محاربة الغش لا تكون يوم الامتحان
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
العودة في كل مرة، إلى الحديث عن الغش في فترة الإمتحانات، يعني أن الأمر يتعلق بمشكلة حقيقية، تتطلب علاجا حقيقيا، وليس كلاما حماسيا، سرعان ما يخبو، وليس إجراءات متسرعة، يفرضها ضغط اللحظة، سرعان ما يتبين أن آثارها محدودة، وغير مقنعة، ولا ناجعة.
الملاحظ، أن جل أحاديثنا عن الغش في الإمتحانات، لا يكاد يتجاوز بعض الكلام النظري، بمعناه الإنشائي والعاطفي، ولا يرقى في عمومه إلى إنجاز مقاربة شمولية للظاهرة، بما يؤدي إلى معالجتها من أساس، ولذلك تتردد عندنا نفس الأحاديث، حول الغش، المرتبط بالإختبارات، دون أن نتمكن من تطويق هذه الآفة، لأننا ببساطة، لا نستحضر أسبابها وأسئلتها الرئيسة، وربما لا نريد ذلك، وهذه بعضها:
_ ماذا يعني الغش بالنسبة إلينا؟؟
يسهل أن نلاحظ، أن الغش تحول في الكثير من أوجهه عندنا، إلى ما يشبه المشكل البنيوي، الذي يعني ببساطة، أسلوبا في التفكير، ونمطا في العيش، ومنطقا في تدبير المصالح والحاجيات ؛ فالكثير من المواطنات والمواطنين، لا يجدون أدنى حرج في تسويغ أساليب التدليس والغش، وفي تحويل الغشاشين، إلى باحثين عن حق مستحق، مع تغيير في بعض الكلمات، وتهذيب لبعض العبارات، ما يعني أن الغش في عمقه، لا يحارب يوم الإمتحان، لأنه تحول في الكثير من وجوهه إلى نمط للحياة، وعلى مدار العام ؛ ولنا أن نتأمل أحوال الكثير من التلاميذ والطلبة وتمثلاتهم التربوية، أو اللاتربوية، طيلة الموسم الدراسي، لنفهم معنى حضور هذه الآفة في صفوفهم، ولذلك بدل قولنا ؛ لا يجب أن يغش التلاميذ، علينا أن نطرح السؤال الكبير والمباشر، لماذا يغش التلاميذ ؟، لتنطلق بعدها الأسئلة الأخرى ؛ من أقنعهم اجتماعيا وثقافيا، بضرورة الغش ؟ وبالحق في الغش ؟، من حولهم إلى كائنات غشاشة، بالقوة وبالفعل ؟؟، ولماذا يعجزون تربويا، عن التوصل إلى الإجابات الصحيحة ؟، وأين دور المدرسة، والأساتذة، وكل عناصر منظومتنا التربوية ؟، وما فائدة كل هذا المسار، الطويل والمكلف، (الميثاق الوطني للتربية والتكوين، المخطط الإستعجالي، الرؤية الإستراتيجية، القانون الإطار) ؟؟، وأين هي آثاره القريبة والبعيدة، على واقع التلاميذ والطلبة اليوم ؟؟.
يصعب كثيرا إقناع التلاميذ والطلبة بعدم الغش، في وسط يحتفل في الكثير من وجوهه، بالغش والغشاشين، وفي وقت تتراجع فيه جل المؤسسات التربوية، عن أدوارها التقليدية والأساس ؛ الأسرة، المسجد، المدرسة، الجامعة، مؤسسات المجتمع المدني، أوما يسمى كذلك ؛ فجل هذه المؤسسات، لم تعد تقوم بأدوارها التأطيرية والتوعوية، إن لم يكن بعضها، أضحى يمثل جزءا من بنية هذا الغش أيضا.
وعلينا أن نكون صرحاء ؛ إن الكثيرين منا، أفرادا ومؤسسات، لا يفهمون الحياة ولا التدبير، خارج هذا الذي يسمى غشا، بما في ذلك الكثير من المؤسسات التعليمية أيضا، والتي تحول بعضها إلى دكاكين للمتاجرة بالمعلومات المقررة، والتي يتم بيعها للتلاميذ، بحجة عدم تمكنهم من الفهم، وبحجة تراجع مستوى تحصيلهم الدراسي ؛ وهي حجج واهية ولا تربوية، لأنها ببساطة، تسائل دور المدرسة ابتداء، وقيمة اختياراتنا التربوية انتهاء.
وبالجملة ؛ هذه وغيرها هي بعض الأسئلة التي تبدو رئيسة، والتي لا تتم الإجابة عنها بوضوح، في علاقة بموضوع ( الغش في الإمتحانات )، ما يؤدي إلى ارتباكنا المتكرر، في التعاطي مع هذه الظاهرة المؤسفة، ساعة الإمتحانات، بين من يعتبر الأمر حقا للتلميذ المتعثر، ما دام لم يحصل، ما به يستطيع تحرير الإجابات الصحيحة، وبين من يعتبر يوم الإمتحان مناسبة لخوض معركة ضارية، ضد تلاميذ وطلبة، جلهم حضروا إلى قاعة الإمتحان، مسلحين بكل شيء، عدا الإعداد الجيد، والقدرة على الإجابة الصحيحة، وبين من يظل يتساءل حول، ما الذي يصح فعله بالضبط ؛ وهذا ما يفسر الكثير من النقاشات والخلافات، التي تنشط إبان فترة الإمتحانات، والتي لا تعدو في عمومها، أن تكون مجرد تعبيرات انطباعية انفعالية.
بالطبع، ليست هذه دعوة مجانية، إلى القبول بالغش يوم الإمتحان، وإنما هي إشارة معينة، إلى كون محاربة الغش، في عمقها وحقيقتها، لا تكون يوم الإمتحان، لأن هذا اليوم ببساطة، ليس إلا نهاية لمسار طويل، وليس إلا تتويجا، لما راكمه التلاميذ، من تجارب ودروس وتعلمات ومشاهدات، وخيبات حياتية وتربوية ؛ وسينتهي الغش، حقيقة وواقعا، يوم الإمتحان، حين نمتلك إرادة إنهائه، في كل المجالات والمستويات الأخرى والموازية، وحين يتراجع الغشاشون الكبار فالصغار، وحين نحتفل بالأمناء والعقلاء، وذوي الضمائر الحية حقا.