متى يكون الإنسان حرا مساهما في بناء المجتمع؟!
هوية بريس – ذ.إبراهيم الناية (مدرس سابق لمادة الفلسفة)
إن الحرية هي مبتغى كل انسان لأنه يريد أن يعيش حرا بدون قيود. لكن هل يمكن أن يتحقق له ذلك وهو لا يعيش بمفرده في هذا العالم.؟ وانما يحتم عليه الواقع التفاعل مع الاخرين بما يحفظ له الاستمرارية.
لكن قانون الغاب يقر بأن القوي يأكل الضعيف. وهو الأمر الذي يتناقض مع الطبيعة الإنسانية. فالله سبحانه خلق الانسان حرا. وكرمه وفضله على كثير من خلقه وسطر له قانونا يتميز بالحق والعدل والصدق.
ولذلك إن حرية الإنسان تقوم على مبادئ واضحة تقتضي استقلال العقل والإرادة. فحيث ما تكون التبعية والانصياع تنتهي الحرية ، لأنه كيف يمكن أن تتحقق للانسان حريته وهو يفكر بعقل غيره ؟ غير ان مفهوم الحرية قد اختلف باختلاف الانساق الثقافية أو المنظومات المرجعية ، فمفهوم الحرية في الرؤية الاسلامية قائم على اساس تحرير الانسان من اشكال العبودية والظلم والاحتقار والاقرار له بكرامته وإنسانية.
لكن الرؤية الغربية لا تتبنى هذا التوجه فهي تنطلق في تحديد مفهوم الحرية من المفهوم المادي للانسان ، وهكذا يرى بعض مفكري الغرب ان الحرية تتحقق عندما يتحلل الانسان من كل الالتزامات الاخلاقية والقانونية. ويعيش حياته بدون حسيب ولا رقيب. غير أن الاتجاه الماركسي يرى ان الحرية لا تتحقق الا بعد اشباع البعد البيولوجي أولا. فتحقيق مملكة الضرورة قبل تحقيق مملكة الحرية. لكن هل يقتضي الأمر ان يتنازل المرء عن كرامته مقابل رغيف الخبز ؟. ولذلك ان الاتجاهات التحررية ترى ان الكرامة اولا وبعد ذلك تأتي البقية . لكن مشكلة الغرب أنه يريد فرض رؤيته الثقافية للامور على غيره ، خاصة الشعوب التي كانت ترزح تحت وطئته موظفا في ذلك مجموعة من الاتباع الذين يفكرون بعقليته ويسيرون وفق توجهاته متخذا اياهم كمقدمة لبسط نفوذه وهيمنته وهو المفهوم الجديد للاستعمار .
لكن ما هي المهمة التي يطلبها الغرب من اتباعه؟ وما هي الاستراتيجية التي يتعين اتباعها؟. اولا : لابد من الدعوة الى حقوق الانسان بالصيغة المتعارف عليها كونيا.! لكن هل الشعوب الشرقية وهي الاكثر عددا تتبنى رؤية الغرب حول حقوق الانسان؟. ثانيا التركيز على وضعية المرأة. ثالثا مراجعة كل النصوص التي لا زال فيها بقية من اثر للدين.
أما الحديث عن الظلم والاستبداد والحريات العامة والحقوق السياسية والاجتماعية وتوزيع الثروة فهي من المحرمات لان الغزاة المستعمرين ما كانوا في يوم من الايام في صف الشعوب المستضعفة. ولذلك أية حرية يطالب بها هؤلاء الاتباع ؟ هل تحرير الانسان من العبودية والرق والظلم والجوع والفقر ومن اهواء النفس ونزواتها؟ ام ان الحرية التي يريدونها هي اطلاق العنان للنزوات والشهوات والملذات وممارسة الرذائل من اجل تخريب المجتمع من الداخل تمشيا مع المهمة التي اسندت اليهم.؟ لقد طغى على بعض تصورات هؤلاء الاتباع المفهوم الفوضوي والسوقي للحرية وهو ان افعل ما اشاء ساعة اريد وهم بذلك ينفصلون عن المبدأ : حريتك تنتهي عندما تمس حرية الاخرين، لكن لماذا تبنى اتباع الفكر الغربي هذا التوجه الذي يهدف الى التخريب من اجل التحكم.؟
إن الشعوب التي كانت ترزح تحت وطئة الاحتلال الاجنبي عندما تسمع كلمة الحرية تنتعش وينصرف ذهنها الى التحرر من كل اصناف العبودية والرق والتمتع بحقوقها كاملة كحرية التعبير والنقد والمساءلة وتكوين الهيئات والشغل والاعتراف لها بالكرامة. غير ان الطابور الذي يسير وفق الرؤية الغربية يعتبر ان مفهوم الحرية هو ما حددته منظومة الفكر الغربي، وهنا يمكن التساؤل اولا كيف يمكن ان يقبل الانسان مفهوم الحرية من الدول التي مارست ابشع المظالم وقتلت الملايين من البشر؟
