هل يقبل زواج المغاربة بالمراكز الإسلامية خارج المغرب التذييل بالصيغة التنفيذية؟
هوية بريس – نورالدين مصلوحي – عدل موثق بدائرة محكمة الاستئناف بني ملال
نظرا لتغير ظروف ونمط العيش في العصر الراهن، وتزايد عدد المهاجرين المغاربة، سواء الذين هم في وضعية قانونية إزاء بلد الاقامة، أو من لا زالت وضعيتهم لم يتم تسويتها بعد، وبسبب الاختلاف السائد في الشروط والمتطلبات القانونية لابرام عقود الزواج من بلد لآخر، وتعقد مساطر توثيق هذه العقود ببعض البدان الأجنبية، انتشرت ظاهرة توثيق عقود الزواج بالمساجد أو المراكز الاسلامية المتواجدة خارج التراب المغربي.
ورغبة المغاربة في توثيق هذه العقود بالمراكز الاسلامية، ترجع أسبابه في الآتي مثالا لا حصرا:
أ- الرغبة في الارتباط بالشريك وتأسيس أسرة.
ب-الرغبة في تسوية الوضعية القانونية ببلد الاقامة، والاستفادة من مزايا الاقامة.
ج-إضفاء الشرعية على العلاقة، ودرء الشبهات، فعلى الرغم من أن عقد الزواج من وجهة نظر قانونية هو وسيلة للإثبات لا للانعقاد، إلا أن بعض المغاربة يرون أن توثيق هذه العقود بالمراكز الاسلامية هو الذي يجعل كلا الطرفين حلالا للآخر.
د-عدم سماح بعض بلدان الاقامة للأجانب المقيمين فوق ترابها بكيفية غير قانونية (ولو كانوا يتوفرون على تأشيرة سياحية) بإبرام عقد الزواج المدني طبقا لقانونها.
لكن، وبغض النظر عن كل ما ذكر، يبقى الاعتراف بهذا العقد بالمغرب هو أمل هؤلاء المغاربة، باعتبار ما يترتب عن هذا الاعتراف من آثار قانونية، لاسيما التسجيل بسجلات الحالة المدنية، والحقوق والواجبات بين الزوجين، والجنسية، وغيرها من الحقوق….
إن المشرع المغربي تطرق لمسألة زواج المغاربة المقيمين في الخارج ، في المادة 14 من مدونة الأسرة، ولست هنا للاسهاب في كل الجوانب ذات الصلة بالتنظيم القانوني لهذه العقود، لكن سأركز بدقة في مسألة السلطة المختصة بتوثيق عقد الزواج، وأيضا الاشكالية المرتبطة بعنوان المقال، ولا يتأتى لي هذا، إلا بذكر هذه النقاط لأهميتها:
1-المشرع سمح للمغاربة المقيمين بالخارج بإبرام عقود زواجهم وفقا للاجراءات الإدارية المحلية لبلد إقامتهم.
2-المادة 128 من مدونة الأسرة تشترط لتذييل العقود (ومنها عقود الزواج) بالصيغة التنفيذية، أن تكون مبرمة أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين، ونفس التوجه التشريعي منصوص عليه في الفصل 432 من قانون المسطرة المدنية.
3-المشرع (في المادة 14 المذكورة) لا يتحدث عن المغاربة غير المقيمين بالخارج، وهنا تُطرح إشكالية هامة جدا، وهي ظهور حالات جديدة من بعض المغاربة الذين يحصلون على تأشيرة سياحية لزيارة بلد ما، ثم يبرمون عقد زواجهم سواء مع مغربي أو أجنبي إما أمام ضابط أو موظف مختص إذا كان قانون ذلك البلد يسمح بذلك، وإما داخل مركز إسلامي، وبعدها يعودون للمغرب أو يظلون هناك بطريقة غير قانونية، ومن ثم فللبيب الاستنتاج أن المادة 14 السالفة الذكر، لا تسري على هؤلاء المغاربة المذكورين آنفا، لكن عدم السريان هذا يخص فقط الاجراءات المشار إليها في المادة 15 من مدونة الأسرة، ونعني وجوب إيداع نسخة من العقد داخل أجل ثلاثة أشهر من تاريخ إبرامه، بالمصالح القنصلية المغربية التابع لها محل إبرام العقد.
