هل يصمد “الحوثيون” في البحر الأحمر؟!
هوية بريس- محمد زاوي
ربما يكون الحديث عن صمود “الحوثيين” من عدمه اصطناعا للعجلة؛ فهل هبّ “الحوثيون” حقا لنصرة فلسطين؟! هل هو ميزان قوى تحكمه الجغرافيا السياسية لأطراف التناقض في الشرق الأوسط أم صراع يقتحمه “الحوثيون” بدافع نصرة خالصة؟! لا ننفي العقائد والعواطف عن أصحابها، وإنما نتحدث في مجال لا حديث فيه عن الصدفة والعفوية، بل تُحسَب فيه السياسات حسابا دقيقا.
لماذا تحرّك “الحوثيون” منذ أول وهلة إذن؟ وما الدافع للتصعيد في هذا الوقت بالذات؟ أليس لإيران علاقة بالموضوع؟ أ لا يمكننا الحديث عن تنسيق مع “حزب الله” اللبناني في الموضوع؟ وما الهدف من هذه العلاقات إن وُجِدت؟ وكيف يمكننا فهم الهجمات الأمريكية البريطانية على “الحوثيين” في هذا السياق؟
يمكن تفسير تدخل “الحوثيين” بعدة اعتبارات:
-الاعتبار 1:
التعبير عن وجهة نظر إيران في الحرب بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية. فمن جهة لا تستطيع إيران التدخل بشكل مباشر في الحرب مخافة التورط دوليا، ومن جهة أخرى “لا تستطيع ترك الجمل بما حمل” في منطقة تراهن عليها كثيرا. “الوكلاء” إذن يفون بالغرض، يمكن ل”حزب الله” و”الحشد الشعبي” والحوثيين” (الخ) أن يفرضوا وجهة النظر الإيرانية على طاولة المفاوضات وإن لم تشارك في الحرب بشكل مباشر.
-الاعتبار 2:
استثمار الحرب لتعزيز مكتسبات كل فصيل في موقعه. ف”الحوثيون” مثلا يسعون إلى توسيع نفوذهم في اليمن على حساب الوجود السعودي والوجود الإماراتي، ومن شأن الضغط الأمريكي أن يحقق بعض ذلك. ربما يستغل “الحوثيون” رغبة الأمريكيين في عدم اتساع الحرب، فيسعون للي ذراع أمريكا في سياق يجب اغتنامه جيدا. إذ رغم التفوق العسكري لجماعة “أنصار الله الحوثي”، ورغم سيطرتهم على العاصمة اليمنية صنعاء، لم يتخلصوا بعد وبشكل نهائي من تهديدات أطراف موالية للإمارات، وأخرى للسعودية، و”التجمع الوطني للإصلاح”، فضلا عن الموالين لنجل علي عبد الله صالح والجماعات الإرهابية في اليمن. في هذا الواقع بالذات، لا بد أن عبد الملك الحوثي يبحث عن مصالح بعينها لفاىدة جماعته!
-الاعتبار 3:
تخفيف الضغط الإعلامي والسياسي على “حزب الله” اللبناني. فمن شأن نقل المعركة من حدود لبنان الجنوبية إلى منطقة أبعد هي البحر الأحمر؛ من شأن ذلك أن يحول دون تصعيد التوترات في الضاحية الشمالية لفلسطين المحتلة. وهذا مما تريده أمريكا، ولكن في حدود معينة ربما تجاوزها “الحوثيون” خدمة لمصالح وأجندات أخرى. الهجمات الأمريكية-البريطانية تُفهم في هذا السياق، وهي للردع لا لتوسيع رقعة الحرب. وهذا ما تفهمه إيران وفصائلها جيدا، وربما كانت تتصرّف على ضوئه قبل التصعيد الأخير. فكان التصعيد تمهيدا للتفاوض، وتقويةً لموقع إيران وفصائلها فيه، لا أقل ولا أكثر.
****
إن صفعة “قصف السفن المتجهة من وإلى إسرائيل” ليست موجهة للكيان الصهيوني بدرجة أولى، فما هذا الكيان إلا قاعدة اقتصادية وعسكرية أمريكية. الصفعة موجهة لأمريكا بالذات، وإيران أرادت توجيه بعض الرسائل للولايات المتحدة الأمريكية حتى تراها رأي العين في صراع تتعدد الرهانات عليه. ولا ينفي هذا ما يحققه قصف السفن عرَضا، من تحقيق لمصالح “الحوثيين” في اليمن، وتحفيف لضغط التوتر جنوب لبنان، وهو ما تقوم به فصائل إيران في العراق وسوريا أيضا.
في نفس الإطار، لا يجوز تجاهل المصالح الروسية المارة عبر باب المندب، والتي يتوجه بعضها نحو “إسرائيل” تحديدا. استحضار العلاقات الروسية الإيرانية يجعلنا نتوقع الحدود الذي سيقف عندها “التصعيد الحوثي”، الاستنكار البارد للإدارة الروسية يوحي بأفق “الغارة على اليمن”!