كتب الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-، في كتابه “مقالات في كلمات” (1/ 53):
“وقع مَرة بيني وبين صديق لي ما قد يقع مثله بين الأصدقاء، فأعرضَ عَني وأعرَضتُ عنه، ونأَى بِجانبه ونَأيتُ بجانبي، ومَشى بَيننا أولادُ الحلال بالصُلح، فَنَقلوا مِني إليهِ ومِنهُ إليَّ! فَحَوَّلوا الصَدِيقَيْن بِبَركة سَعيهِم إلى عَدُوَّين! وانقطع ما كان بيني وبينه، وكان بيننا مودة ثلاثين سنة.
وطالت القَطيعة، وثقُلَت عَلَيَّ، ففكرت يوماً في ساعة رحمانية، وأزمَعتُ أمراً، ذهبت إليه فطرقتُ بابَه، فَلَمَّا رأتنِي زَوجُهُ كذَّبت بَصرَها، ولَما دخلت تُنبِئه كذَّبَ سمعَه، وخَرج إليَّ مشدوهاً! فما لبثته حتى حَيَيْتُه بأطيب تحية كنت أُحيِّيه بها أيام الوداد، واضطر فحَياني بمثلها، ودعاني فدخلتُ، ولم أَدَعه في حيرته، فقلت له ضاحكاً: لقد جئت أصالحك! وذكرنا ما كان وما صار، وقال وقلت، وعاتبني وعاتبته، ونفَضْنا بالعِتاب الغبار عن مَوَدَّتنا، فعادت كما كانت، وعُدنا إليها كَما كُنَّا.
وأنا أعتقد أنَّ ثلاثة أرباع المُختلفين لو صَنَعَ أحدُهما ما صَنعتُ لذَهب الخِلاف، ورجع الائْتلاف”.