والنساء بالحقوق والحريات.
ولا أدري لماذا يراوغ الوزير وهبي ويحمل كلام أمير المؤمنين عندما صرح بأنه لا يحل ما حرم الله ولا يحرم ما أحل الله، أنه مجرد فتح للنقاش، في محاولة لطمس الحقيقة، ولو كان الوزير يحترم نفسه ودولته وحكومته وملكه لما تكلف هذه المراوغة الأيديولوجية التي تزيد وتعمق الأزمات التي نعيشها، فهل يريد الوزير أن يظهر القصرَ الملكي بمظهر العابث بالملة والدين، اللتين جعل الدستور أمير المؤمنين حاميا لهما.
إن أمير المؤمنين عندما اختار كلمتي “الحلال والحرام”، كان واضحا ودقيقا لأن مرجعية الحلال والحرام هي المرجعية الإسلامية، المشكّلة لصميم الثوابت الوطنية والهوية المغربية والتي قيد بها الدستور مبدأ سمو المواثيق الدولية، هذا المبدأ المسرب إلى الدستور في سياق سبق ذكره.
وما يدل على ذلك أن الدستور في فصله 175 وفي سياق حديثه عن إمكانية المراجعة الدستورية جعل هذه الإمكانية أيضا مقيدة، حيث نص:
“لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلقة بالدين الإسلامي، وبالنظام الملكي للدولة..”.
فهل بعد هذا كله يمكن أن نتخذ مبدأ سمو المواثيق الدولية أساسا لنقض نظام الإرث وإباحة “اللواط”/الشذوذ وتحرير شرب الخمر من العقوبة، ونسمح بالردة عن الدين واعتناق أبنائنا للنصرانية، وكفرهم بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم تحت مسمى حرية المعتقد التي تبيح للفرد الحرية في الإلحاد والكفر.
وهنا أطلب بكل هدوء من وزير المغاربة المسلمين في العدل، أن يشرح لهم ما معنى المواثيق الدولية كما هو متعارف عليها دوليا؟؟
وما هي مستلزمات هذه المواثيق إن لم تضبط بما ضبَطها به الدستور من قيود الهوية وشروط عدم مناقضتها للثوابت المغربية التي في صلبها وأساسها الدين الإسلامي؟؟
وإذا أبى هو أن يوضح وآثر خداع المغاربة وممارسة التقية، فإن على المغاربة أن يروا نتائج ما يدعوهم إليه الوزير فيما حلَّ بالأسرة والقيم من تفكك وممارسة للفواحش باسم الحرية الفردية والكفر والإلحاد باسم “حرية الضمير”، وذلك في الدول التي اعتمدت سمو المواثيق الدولية.
على أن تطوير هذه المواثيق الدولية للاستجابة لقداسة مقتضيات العلمانية جعل الدول الغربية الراقية المتقدمة تفرق بين الأم وأبنائها، لمجرد مخالفة الأبوين للقوانين التي تمت ملاءمتها مع مقتضيات مبدأ سمو المواثيق الدولية، وهذا ما تمارسه اليوم ألمانيا والسويد وغيرهما من خطف لأبناء المسلمين بسبب تربية أسرهم لهم على مقتضيات الإسلام وعقائده وشريعته. في حين تناقش إمكانية تشريع البيدوفيليا، ويسمح للأطفال ما فوق 13 سنة بممارسة الجنس الرضائي.
فهل هذا ما يدعو الوزير وهبي المغاربة إليه؟؟
نطلب من الوزير أن يكون شجاعا؛ ونقول له:
قليلا من الجرأة يا وزير العدل، وكن صادقا وأخبر المغاربة -الذين يعانون من غلاء الأسعار وإفلاس التعليم ورداءة الخدمات الصحية- بمآلات ما تطالب به دون ممارسة التقية الإيديولوجية.
فكلهم يعلم أن التعديلات التي تطالب بها، وتجاهد من أجل ترسيمها، سواء المتعلقة منها بالقانون الجنائي أو مدونة الأسرة، لها قاسم مشترك وهو مناقضة ما جاء به القرآن الكريم والسنة النبوية والمذهب المالكي، ولهذا أكد أمير المؤمنين على أنه لا يحل ما حرم الله ولا يحرم ما أحل الله، في إشارة للشروط التي ينبغي أن تنضبط بها في ممارسة عملية التشريع بصفتك وزيرا، وليذكرك بأن القانون الذي تعمل على تعديله إن خالف ذلك فسيرمى إلى المزبلة، لمخالفته للإسلام والدستور والهوية المغربية والثوابت الوطنية.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
يريدون حرية الفسق وفي الوقت نفسه يضيقون على الدعاة وعلماء الإسلام. (ما لكم كيف تحكمون)؟ أين العقول التي تعبدونها؟
على الأقل أعطوا الحرية للجميع. لكنهم لا يقدرون على ذلك لأنهم يعلمون أنها مغامرة فاشلة، لأن أنوار الحق ستبدد ظلامهم الدامس في وقت قصير.
مقال متزن مدروس بعناية، وفق الله الكاتب وسدده
اضيف: أن النقاش يكون له معنى حيث يكون الرأي الاخر صادرا عن منطق عقلاني، ويستند الى اسس فكرية متزنة، أما حيث يكون الراي الاخر يستند الى ايديلوجية متطرفة، ويستقوي لاقراره بالمنظمات الدولية والتيار الفرنكفوني ضاربا بعرض الحائط الهوية المغربية ودين الجمهور المغربي، فهنا لا يصبح للنقاش اي معنى، بل يجب النزول للشارع ومقاومة هذا الكفر بكل قوة.