علماء المغرب والاحتفال بالمولد النبوي
إلياس الهاني
هوية بريس – الإثنين 13 يناير 2014م
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تمثل قضية الاحتفال بالمولد النبوي أحد أهم المرتكزات التي تركز عليها الصوفية في الترويج لباطلها على المستوى الشعبي، وتكتسب بها زخما إعلاميا وسياسيا، ومن هنا كان الاحتفال به لونا من ألوان الظهور بالمظهر الشرعي المتلبس بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد اتفق المحققون على أن أول من احتفل بهذه البدعة هم العبيديون المنتسبون زورا وبهتانا لفاطمة رضي الله عنها وذلك في سنة 361هـ على يد المعز لدين الله. وظل هذا عند بني عبيد في مصر وبعض الشام إلى أن انتهت دولتهم؛ وكان الهدف الرئيس من أحداث هذه الموالد هدفا سياسيا لتثبيت حكم بني عبيد ولم يكن لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ولا لمحبة آل بيته فيه أي نصيب.
ومع مرور الزمن بدأت تفنن هذه الطقوس حتى وصلت إلى ما نشاهده في العصر الحاضر من مظاهر احتفالية كبيرة ومتنوعة في سائر أرجاء العالم الإسلامي؛ تشمل الأمور التعبدية -طبعا المبتدعة- كما تشمل الدنيوية من أكل وشرب ولهو…الخ.
ومما لا شك فيه أن كافة العلماء والمؤرخين أجمعوا على أن الصحابة والتابعين وأتباعهم وكذا الأئمة الأربعة لم يعرف عنهم الاحتفال بالمولد النبوي.
ومن أكثر العلماء تصنيفا وتشنيعا على هذا الاحتفال علماء المغرب؛ ومن خلاله يتبين للمنصف المتجرد من الهوى أن هذا الاحتفال بدعة عند المحققين من العلماء الربانيين، وأن من يستحسن هذه البدعة إنما يفعل ذلك إتباعا للهوى وإرضاء لعامة الناس،و ليعلم القارئ أن المتأخرين من المغاربة الحقوا بالدين استحسانات ليس عليها دليل مما لو سمعها الأئمة المتقدمين لتبرؤا منهم فنسال الله الهداية والثبات.
وإنني أضع بين يديك أخي القارئ هذا البحث المتواضع لتقرأه بعين البصيرة؛ تقرأه بغية الوصول للحق؛ وتقرأه بعيدا عن التعصب لعلماء بلدك أو مذهبك أو ما تعودت عليه:
1- أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي المالكي المتوفى سنة474 هـ: ألف رسالة سماها “حكم بدعة الاجتماع في مولد النبي صلى الله عليه وسلم”، وقد نشرت هذه الرسالة في مجلة الإصلاح المجلد الأول/العدد الخامس/ص:278، أنكر فيه الاحتفال بالمولد النبوي وحكم عليه بالبدعة.
2- أبو حفص تاج الدين عمر بن علي الفاكهاني المالكي المتوفى سنة731هـ: صنف “المورد في عمل المولد”، وقد طبع بتحقيق الشيخ علي حسن الحلبي قال في الصفحتين 8-9: «لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً. وهو ليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً؛ لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون ولا العلماء المتدينون -فيما علمت- وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت.
ولا جائز أن يكون مباحاً؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين. فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً، أو حراماً».
3- العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد العبدري الفاسي الشهير بابن الحاج المتوفى سنة737هـ: قال في كتابه المدخل (2/312): «فإن خلا -أي عمل المولد- منه -أي من السماع- وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره -أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس إتباعا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم… الخ».
وقال كذلك: «وبعضهم -أي المشتغلين بعمل المولد- يتورع عن هذا -أي سماع الغناء وتوابعه- بقراءة البخاري وغيره عوضاً عن ذلك، هذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير، لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى، ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها».
