– فيبداية هذا الحوار أود منك أن تعرف القراء بالأستاذ بمصطفى الحسناوي..
مصطفى الحسناوي هو ناشط في ميدان الإعلام والفكر والثقافة وكذا الحقوق، كان لدي انتماء سياسي وحركي منذ حوالي 16 سنة لحزب العدالة والتنمية وجناحه الدعوي، وفي هذه المدرسة بدأت عملي الصحفي كمراسل لجريدة التجديد حين كانت أسبوعية، وعمري حينها 20 سنة. ثم راكمت بعدها عدة مقالات وتقارير ور;بورطاجات وتحقيقات ومشاركات في منابر إعلامية ورقية وإلكترونية وطنية وعربية، وكذا شاركت في ندوات ولقاءات عدة داخل وخارج المغرب، كما كان لدي نشاط حقوقي، متمثلا في بعض المبادرات الفردية أو انخراطي في منتدى الكرامة، أو تعاملي مع جمعية الكرامة بسويسرا.
– في العاشر من ماي 2013 سافرت بعدتك الصحفية إلى تركيا، هل يمكن أن تطلعنا عن سبب سفرك؟
كأي مواطن مغربي وكأي عربي أو مسلم، تفاعلت مع القضية السورية، تعاطفت مع الشعب السوري، استنكرت جرائم النظام السوري حينها، وفي هذا الإطار أنشأت رفقة بعض الفاعلين الشباب الذين جمعني بهم الفضاء الافتراضي، صفحة على الفيسبوك، تعنى بالعائلات السورية المتشردة بالمغرب، بالتزامن مع ظاهرة تسول العائلات السورية أمام أبواب المساجد، وهكذا تواصلنا مع بعض العائلات وحاولنا مساعدتها قدر الإمكان بما تيسر من مال أو طعام أو ملابس، وتطورت الفكرة إلى إنشاء الصفحة على الفيسبوك من أجل توسيع دائرة النقاش والمبادرات والفاعلين والاقتراحات، -والصفحة لاتزال لحد الساعة على الفيسبوك، وقد تم التحقيق معي بشأنها- وهكذا تعرفت على عائلة سورية، كانت حالة إنسانية مؤثرة، بحيث أن العائلة تشتت أفرادها في عدد من دول العالم، بعضهم في الأردن والبعض في تركيا، والآخرون في دول أوربية، وقسم حل بالمغرب.
وهكذا تولدت لدي فكرة أن أنطلق من هذه العائلة لأسجل مع أفرادها سواء هنا في المغرب أو في الأردن وتركيا، بعد أن أخذت أرقام هواتفهم، من أجل إنجاز حوارات أو تقارير أو أي جنس من الأجناس الصحفية التي ستعكس هذه الحالة الإنسانية، وتوصل صوتهم وصورتهم. وقد ناقشنا الفكرة في الصفحة، وقررت السفر وكان أغلب الأصدقاء والمتابعين للصفحة على علم بمشروعي، وهكذا سافرت ومرت الأمور في مطار محمد الخامس عادية جدا، لكن للأسف تم منعي من دخول الأراضي التركية في مطار اسطانبول، دون إبداء أي توضيح، رغم أنه سبق لي زيارة تركيا وليس لدي أي مشكل مع هذا البلد، وهكذا تم إرجاعي حتى دون أن يتم ختم جواز سفري، رجعت على متن نفس الطائرة التي أخذتني وقد كانت التذكرة موضوعة على طاولة بمكتب أمن المطار، كانت تذكرة العودة في انتظاري، وهذا من أغرب الأمور.
– نشرت يومية معروفة بعدائها الكبير للإسلاميين أن سبب طردك من سوريا واعتقالك في المغرب هو الرغبة في التحاقك بجبهة النصرة، فما تعليقك؟
هذا الكلام غير صحيح لعدة اعتبارات أولها أن سفري كان لغرض إنجاز مهمة صحفية، ثانيا هذه المنابر لا أدري من أين استقت هذه المعلومة، لأن كلاما كهذا لم يرد على لساني أثناء التحقيق، ثالثا إن كنت لم أتمكن حتى من دخول الأراضي التركية وجوازي شاهد على ذلك بحيث أنه لا يحمل ختم الدخول، فكيف علمت هذه المنابر بأني كنت سأدخل الأراضي السورية، وأني إن دخلت سألتحق بصفوف المعارضة المسلحة، وأكثر من ذلك استطاعت هذه المنابر تحديد اسم فصيل معين، هذا أمر غريب حقيقة، وخيال خصب، واتهام باطل، وتجني مفضوح.
