سنة التدافع ماضية في بني الإنسان بين مصلحيها ومفسديها، وإذا غلب المفسدون حل الخراب وبلغ الكتاب أجله، وأذن الله لقوم آخرين لينظر كيف يعملون في دورة حضارية مستمرة إلى قيام الساعة، والخير المحض في الجنة والشر المحض في النار، بينما الناس في دار الدنيا بين غلبة الخير أو غلبة الشر، ومملكتنا الشريفة ليست بمنآى عن هذه السنة الغلابة، إن حافظت على غلبة الخير فيها فلها البشرى بالعمر المديد، وإن هي سلمت زمام أمرها لشياطين الانس حفرت قبرها بيدها.
فما هو معيار الخير والشر فيها؟ ومن هم شياطينها لتحجر عليهم حتى يبقوا في جحورهم ولا يطغى شرهم؟
إننا لن نبحث عن معيار للخير والشر خارج الإسلام الذي هو أساس هذه الدولة، فباسمه جاءت وعليه بنيت وبفضله استمرت، ثم معيار العقل الإنساني الراجح بما يحقق المصلحة المشروعة ولا يتعارض مع ديننا، ولا يتعارض مع شعار مملكتنا الذي بدأناه باسم الله، ولا مع هوية دولتنا في دساتيرها المتعاقبة، ومن آخر ما جاء في دستور 2011 “المملكة المغربية دولة إسلامية” و”أن الهوية المغربية تتميز بتبوإ الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها” وأن الأمة تستند “في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي”.
فما شرعه الاسلام وكان مناسبا للزمان والمكان باجتهاد العلماء المعتبرين فهو خير، وما منعه ولم يكن مسوغ شرعي لإتيانه فهو شر، فالتوحيد خير والشرك شر، والطاعة في المعروف خير والمعصية شر، والسنة النبوية خير والبدعة في الدين شر، وإقامة الصلاة خير وتركها لمن وجبت عليه وقدر عليها وتوفرت فيه شروطها شر، وصوم رمضان خير وانتهاك حرمته شر، وإيتاء الزكاة وجمعها وتوزيعها على مستحقيها خير وتضييعها وإهمال شأنها شر، والستر خير والتبرج والعري شر، والعفاف خير والزنا والفواحش شر وكل ما يقرب إلى تلك الدوائر من خمور ومخدرات ورقص ماجن مختلط وغناء فاحش واختلاء بمن لا يحل.. كلها شرور ومنكرات، وقل مثل هذه الثنائية بين الخير والشر في الحج والأخلاق وتطبيق الأحكام وحسن تنزيلها وفي النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعدل والشورى والوحدة والعدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة وإقامة الدين في الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والأمة والإنسانية، والنزاهة والشفافية والمساواة أمام القانون، وحفظ الدين وحفظ النفوس والأمن وحفظ العقول وحفظ الأعراض.. كل ذلك خير وتركه وإهماله وإعمال نقيضه شر.
فكل من يجتهد في الخير ويعمل له وفيه وغلب عليه في حياته فهو خير، يرجى خيره وبركته للمملكة الشريفة وبه يعلو شأنها ويصلب عودها ويتحقق سؤددها وتسير بالمغرب والمغاربة أشواطا بعيدة في التقدم والرقي والازدهار والصلاح والإصلاح، ونقط ضعف المملكة في فساقها ومذنبيها وأهل معاصيها ممن غلب الشر على حياتهم ورجحت كفة سيئاتهم، والواجب تعبئة الجهود لإنقاذهم ودعوتهم ومنعهم بالمستطاع من تدمير أنفسهم وإذاية غيرهم والجناية على آخرتهم، وهؤلاء لا خطر منهم ما لم يصبحوا أغلبية الناس، وما كفوا عن إذاية غيرهم، وتتولاهم برامج التربية والتوجيه والنصح والرعاية والمصاحبة.. وبعد ذلك يبقى أمرهم إلى الله، فمجتمع النبي صلى الله عليه وسلم كان فيه أهل النفاق وكان فيه من زنى ومن سرق ومن خان ولكن كان الخير غالبا وقال فيهم الحبيب المصطفى: “خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم”.
وأخطر الناس على المملكة الشريفة هم شياطينها إذا غلبوا على أهل الإصلاح فيها، وأقصد بشياطين المملكة من رجح شرهم ويباشرون نشره وحمل الناس عليه وإغراءهم به وهم يزعمون خدمة الملكية ويتمسحون بأهدابها أو يتكلمون ويمارسون باسمها أو يمررون فجورهم وفسقهم ومنكراتهم وهم يرددون “تحت الرعاية السامية”.
