رسالةٌ إلى السيدات والسادة المدرسين
هوية بريس – الصادق بنعلال
إلى السيدات والسادة الأساتذة، تحية واحتراما وبعد،
فكرتُ وترددتُ كثيرا قبل أن أُقدِمَ على كتابة هذه “الرسالة” المقتضبة جدا، والموجهةَ مني – أنا الكاتب والأستاذ المغربي الصادق بنعلال، الذي أمضى أكثر من ستٍ وثلاثين سنةً في فصول الدراسة والتلقين – إلى الأخوات والإخوة المدرسين في ربوع المملكة العزيزة، لأعبر عن وجهة نظر خاصة ومستقلة، بعيدا كل البعد عن التمترس والتخندق وراء دغمائيات نقابوية متجاوزة، أو الدفاع عن قرارات وبكائيات الحكومة المغربية المتهافتة.
لم أقتنع طيلة مسيرتي المهنية بجدية نقاباتنا الأكثر أو الأقل “تمثيلية”، ولم أصدق مواثيق ومشاريع وخطط “إصلاح التعليم” ببلادنا، وكنت أعتبرُ ومازلتُ، أن الحكومات المتتالية تعاطت مع قضايا التربية والتعليم، بقدر كبير من الاندفاع والتخبط و”اللاإرادية”، اعتبارا من أن الإصلاح والفساد خطان متوازيان لا يلتقيان أبدا.
وفي الآن عينه لم أتغيب عن أداء مهمتي التلقينية إلا لظرف قاهر، ولم أشارك في الإضراب عن العمل، لأنني أؤمن بأن ذلك المسلك رغم قانونيته ودستوريته، لا يتناغم مع سمو ورفعة مهمة التعليم الرسالية. أدرك الأوضاع النفسية والاجتماعية المؤلمة لغالبية نساء ورجال التربية، وأعي صدقية ومشروعية مطالبهم المادية والرمزية، و أحس بمعاناتهم وتضحياتهم الجسيمة في القرى والبوادي وضواحي المدن، غير أن مسؤولينا في مختلف القطاعات الحيوية لا يبادرون إلى البحث عن إيجاد حلول موضوعية للمظلومين، تأخذ بعين الاعتبار حيثيات الإنصاف والعدل والكرامة الإنسانية.
لقد وضعتم حكومتنا غير الموقرة في وضع حرج طيلة ثلاثة أشهر، علمتْ فيها الدولُ والمجتمعاتُ أن التلميذاتِ والتلاميذَ المغاربةَ محرومون من حقهم الأممي في التمدرس والتحصيل المعرفي، ويبدو أنها مُصرةٌ في انتهاج الأرض التربوية المحروقة. والآن أمامكم صديقاتي أصدقائي خطوةٌ تعلنون فيها عن قرار العودة إلى الأقسام، لمواصلة نضالكم المزدوج: تقديم الدروس لبنات وأبناء هذا الوطن الجريح، ومتابعة مسار ملفاتكم المطلبية بهمة وحماس وإصرار، وبهذا الموقف النبيل تحظون برضا الشعب و تضامنه اللامشروط مع تطلعاتكم نحو الأفضل والأرقى والأبهى، وتضعون هذه الحكومة العاجزة أمام المرآة، لترى مساوئها وخطاياها وأعطابها غيرَ المحدودة.
إن التعاقد كسياسة تخريبية للمدرسة العمومية، وإجهاز على مكتسبات الشعب المغربي وحقوق تلاميذه وطلابه من تعليم مجاني، ووظيفة عمومية قارة يكون فيها الموظف متمتعا بحقوقه التي تضمن له العيش بكرامة. لا تساهم فيها فقط الدولة التي خنعت وأفقدت سيادتها لصالح المؤسسات المالية الدولية، التي أصبحت تملي وتقرر مكان مسؤولينا، ويبيعون دولتنا وهويتنا بثمن بخس، وهذا لم نعهده عند المغاربة الأحرار الذين لا يساومون في هويتهم وحقوق شعبهم. الدولة وحدها لا تساهم في هذا التخريب؛ وإنما تساهم الأسر المغربية التي اتبعت الأوهام وتخلت عن المدرسة العمومية، واتجهوا نحو المدرسة الخاصة لتعليم أبناءهم، وهذا ضرب من حيث يشعرون أو لا يشعرون للمدرسة العمومية ولمصداقيتها.
ويساهم كذلك (الأساتذة) الذين رضوا بالفتات وغلبوا مصلحتهم الخاصة على المصلحة العامة، وهذا ليس من شيم الأستاذ الحر، الأستاذ الحقيقي الواعي والمثقف الذي سيتسبب بسكوته وخوفه وخنوعه، لبيع المدرسة العمومية، وحرمان آلاف التلاميذ من تعليمهم حيث سيضطرون للتخلي عنها بسبب الواجبات التي ستفرض عليهم مستقبلا، وتشتيت الكثير من الأسر بسبب غلاء المدرسة والمستشفى والسوق ووو.
وبهذا السكوت والخذلان من الجميع ستسير بلادنا في طريق فقدان هويتها وخضوعها لإملاءات خارجية، ستجبر بها دولتنا على التخلي عن مرجعيتها الإسلامية والتي بدأت بالتخلي عنها فعلا، بسبب تلك الإملاءات التي لن تجد سبيلا لتجنبها إلا إذا اصطدمت بإرادة شعبية قوية وشجاعة. السماح بالإنحناء مرة يفرض عليك الانحناء مرات، الصمت مرة سيجبرك على الصمت الدائم.
لذلك فليتحمل الكل مسؤوليته أمام الله وأمام الوطن وأمام التاريخ في هذه السياسة الخطيرة التي تستهدف هوية المغرب. إذا خضع المسؤول فلا يجب علينا نحن الخضوع.