شواطئ المغرب بين الأمس واليوم
هوية بريس – عبد الصمد إيشن
رغم أن موضوع الشواطئ المغربية بين الأمس واليوم يظل بالدرجة موضوعا تاريخيا يُظهر طبيعة السلوكات والمظاهر التي كانت منتشرة في الشواطئ المغربية منذ عقود إلا أن طرح هذا الموضوع لا يغنينا على نقاش الموضوع من زاوية فكرية وثقافية أيضا.
شكل الشاطئ في المغرب منذ الاستقلال فضاءً عموميا للاستجمام والتأمل والاستجمام، لكن مع مرور الوقت أصبح هذا الفضاء يشهد تحولات ملحوظة أثرت في حمولته الثقافية، فمن شواطئ لا تعرف الاختلاط بين الرجال والنساء إلى شواطئ مختلطة، ومن شواطئ لا يسبح فيها إلا الرجال إلى شواطئ تسبح فيه النساء كذلك، ومن شواطئ بمظاهر الستر في اللباس إلى مظاهر التعري واللباس الكاشف.
وعن لباس المغربيات يقول محمد بن أحمد اشماعو في كتابه “المجتمع المغربي كما عرفته خلال خمسين سنة، من عام 1350 إلى عام 1400هـ“، متحدثًا عن طبقات المجتمع المغربي الغنية والمتوسطة والفقيرة: “النساء كن محجبات في الطبقات الثلاث”. واللباس المغربي عموما كان معروفا بصبغته المحافظة ومظهره المحتشم (انظر على سبيل المثال، كتاب: اللباس المغربي من بداية الدولة المرينية إلى العصر السعدي، للدكتور: محمد صقر).
أيضا، يقول مصطفى الحيا، مبينا التأثير الفرنسي في مجال اللباس بالمغرب: (.. ظلت المرأة المغربية لعهود طويلة تُعرف بزيها الأصيل والمحتشم الذي يشمل الجلباب والنقاب، لكن عندما خرج الاستعمار الفرنسي ترك نخبة تكونت بفرنسا فبقيت الحياة التنظيمية والعصرية مطبوعة بالطابع الفرنسي، فأثر ذلك على المظهر الخارجي للمرأة المغربية الذي أصبح مطبوعاً بالطابع الأوروبي؛ فالحجاب هو من خصوصيات المرأة المسلمة، ومنها المغربية، وقد استطاعت النخبة المغتربة بالمغرب أن تؤكد أن من مظاهر تحرر المرأة المغربية هو نزعها للحجاب..).
كلها شواهد تثبت أن لباس ومظهر المغربيات ظل أصيلا ومحتشما، إلى أن جاءت التغيرات الاجتماعية والثقافية المصاحبة للتلفاز والانترنيت وحطمت العديد من الأسس السليمة التي كانت تلتزم به المرأة المغربية، الأمر الذي فتح العيون ثقافة الشواطئ والترفيه به دون حدود وضوابط شرعية في اللباس والاستجمام.
أيضا لا بد من إبراز الجانب الاقتصادي وكيف يساهم بعد عولمة الاقتصاد على المستوى الدولي في تحطيم الحدود الثقافية والمرجعية بين الشعوب وهي الموجة التي بدأت مع التسعينيات، وهي الفترة نفسها التي بدأ المغاربة يشهدون خلالها تحولات في الشواطئ، خاصة الاختلاط ومظاهر التعري، التي ستتقوى في الألفية الثالثة.
الاقتصاد يفرض شبكة من التأثيرات في عدة مستويات، تنطلق من ما هو حضاري عبر المدارس والإعلام والكتب والأنترنيت، ودور هذه الوسائل في قلب المرجعيات الحضارية التي تضبط سلوك الأفراد والجماعات، ثم ما هو سلوكي عبر الموضة واللباس، ودورها في نزع الاحتشام وثقافة الستر من الأوساط الاجتماعية المغربية، لتكون النتيجة واضحة، شواطئ ممتلئة عن آخرها يطبعها الاختلاط والعري بدون حدود.
وكما نعلم جميعا، إشاعة ثقافة العري والاختلاط في الشواطئ سلوك يتنافى مع أحكام قطعية في الشريعة الإسلامية، ويناقض الأعراف المغربية، ويضرب في الصميم أحد أهم مقومات الشخصية المغربية المسلمة.
ناهيك على أن العري علنا معاقب عليها في القانون الجنائي الذي ينص في الفصل 483 على أن “من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء؛ وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم”.
واليوم لما نجد في التجارب الدولية المقارنة تشريعات تمنع نوعا من اللباس الخادش للحياء فإن المقصود أصبح هو حماية الأسرة والدولة من التفكك وحماية الكيان السياسي من الانهيار، وهذا ما يجب الانتباه إليه لتعمل الفعاليات المدنية والثقافية على إحياء الاعتزاز بالشخصية المغربية الملتزمة بالثوابت ومظاهر التدين.