فالشيطان في كلام العرب كل متمرد من الجن والإنس والدواب وكل شيء، قال الطبري في تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} الأنعام: 112، “فجعل من الإنس شياطين، مثل الذي جعل من الجن، وإنما سمي المتمرد من كل شيء شيطانا لمفارقة أخلاقه وأفعاله أخلاق سائر جنسه وأفعاله، وبعده من الخير”. اهـ.
والتمرد هنا على الله وعلى الدين والأخلاق والقيم الأصيلة الثابتة، فمن غلب شره خيره وكان داعية للشر حاملا الناس عليه ومغريا لهم به، كان لنا أن نسميه شيطانا، بل هناك من يرى أن شيطان الإنس أخطر من شيطان الجن، فهذا الأخير يكتفي في الأغلب الأعم بالتزيين والوسوسة، وأما شيطان الإنس فيزين ويوسوس ويفعل ويمارس ويسهل لغيره فعل الاجرام، يقتل ويعطي غيره السلاح والقنبلة ليقتل بها غيره أو “يفخخه” لينفجر فيمن يزين له أنهم أعداؤه، ويسرق وينهب بيديه ويعلّم غيره سبل النهب والسرقة، ويشرب الخمر ويصنعها ويحضرها لغيره، ويقنن الحشيش ويرفع الحظر عن المخدرات ويروجها ويقربها من ضحاياها، ويشيع الزنا بالتشريعات المناسبة والتسهيلات لتقريب الفروج الحرام من مدمنيها، ويشيع العري بتشويه أمر الستر، وتشجيع عرض الأجساد بخرق على السوآت والنهود أو بدونها على الشواطئ والنوادي الخاصة أو التابعة لهذه الوزارة أو تلك، وعلى قنوات التلفاز وعلى صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية..
فمن ينشر الشرك في المغرب شيطان من أخطر الشياطين لأنه يدخل الناس في دائرة لا غفران فيها إذا ماتوا على تلك الحال من غير توبة، كما قال تعالى: “إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء”، ومن ينتقص من أمر الصلاة ويستهزئ بها ويزين تركها ويعرقل أداءها ويمنع آذانها شيطان كبير، وكذلك من يفعل مع الصيام ويدعو إلى الافطار الجماعي والعلني شيطان، ومن يدعو إلى تجهيل الناس بأمر دينهم ويحارب التربية الاسلامية في تعليمنا شيطان، ومن يحارب العربية شيطان لأنها وسيلتنا المثلى للتعلم السليم لديننا، ومن يتعرى على الناس فوق المنصات شيطان، ومن يحضر ذلك للناس ويقربه لهم ويعرضه عليهم بأي وسيلة شيطان، ومن يدعو في أغانيه للزنا والخمر والرذيلة والخيانة شيطان..
وقل ما شئت قياسا على ما ذكر ممن يضرب في أصول الأمة وثوابتها، ويشجع على الردة عن دينها، ويشيع الفاحشة في صفها ويزين الانقلاب على الشورى والديموقراطية، ويسهل سبل نهب المال العام وأخذه بغير حق ويشرع للظلم وكتم الأنفاس والسكوت عن المنكرات.. فمن هؤلاء جميعا يخشى على المملكة الشريفة، ويخشى أن تطبع معهم معتقدة ابتلاعهم وهم بسكاكينهم منهمكون في تقطيع أحشائها واستئصال أوصالها، كما يخشى أن تتصور توظيفهم وهم في الواقع من يوظفها ويتسلط على البلاد والعباد باسمها.
وحسنا فعل الدستور الأخير للمملكة أن حصر الفصل 46 في شخص الملك حيث قال: “شخص الملك لا تنتهك حرمته، وللملك واجب التوقير والاحترام”، الأمر الذي يفيد أن باقي المواطين في أي موقع كانوا ولو بجنب الملك أو يمينه أو شماله أو محيطه.. هم مواطنون غير مستثنون، لهم حرمة المواطن وحقوقه كما عليهم واجبات المواطنين وأنهم ليسوا فوق النقد والملاحظة والمحاسبة واحترام الثوابت والمقدسات وعدم استغلال النفوذ.
وأن على الشعب ومؤسساته ومناضليه وعلمائه ومفكريه وذوي الرأي والخبرة فيه، قول الحق وبذل النصح وفضح المفسدين في الأموال والأعراض والدين والقيم والنفوس والسياسة والتنمية وغيرها وفي أي موقع كانوا، حفاظا على المغرب وغيرة على المملكة الشريفة وحماية لها حتى من نفسها ومحيطها، حبا لله وغيرة على الوطن ونصيحة لمن ولاه الله أمر البلاد والعباد.
المملكة الشريفة !!!
سلمت يمينك
اللهم هيء لنا من امرنا رشدا
اللهم اهدنا واهد قومنا للخير واحفظ بلادنا من كل من يريد بها السوء
اللهم سلم سلم.
علينا بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.