التليدي يكتب: مآسي تصنع الإصرار
هوية بريس – بلال التليدي
حصلت لي أربعة حوادث سيئة في مساري الدراسي، لا زلت إلى اليوم لم استسغ مرارتها..
الأول حينما كنت ادرس بالاعدادي، وكنت استغرب من استاذ مناضل محب لفلسطين، أن يتخذ من يوم الاثنين يوما للمقصلة، كان عندما يصل لورقة الانشاء التي كتبتها ينادي علي، ويقع علي بالضرب واللطم على الوجه دون ان اعلم سبب ذلك، فلما تعبت من تحمل الألم جئت بأدب استفسر سبب العذاب الذي يسلطه علي، قال لي: وما دخل القرآن بالانشاء، انا اريد رأيك وتعبيرك لا ذكر الغيبيات. فلما كان ان حذفت من تعابيري الشواهد القرآنية أضحى يغدق علي بالنقطة، حتى نسيت الم يده، والم سوء النقط.
الحادث الثاني، حدث لي مع استاذة للغة العربية، كنت قبل الدرس، وقبل ان تدخل القاعة، اقوم فاكتب ابياتا من شعر انظمه، فكانت اذا دخلت تمسح السبورة، وتعلق بأسلوب حاد، تقول فيه: هناك من يريد أن يصبح طه حسين، أو المتنبي قبل الاوان، اذا كنا نحن أساتذة اللغة الغربية لا نحسن كتابة الشعر. فكيف يسوغ لهؤلاء ان يكتبوه. ومع ذلك كنت لا اسمع تحقيرها واستمر في القراءة والمراجعة وهضم علم العروض وكتابة الشعر حتى جاءت المناسبة، إذ أعلن عن مسابقة شعرية بين المؤسسات، فشاركت بقصيدة في مرحلة الانتقاء، فتم اختياري، فشاركت في امسية شعرية تضم الشعراء التلاميذ الشباب من مختلف المؤسسات، فاشادت لجنة التحكيم بشعري، وقدمت للمنصة لعرض قصائدي، وتحطم القيد.
الحدث الثالث، حصل لي في السنة الأولى من تعليمي الجامعي، فبعد ان حصلت على النقطة الأولى على مستوى كلية الآداب ابن طفيل برمتها في الدورة الاولى، جاء موعد الامتحان الشفوي، ودخلت عند استاذ مادة جغرافية العالم الاسلامي، وكان يكره الاسلاميين، ويكره مناضليه في الساحة الطلابية. فسألني عن النقطة التي حصلت عليها، فقلت له: 71 نقطة، فقال لي بلغة سوقية: “ولد الحرام، ناعس على ريشبوند” فتعمد طرح أسئلة معجزة. فاجبته، فمنحني نقطة 1 على عشرة. وقال لي ببجاحة: “كانظن دابا غتنزل من ريشبوند”
الحادث الرابع حدث لي في السلك الثالث بإحدى الجامعات العريقة…حصلت على النقطة الأولى في فوجي في الامتحان الكتابي، فلما كان الامتحان الشفوي، اجتمع أساتذة الأصول والفقه والعقيدة والفكر الإسلامي للسؤال. فاشاد بي ثلاثة أساتذة مبرزين، فانز عج الرابع، فبادرني بالسؤال عن مدى قراءتي لكتابات محمد قطب، فاجبته أني قرأتها كلها بما في ذلك “واقعنا المعاصر” و “مذاهب فكرية معاصرة”، فقال : اذن اجبني عن أزمة الفكر الإسلامي من ولادة النبي صلى الله عليه وسلم إلى سقوط جدار برلين” فلم اجد بدا من التعليق على هذا السؤال الغبي. وقلت بأدب: انه سؤال عام، يحتاج لقدر من التحديد، فثار الاستاذ غاضبا: “ومتى كان الطالب ينتقد استاذه. هذا غرور.”. فتدخل الثلاثة لتهدئة الوضع، ثم كيفوا السؤال بنحو مقبول، فبدأت أتحدث دون انقطاع حتى اطمأن الثلاثة اني عبرت القنطرة بنجاح..فنلت في المواد الثلاثة نقطة تفوق 17، وأصر صاحب السؤال الفضفاض إلى منحي 11 على 20.
أتذكر ان والدتي رحمها الله بكت بكاء مرا، وحزنت اكثر من حزني، وقالت لي: كيف يسمح الأساتذة الكبار لأنفسهم بتحطيم شاب لا يعرف أي شيء في حياته سوى القراءة والمطالعة..
أكتب هذه الحوادث الاربعة بقصد، وأنصح الأساتذة الكرام في كل مستويات التدريس بالأمانة في تقييمهم، وأن يتصوروا حجم المعاناة النفسية التي يتسبب فيها الظلم والعدوان بغير حق.