وهل الدول الاستعمارية جادة في مناداتها بالحرية وحقوق الانسان ؟ ولكن اية حقوق وأي انسان يتحدثون عنه؟ ام ان الامر يتعلق باسلوب استمالة المغفلين ؟ وثانيا كيف يمكن ان نقبل رؤية الغرب الثقافية حول الحرية وحقوق الانسان؟ في الوقت الذي بدأ بعض الغربيين يتخلون عن تلك التصورات لانهم رأوا ان نهاية الغرب قد بدأت سيما وان الغرب قد اسس منظومته الفكرية والاخلاقية على مبادئ مناقضة لطبيعة خلق الانسان.؟ ان الدول الاستعمارية تحركت وفق استراتيجية مدروسة وهي التخريب من الداخل من اجل التحكم والسيطرة. موظفة في ذلك مجموعة من من الاتباع الذين صنعتهم ليكونوا بالاساس عبيدا يتخلقون باخلاقها ويفكرون بعقلها ويتبنون رؤيتها ولذلك وظفت مفهوم الحرية توظيفا ايديولوجيا لكي تبقى مهيمنة مستعملة اسلوب: شل حركة الخصم من الداخل ، ولذلك ان مفهوم الحرية عند الدول الاستعمارية هو ان تنسلخ الشعوب المستعمرة سابقا من القيم والاخلاق لكي تبقى تسبح في فلكها، وقد تبنت الفكرة القائلة : سيطروا على النفوس لتسهل لكم السيطرة على الابدان، ولكي لا تفكر المستعمرات في الاستقلال الثقافي او الاقتصادي او السياسي.
لان هذه المستعمرات في عرف دول الاحتلال قد خلقت من اجل التبعية. ومن ثم فقدت كثير من الأجيال اصالتها وتميزها وانخدعت لقلة معرفتها ووقعت ضحية مصطلحات خاطئة فاوهموهم انك اذا اردت ان تكون حرا فعليك ان تتخلص من كل ما يربطك بالدين وان تجعل مفاهيمه وقيمه وراء ظهرك وان تنخرط بدون تردد في قيم الثقافة الغربية ولذلك اصبحت الرذيلة والسقوط الاخلاقي شعارا يردده المغفلون من بني جلدتنا بل يؤكدون انها حقوق الانسان المتعارف عليها كونيا !! ويبلغ الاستغراب مداه عندما نرى في مجتمعاتنا امرأة تدعو الى الزنا ورجلا يدعو الى ممارسة افعال قوم لوط ويعتبر كل ذلك حرية وحقا مشروعا, ولذلك ان الذين يرددون ترهات أسيادهم قد جبلت نفوسهم على العبودية والتبعية وحياتهم لا تستقيم الا اذا انبطحوا فهم مقيدون باغلال العبودية دون ان يتفطنوا انهم عبيد. ولكن الامر اعظم عندما يتصدر المشهد الغوغاء والتافهون ويتولون مسؤوليات تسمح لهم بسن قوانين لتنظيم حياة المجتمع.
وقس على ذلك في بعض المجتمعات الغربية حيث ينتزع الاطفال من آبائهم لتفرض عليهم معتقدات وتصورات مناقضة لمعتقدات آبائهم ويودعون عند الشواذ الممارسين لمختلف الرذائل. فأين الحداثة التي يتحدثون عنها؟ وأين حقوق الانسان التي يتغنون بها؟ اذا كان الانسان تفرض عليه قناعات لا يرغب فيها ولا يؤمن بها بل يمارس عليه التضليل بحجة وحدة الثقافة!! ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل ابتكر البعض صناعة جديدة تتجلى في خليط من التصورات المتناقضة اطلقوا عليها اسم الدين الجديد ونصبوا انفسهم مبشرين به ، والهدف هو التخريب من اجل السيطرة والهيمنة وهي المهمة التي اسندت اليهم من اجل القيام بها.
وفي الاخير نؤكد على امرين اولهما : أن كل أمة فرطت في عقيدتها واخلاقها وقيمها فقد حكمت على نفسها بالفناء وأشرت على نهايتها. وثانيهما: إن الانسان لا يكون حرا إلا اذا كان مستقل العقل والإرادة وأن يحرر عقله وعواطفه ومشاعره من كل ما يربطه بعالم الاشياء. ولذلك: فالانسان حر عندما يعلن عبوديته لله.