– في مقالك “عسل لبن كرموص هندي” وهو شبه بيان أكدت فيه أن ملفك فارغ وأن قضيتك مفبركة، لكن الحكم الابتدائي جاء خلاف ما قلت حيث حوكمت بأربع سنوات سجنا نافذا. كيف تفسر ذلك؟
أنا حكمت انطلاقا من التهم التي وجهت لي، وهي تهم كبيرة وخطيرة، تنوء بحملها الجبال كما يقال، كتهمة تشكيل عصابة من أجل تهديد الأمن العام للبلاد، وتهمة عدم التبليغ عن جريمة إرهابية، المضحك أن العصابة المذكورة تتشكل من الحسناوي وحده، العقل المدبر والمخطط والمنسق والمنفذ. أما بخصوص عدم التبليغ عن جريمة إرهابية فلم يتم التوضيح ولا التحديد لتلك الجريمة المزعومة، هل كانت مجرد تخطيط أم تم تنفيذها وأين؟ وكيف أني لم أبلغ؟ هل كنت أعلم أم كنت مشاركا؟ لذلك اعتبرت في ذلك المقال البيان، أن التهمة مفبركة وأن الملف فارغ،
– هل كتاباتك كانت هي سبب ترحيلك في 28 غشت 2013 من سجن سلا إلى سجن القنيطرة؟
هناك ترحيل يكون بطلب من المعتقل، وهناك ترحيل عقابي، ترحيلي كان عقابيا، بسب تحركاتي عموما، والكتابة كانت جزءا من تلك التحركات، لأني كنت نشيطا في مجال حقوق السجناء، أعمل على تنظيمهم وتأطيرهم من أجل المطالبة بحقوقهم، والتصدي للانتهاكات التي تمارس بحقهم، وتحركاتي تلك جلبت علي مصاعب جمة، فكانت عقوبة الترحيل.
– بعد اعتقالك بأشهر تم تأسيس لجنة وطنية للدفاع عنك تشكلت من حقوقيين وإعلاميين وغير ذلك، فهل كان لهذه اللجنة دور في التخفيف من معاناتك؟
بالنسبة لأي معتقل أي تضامن أو اهتمام من خارج أسوار السجن، فيه دعم نفسي كبير للمعتقل. وأن تتشكل من أجل قضيتك لجنة وطنية تتكون من عدد من الجمعيات المشتغلة بالمجال الحقوقي، هذا له دور كبير في مآزرتك ومساندتك وفي دعمك نفسيا، بالإضافة أن تحركات اللجنة كان لها انعكاس على قضيتي على مستوى التفاعل وإيصال صوتي والتعريف بقضيتي.
– في 28 أكتوبر 2013 خفف الحكم الصادر في حقك من 4 إلى 3 سنوات، كيف تلقيت حينها هذا التخفيف؟
كنت كتبت حينها بيانا جاء فيه أنه تخفيف بطعم الزيادة، لأنه بالنسبة لي ثلاث سنوات أو أربع سنوات الأمر سيان، لأنه جاء في الوقت الذي كنت انتظر حكما بالبراءة، وهذا بشهادة كل المتابعين، الذين اعتبروا قضيتي سياسية وملفي فارغا، وأني معتقل رأي، وقد ساد لدي انطباع بل قناعة أنه سيفرج عني لأنه ليس هناك ما يدينني، ولا تتوفر أركان الجريمة بتاتا في قضيتي، كانت تهما إنشائية، لم تقم عليها الجهات التي تابعتني أي دليل، لذلك أربع سنوات كانت قاسية وثلاث سنوات أيضا كانت قاسية، ولم يشكل ذلك أي فرق عندي.
– سبق ووجهت رسالة مطولة إلى وزير العدل والحريات وطالبته بالزيارة، هل تفاعل معك؟
للأسف الشديد الأستاذ مصطفى الرميد، خاطبت فيه الوزير بصفتي مواطن مغربي مظلوم، وبصفتي صحفي صاحب رسالة مقموع، وخاطبت فيه الانتماء السياسي للإطار الذي كان يجمعني به سابقا، خاطبت فيه مجموعة من الجوانب، لكن للأسف لم يستجب ولم يتحرك فيه أي جانب من الجوانب التي خاطبت، بل وجهت له رسائل في أقل من هذا الموضوع، ولم يتفاعل بتاتا. لكنه كان لا يفوت الفرصة في أي خرجة إعلامية أو جلسة برلمانية ليتحدث عن القضاء النزيه، وهذا أمر كنت اعتبره مستفزا لي ولغيري من السجناء المظلومين، الذين يعانون من عدم استقلالية القضاء وعدم نزاهته.