بعد بسط هذه الملاحظات، لم يتبق لنا إلا أن نجيب عن السؤال الذي خصص عنوانا للمقال: هل يقبل زواج المغاربة بالمراكز الاسلامية خارج المغرب التذييل بالصيغة التنفيذية؟
يمكننا القول أن العقود التي يبرمها المغاربة بالمراكز الاسلامية خارج المغرب تنقسم إلى قسمين لا ثالث لهما:
القسم الأول: العقود المبرمة بالمراكز الاسلامية أو المساجد الغير معترف بها، وغير مفوض لها هذا الاختصاص من بلد تواجدها.
القسم الثاني: العقود المبرمة بالمراكز الاسلامية أو المساجد المعترف بها، والمفوض لها ذلك من بلد تواجدها، وسنعالج كل قسم على حدة.
بالنسبة للقسم الأول: نقول أن هذه العقود، هي عقود عرفية، لا تستجيب لمقتضيات المادتين 14 و 128 من مدونة الأسرة والفصل 432 من قانون الالتزامات والعقود، حيث إن محررها سواء كان مدير المركز الاسلامي أو إمام المسجد، لا يمكن اعتبار أي منهما ضابطا أو موظفا عموميا مختصا، كما لا يمكن اعتبار الاجراءات داخل هذه المراكز الاسلامية من ضمن الاجراءات الإدارية المحلية لبلد تواجد المركز.
أما بخصوص القسم الثاني: فإن اعتراف بلد أجنبي بمركز إسلامي أو مسجد وتفويض له صلاحية توثيق عقود الزواج للأجانب المتواجدين بهذا البلد، يترتب عن هذا اعتبار المعترف به والمفوض له بمثابة ضابط أو موظف مختص وفقا للمادة 128 من مدونة الأسرة والفصل 432 من قانون الالتزامات والعقود، كما يدخل هذا أيضا في الاجراءات الادارية المحلية لهذا البلد الأجنبي بمقتضى المادة 14 من مدونة الأسرة.
ولا يفوتني أن أشير إلى الدورية الوزارية المشتركة الموجهة إلى عدد من المسؤولين المغاربة من بينهم رؤساء البعثات الديبلوماسية والمراكز القنصلية المغربية بالخارج، حيث نبهت الدورية المذكورة إلى ضرورة تحسيس المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج بتفادي إبرام عقود الزواج في المساجد والمراكز الاسلامية نظرا للمشاكل القانونية التي تترتب عنها[1].
كما أقترح شخصيا على السادة القضاة، مطالبة المعنيين بإرفاق عقود الزواج بما يثبت اعتماد المركز الاسلامي أو المسجد من طرف بلد الاقامة وتفويض اختصاص توثيق عقد الزواج له، أو على الأقل مطالبة المعنيين بالتصديق على العقد، أو الادلاء بالأبوستيل إذا كانت الدولة التي أبرموا عقد الزواج بها منضمة إلى اتفاقية لاهاي بشأن إلغاء إلزامية المصادقة على الوثائق العمومية الأجنبية، وغير معترضة على انضمام المغرب للاتفاقية، وذلك حتى يتم العلم اليقيني بقانونية ذلك العقد من عدمه، إذ الوثائق غير العمومية لا يمكن إجراء الأبوستيل لها وفق صريح المادة 01 من الاتفاقية المذكورة، وما دام البلد الأجنبي يرفض تسليم الأبوستيل فإن العقد غير قانوني بالنسبة له، وهذا فيه حماية للنظام العام لذلك البلد، وأيضا حماية للطرف المغربي وتنبيها له من مخاطر عقد غير قانوني لن يرتب أي ضمانات قانونية له بذلك البلد، لاسيما وأن عددا من هؤلاء المغاربة الذين يوثقون هذه العقود فور عودتهم للمغرب ينتظرون قيام الزوج الآخر المقيم خارج المغرب بإجراءات التجمع العائلي.
