عندما يسود الأشرار العالم كيف يكون حال البشرية؟!
هوية بريس – إبراهيم الناية
خلق الله الإنسان وزوده بالقدرة والاستطاعة على فعل الخير والشر ،ولكن الإنسان قد يرتقي في سلم الأخلاق والفضيلة عندما تتوفر له ظروف ارتكاب الشر، ولكنه يأبى إلا أن يفعل الخير، ولذلك يكتسب الإنسان الشر والخير وفق العقيدة التي يتبنىها في الحياة ، فإذا كانت المبادئ والقيم التي يعتنقها تدعو إلى الخير والنظر إلى الإنسان على أنه مخلوق خلقه الله، ويتعين إكرامه وتقديره والإحسان إليه، أما إذا كان ما يؤمن به الإنسان في هذه الحياة مبادئ شريرة تقوم على العدوانية وسفك الدماء ،فتلك هي بداية الإفلاس والإنهيار .ولذلك فالخير والشر لا يأتيان من فراغ ،لأن هناك ثقافة تصنع الإنسان الذي لا يرى منه الناس إلا الأمن والخير ،وهناك ثقافة تدعو إلى الشر والإضرار بالآخرين ،كما قال “هوبز” في يوم ما : “الإنسان ذئب على أخيه الإنسان ” .وعندما جاء الإسلام أحدث انقلابا هائلا في المفاهيم والتصورات، فقد كانت الجاهلية تعيش على واقع النعرات والتباهي بالأنساب واحتقار الضعفاء الذين كانوا يعيشون المذلة، ولكن الإسلام العظيم غير كل شيء وأصبح الناس أحرارا وسواسية .”إن أكرمكم عند الله أتقاكم” . ولكن للأسف إن هذه الرؤية المضيئة التي تبناها الإسلام وآمن بها أهله والتزموا بها في واقع حياتهم لم تكن التوجه الذي تبناه الغرب، فقد نجد ومنذ العهد اليوناني أن الفيلسوف ارسطو يرى أن العبد أداة من أدوات المنزل، بل إن بعض فلاسفة اليونان كانوا عبيدا ولذلك إن فكرة الشر والاستعلاء عند الغرب تمتد جذورها في تراثهم الثقافي منذ القدم.
اذا إن ثقافة الشر ناشئة عن روح انتقامية مؤداها : احتقار الآخر واعتباره ليس مؤهلا للحياة كما يراها الشرير، ومن ثم إن عقلية الشرير تبلورت وفق معطيات ومعتقدات سادت فترة زمنية، ولذلك إن الذين يعتبرون أنفسهم شعب الله المختار وأن الأمميين: أي كل البشر غير اليهود خلقوا من أجل أن يركبهم شعب الله المختار ،وأنه كلما نفق حمار ركبنا حمارا آخر .فهؤلاء هم الذين تطاولوا على الذات الإلهية “إن الله فقير ونحن أغنياء “وتبعا لذلك يحملون عقلية إجرامية تقوم على إقصاء الآخر وتعتبره غير جدير بالحياة، ومن ثم يعتبر القتل والسفك وسيلة لتحقيق الهدف ولا يتورعون في قتل الأطفال الرضع والنساء الحوامل ،والأشخاص الطاعنين في السن ،وقد ورثت الصهيونية وهي صناعة غربية خالصة ثقافة الاستعلاء والاستكبار عن الغرب، وهي الثقافة التي خولت له أن يفعل ما يشاء ولذلك يعتقد الغربيون أن لهم الحق في استعمار الشعوب الضعيفة بل قتل مواطنيها فضلا عن نهب خيرات بلادهم ،فهذه العقلية الشريرة قائمة على الأنانية المفرطة وإلغاء الآخر حصرت مفهوم الإنسانية والتفوق في عنصر بشري محدد ،وهكذا رأينا ما فعله الاستعمار الغربي في مستعمراته، متسلحا بمفاهيم الرأسمالية المتوحشة، ومتخذا وسائل الدمار الشامل، كما وظفت أمريكا كل خبراتها من أجل الاستقواء على الشعوب وتحقيرها، كما رأينا ما فعلته الشيوعية من بشاعات ومظالم في حق الشعوب من قتل وسفك الدماء، فعندما تسود ثقافة الشر تنتشر الموبقات التي تدمر الحياة البشرية ، لأن الذي يردع تلك الشرور هو الإيمان بالله والخوف من يوم الحساب، لأن الإيمان بالله هو الضمان الوحيد للجم وكبت تلك النزوات والغرائز ، فكلما ابتعد الإنسان عن الله ساءت أخلاقه وعظمت شروره وأصبح يعيش خارج القانون الذي يضمن الإطمئنان والسكينة والسعادة للبشرية. فهؤلاء الأشرار قد تجردوا من كل بعد إنساني ومن كل فضيلة وأصبح المبدأ القائل: الغاية تبرر الوسيلة هو المبدأ المركزي والأساسي في حياتهم ومن ثم إن الشر وليد فكر وثقافة وعقلية، فهو لم يأت من فراغ بل هناك مذاهب فلسفية وإديولوجيات تدعو إلى ذلك. فالفلسفة النفعية البرغماتية التي ولدت في الإنسان الأنانية المفرطة وحب المصلحة حتى أصبح الإنسان لا يعرف إلا ذاته ومصلحته ويستطيع أن يضحي بكل شيء من أجلها، ولو بإبادة شعوب بكاملها ،فهذه الفلسفة البرغماتية ترى أن الأفكار لا تكون صحيحة إلا بقدر ما تجلب لنا من منافع، وقد طبقت دول الهيمنة والاستعمار هذا المبدأ في سياساتها أثناء تعاملها مع الآخرين ولم تكن المادية التاريخية أفضل حال من سابقتها فهي تقوم على الصراع الطبقي المؤسس على عقلية الحقد والكراهية بين الأغنياء والفقراء، ولم يكتف تاريخ الفلسف بهذين النموذجين ،بل هناك أكثر من توجه يرى أن الناس منقسمون إلى سادة وعبيد، بل إن العمل اليدوي لا يتلائم إلا وطبيعة العبيد، ولذلك إن ثقافة الشر المنتشرة في الغرب وغيره جسدها الغزو العسكري والثقافي على حد سواء ،وكان الهدف هو استعباد الشعوب الضعيفة استنادا على مبدأ القوي يأكل الضعيف وقد وظف الغرب الاستعماري مجموعة من الأتباع يمارسون التخريب من الداخل، فهؤلاء يمهدون الطريق للأشرار الكبار من أجل السيطرة والاحتلال. وانسجاما مع هذه الرؤية وإبعادا لكل بعد أخلاقي وإنساني هيمنت عقلية الشيئية على جوانب حياة الإنسان وأصبح كل شيء موظفا لخدمتها من فكر وثقافة وغيرها.
إن هؤلاء الأشرار أغبياء.
لأنهم لا يؤمنون إلا بلغة الجسد ولا يدركون الحقيقة لأنهم لا يبحثون عنها أصلا، ولو كان فيهم بصيص من إنسانية لسلكوا طريق الفضيلة. وكم كان الفيلسوف الفرنسي سارتر محقا عندما قال : إن الناس الأذكياء جيدا لا يمكن أن يكونوا أشرارا لأن الشر يتطلب غباء ومحدودية في التفكير.