لماذا تجرأت المقاومة على أمريكا؟!
هوية بريس- محمد زاوي
تدور في قطاع غزة حرب قاسية على طرفيها، ولو أن الطرف الفلسطيني في ميزان الحق والصمود أكثر تقدما من الكيان الصهيوني وعصاباته المسلحة. إن تقدم الكيان في جغرافية قطاع غزة لا يعني التقدم عسكريا، لأن حرب الشوارع كمين كبير لمقتحمي الحدود، فضلا عن ارتباك فرق “الكوموندوس” لدى الكيان وتهيبهم ليس للأنفاق المفخخة فقط، بل حرب الشوارع وما تفترضه من عزيمة وعقيدة قتالية.. أما المقاومة الفلسطينية فهي صاحبة الأرض، تعرف ما فوق الأرض وما تحتها أكثر من غيرها.
هناك حديث عن خطة لإغراق الأنفاق بالمياه، وهناك حديث عن خطة لمداهمة عناصر المقاومة تحت الأرض، وعن خطة لتهجير ساكنة القطاع بالتدريج إلى الخارج حتى تتيسر مهمة القضاء على “حماس” وبقية الفصائل.. إلا أن هذا الكلام يبقى كلاما للاستهلاك الإعلامي في ظل المشاق التي وجدها الكيان في غزة لأكثر من شهرين دون أن يحصل على انتصار عسكري فعلي.. هناك تقدم في الجغرافيا قد يتحول إلى ورطة وربما تحول، وهناك قتل للمدنيين وأغلبهم نساء وأطفال وهذا حجة على الكيان في عدوان ليس كعمليات سابقة من العدوان.. فعالم تحكمه أمريكا ليس هو عالم اليوم، حيث أصبح الموقف الأمريكي معزولا في مجلس الأمن الدولي؛ وهناك تهديدات يتلفظ بها مسؤولون إسرائيليون بين الفينة والأخرى.. هذا كل هنالك!
فماذا في الطرف الآخر؟ مقاومة تلعب الكل في الكل على أرضها، محتضنَة من قبل شعبها، مدعومة من باقي فصائل المقاومة.. “حزب الله” من جهة الشمال، وحوثيو اليمن من بعيد.. “حزب الله” يربك حسابات الكيان في جبهة معقدة وخطيرة، أما اليمنيون فيدهم أكثر بطشا على المصالح الاقتصادية الإسرائيلية في معبر “باب المندب”.. باقي الفصائل في العراق وسوريا ومناطق أخرى تضع يدها على الزناد، وبين الفينة والأخرى تباغت الأمريكي في قواعده.
وهنا نتساءل: ما الذي جرّأ فصائل المقاومة على أمريكا وصنيعتها إلى هذه الدرجة؟! والجواب هو أن أمريكا مستنزفة في عدة مناطق من العالم.. إنها مطالبة بتكثيف الدعم العسكري ليس في الشرق الأوسط فحسب، وإنما أيضا في تايوان تحسبا لتدخل صيني، وفي أوكرانيا التي تتلقى هزائمَ ثقيلة هذه الأيام، وربما في “كرباخ” دعما لأذربيجان.. وقد أصبحت أمريكا مهددة في عقر دارها “القارة الأمريكية”، في ظل التوتر بين فنزويلا وغويانا على منطقة إيسيكيبو النفطية (تستغلها غويانا وتنشط فيها شركات أمريكية).
هذا بالإضافة إلى صعود لاعبين كبار كالصين وروسيا، وبروز قوى إقليمية ذات تأثير كإيران والبرازيل والهند والمغرب والسعودية.. أصبحت قادرة على مناورة الأمريكي والبحث عن مصالحها عند نقيضه العالمي.. في هذا الوضع بالذات لم تعد امريكا الحارسة، أمريكا العسكرية مصدرة السلاح والمستفيدة من الاضطرابات والحروب؛ لم يعد هذا الطرف في أمريكا، وهو الأكثر رجعية، قادرا على تدبير كل هذه التوترات والصراعات، وربما سيسقط فيها سقطة مدوية هناك في أمريكا من يدعو إلى تجاوزها بطريقة أخرى!
هذا ما يفسر ربما تذبذب إدارة جو بايدن بداية، وطيلة الحرب؛ وهو ما يفسر تحول مواقف بايدن تدريجيا ضد رغبة بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف داخل الكيان الصهيوني.. لا يريد بايدن أن يخسر المعركة الانتخابية أمام ترامب، ولكنه أيضا يحسب بحساب الواقع، وهذا الحساب يقول إن “أمريكا في ورطة يجب أن تخرج منها”. لا يهم بأي يدٍ سيحدث ذلك، بيد بايدن أم بيد ترامب؟!