بقي لنا أن ننير عقل القارئ، بشأن ما ورد في هذا الصدد من عمل أو اجتهاد قضائي، حيث في حدود ما اطلعنا عليه، سندلي بالآتي تباعا:
قرار محكمة النقض[2] عدد 31 الصادر بتاريخ 25 يناير 2022 في الملف الشرعي عدد 552/2/1/2019:
خلاصة ما جاء في القرار المذكور من وقائع وقضاء، أن مواطنة مغربية تزوجت بمواطن من دولة مالي، أمام إمام مسجد، فتقدما بعد ذلك بطلب إلى المحكمة الابتدائية بالمغرب لتذييل العقد المذكور بالصيغة التنفيذية، فاستجابت لها المحكمة وحكمت بتذييل العقد بالصيغة التنفيذية، فما كان من النيابة العامة إلا الطعن بالاستئناف في الحكم للعلة التي أوردناها وهي عدم اختصاص الامام المذكور في توثيق العقد، فأيدت محكمة الاستئناف الحكم، فطعنت النيابة العامة بذي المحكمة بالنقض في القرار الاستئنافي، ليصدر قرار محكمة النقض وفق الصيغة التالية:
لكن، حيث إن البين من وثائق الملف أن المطلوبين ( ج و ك) أبرما زواجهما بمدينة باماكو بمالي أمام إمام مسجد المنطقة الصناعية بمدينة باماكو بمالي بتاريخ 04/03/2018، وذلك بعقد الزواج المعنون في طليعته ب: “رابطة الأئمة والعلماء للتضامن الإسلامي في مالي (الماما) ص ب هـ 975 باماكو مالي. عقد زواج إسلامي”. والمشار إلى هوية الزوج ومهنته “مهندس”، وهوية الزوجة ومهنتها عاملة ببيت، وإلى وكيل الزوج والولي على الزوجة. والمحكمة مصدرة القرار لما استخلصت من ذلك وجود علاقة زوجية بين المطلوبين، واعتبرت أن زواجهما ليس فيه ما يخالف النظام العام المغربي، ولا مقتضيات مدونة الأسرة، وقضت بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتذييل عقد الزواج المذكور، فإنها عللت قرارها بما فيه الكفاية، ولم تخرق المحتج، وما بالوسيلة على غير أساس.
لهذه الأسباب قضت محكمة النقض برفض الطلب، وتحميل الخزينة العامة المصاريف.
قرار محكمة النقض[3] عدد 01 الصادر بتاريخ 04 يناير 2022 في الملف المدني رقم 5478/1/7/2016:
خلاصة هذا القرار من حيث الوقائع والقضاء، ادعاء مواطن مغربي أنه بتاريخ 23/11/1972، اقتنى من شركة ما في شخص ممثلها القانوني قطعة أرضية فلاحية محفظة بالمغرب، بمقتضى عقد مصادق عليه ببلدية شيربيك ببلجيكا مسجل تحت عدد 3693، والتمس تذييل العقد بالصيغة التنفيذية، فصدر الحكم الابتدائي برفض الطلب، ألغته محكمة الاستئناف، وقضت تصديا بتذييل العقد السالف الذكر بالصيغة التنفيذية بقرارها المطعون فيه بالنقض.
فلما عرض الملف على محكمة النقض، قضت هذه الأخيرة وفق الآتي:
حيث صح ما عابه الطاعن على القرار، ذلك أنه طبقا للفصل 432 من ق م م فإن العقود المبرمة بالخارج أمام الضباط والموظفين العموميين المختصين تكون أيضا قابلة للتنفيذ بالمغرب بعد إعطائها الصيغة التنفيذية ضمن الشروط المقررة في الفصول السابقة، ومؤدى ذلك أن العقود المنجزة خارج المغرب التي تذيل بالصيغة التنفيذية هي تلك التي يتلقاها الموظفون العموميون المختصون في تلك البلدان، في حين أن العقد موضوع الدعوى، وإن كان مصحح الامضاء من طرف المصالح الإدارية المختصة في بروكسيل، ومؤشر عليه من طرف المصالح القنصلية المغربية هناك، إلا أنه لم ينجز وفق الشروط التي يستوجبها الفصل 432 المذكور، والمحكمة مصدرة القرار، لما قضت بتذييله بالصيغة التنفيذية بالرغم مما ذكر لم تركز قرارها على أساس قانوني، وخرقت المقتضى المشار إليه أعلاه، وعرضته للنقض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الدورية المشتركة المؤرخة في 30/08/2016 والموقعة من أربعة وزراء وهم: 1-وزير الداخلية 2-وزير الشؤون الخارجية والتعاون 3-وزير العدل والحريات 4-الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة
[2] أنقر على الرابط التالي: https://juriscassation.cspj.ma/upl/2022/20221215145331.pdf
[3] أنقر على الرابط التالي: https://juriscassation.cspj.ma/upl/2022/20235101696.pdf