– هل زارتك اللجنة الوطنية للدفاع عنكم داخل السجن؟
أبدا، قامت بمحاولات ومراسلات للمندوبية، وكنت على اتصال برئيس اللجنة الأستاذ زهاري محمد، الذي حاول مرارا أخذ إذن بالزيارة، لكن للأسف لم يسمح له. وهذا يطرح مشكلة المعايير المعتمدة للسماح للجمعيات أو النشطاء الحقوقيين بزيارة أماكن الاعتقال والاحتجاز، وهذه قضية يجب إعادة النظر فيها، أقصد الجمعيات المسموح لها من غيرها، والمعايير والشروط المعتمدة.
– بعد تدخل منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة في شخص الفريق المعني بالاعتقال التعسفي وإصدارها قرارا يطالب بإطلاق سراحك، وجبر الضرر الذي لحقك؛ بحكم أن الاعتقال كان تعسفيا؛ توسعت دائرة الجمعيات المدافعة عنك، كيف تفسر موقف الجمعيات المنظمة بعد القرار؟
الموضوع للأسف يطرح مشكلا كبيرا، يتعلق بارتباط قرارات ومواقف بعض الجمعيات ببعض الجهات الأجنبية، لذلك فتحرك بعض الجهات، في ذلك الوقت المتأخر، بالنسبة لي لم يكن له أي وقع أو صدى عندي، بالشكل الذي أحدثته الجهات التي تحركت مبكرا عند بداية قضيتي دون انتظار، ضوء أخضر أو تحرك من شرق أو غرب.
– قادت بعض المنابر حملة تحريضية ضدك؛ وذهب رئيس تحرير منبر إلكتروني في افتتاحية له إلى حد تكفيرك؛ فهل كان لك عداء مع بعض المنابر ما جعلها تتحامل عليك أم أن الأمر له تفسير آخر؟
بدون تعليق، حقيقة بدون تعليق، حين يأخذ صحفي السوط ويصطف إلى جانب جلادك وسجانك، ويتناوب معه على جلدك، وحين يرميك صحفي بتهم لم يتهمك بها القضاء، بل حتى قبل أن يصدر القضاء حكمه، وهو يعتقد أنه يقوم بأداء رسالة إعلامية نبيلة، فهذا سلوك لا يمكنني التعليق عليه، وهو بالمناسبة يطرح علامة استفهام كبيرة حول ذلك الصحفي وأمثاله.
– من المفارقات الغريبة التي وقت لك وأنت داخل السجن أنك رزقت بمولودين، واحد أدبي والآخر بشري، حيث ولد لك ابنك جهاد، وطبع لك أيضا كتاب (الأدوار السياسية للعلماء)، فما كان شعورك حينها؟
هما مولودان آدمي وأدبي، إحساسي بعد ولادة ابني جهاد عبرت عنه حينها بمقال نشر بعنوان حوار بين مولود ومفقود، هو موجود على الشبكة العنكبوتية، أما شعوري بالمولود الثاني وهو الكتاب الذي ذكرت، فقد أعطاني شحنة ودفعة كبيرة، بعد أن أثبتت مجددا من داخل السجن، أني إنسان يشتغل في ميدان الفكر والثقافة والبحث، فكان الكتاب رسالة بليغة جدا، مفادها أن هذا الشخص المسجون لا علاقة له بالتهم الموجهة إليه، وأنه إن سجن بغرض تكميم فمه، وإسكات قلمه، فهو لا يزال مستمرا على ما كان عليه، ومن داخل السجن.
في ختام هذا الحوار أود منك التعليق وباختصار على ثلاث أسماء:
محمد الزهاري (الرئيس السابق للعصبة المغربية لحقوق الإنسان): الأستاذ محمد زهاري رجل والرجال قليل، أوجه له التحية بالمناسبة وأشد على يديه، لأنه قدم لي الكثير وتحمل أعباء الدفاع عني منذ البداية، بكل ما تحمل كلمة التحمل من معنى.
محمد صالح التامك: هو المندوب العام للمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، أطلب منه أن يخفف قبضته الأمنية على السجناء، لأنهم فعلا يعانون بكل معنى كلمة المعاناة.
خديجة الرويسي: أهنئها بمنصبها الجديد، الذي تولته بعد انسحابها من ملف الدفاع عن حقوق الإنسان، الذي لم تقدم فيه شيئا، وقد تواصلت معها مرارا من داخل السجن وحاولت عرض قضيتي عليها، لكن للأسف لم تتجاوب.