4- العلامة أبو العباس القباب أحمد بن قاسم الجذامي المتوفى ما بعد 780هـ: جاء في “المعيار المعرب” للونشريسي (12/49): وقد سئل عن أشياء تقام في هذا اليوم كوقد الشمع والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومدحه وغيرها فأجاب رحمه الله: “جميع ما وصفت من محدثات البدع التي يجب قطعها ومن قام بها أو أعان عليها أو سعى في دوامها فهو ساع في بدعة وضلالة، ويظن بجهله أنه بذلك معظم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قائم بمولده، وهو مخالف سنته، مرتكب لمنهيات نهى عنها صلى الله عليه وسلم، متظاهر بذلك محدث في الدين ما ليس منه، ولو كان معظما له حق التعظيم لأطاع أوامره فلم يحدث في دينه ما ليس منه ولم يتعرض لما حذر الله تعالى منه حيث قال: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم)، وأما ما يأخذه المعلم من ذلك فان كان إنما يعطاه على القيام بهذه البدع والقيام بتلك الأمور فلا خفاء بقبح المأخوذ على هذا الوجه).
5- أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي المتوفى سنة 790هـ: قال كما في “المعيار المعرب” (9/252): “إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة، وكل بدعة ضلالة، والإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز”.
6- الشيخ العلامة أبو عبد الله محمد الحفار الغرناطي المتوفى سنة 811هـ: قال كما في “المعيار المعرب” للونشريسي (7/99-100): “ليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة، ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعظم إلا بالوجه شرع فيه تعظيمه، وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله، لكن يتقرب إلى الله جل جلاله بما شرع، والدليل على أن السلف الصالح لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها، فقيل إنه صلى الله عليه وسلم ولد في رمضان وقيل في ربيع، واختلف في أي يوم ولد فيه على أربعة أقوال، فلو كانت تلك الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها عبادة بولادة خير الخلق صلى الله عليه وسلم، لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها اختلاف، ولكن لم تشرع زيادة تعظيم ألا ترى أن يوم الجمعة خير يوم طلعت عليه الشمس وأفضل ما يفعل في اليوم الفاضل صومه وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة مع عظيم فضله فدل هذا على أنه لا تحدث عبادة في زمان ولا في مكان إلا إن شرعت وما لم يشرع لا يفعل إذ لا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما أتى به أولها.
ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا يوم هجرته إلى المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام فيجتمع فيه ويتعبد.
ويقول آخرون الليلة التي أسري به فيها حصل له من الشرف ما لا يقدر قدره، فتحدث فيها عبادة.
فلا يقف ذلك عند حد، والخير كله في إتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له، فما فعلوا فعلناه وما تركوا تركناه، فإذا تقرر هذا ظهر أن الاجتماع في تلك الليلة ليس بمطلوب شرعا، بل يؤمر بتركه”.
7- أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى سنة 914هـ: قال رحمه الله في “المعيار المعرب” (8/255): “قيل وإن كان معظما عند المسلمين لكن وقعت فيه قضايا أخرجته إلى ارتكاب بعض البدع من كثرة الاجتماع فيه أي اجتماع آلات اللهو إلى غير ذلك من البدع غير المشروعة والتعظيم له صلى الله عليه وسلم، إنما هو باتباع السنن والاقتداء بالآثار لا بأحداث بدع لم تكن للسلف الصالح”.
8- العلامة محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي المتوفى سنة1376هـ: ألف “صفاء المورد بعدم القيام عند سماع المولد” حيث عبر فيه عن كراهية القيام عند ذكر مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في الصفحة 3: “وحقيقة قيام المولد أنه عند سرد المولد الشريف والوصول لذكر وضع أمه له صلى الله عليه وسلم ينهض جميع من حضر وقوفا على الأقدام ويبقى الكل على تلك الحالة مدة ليست بقصيرة أكثر من مدة الصلاة على الجنازة بكثير والقارئ يقرأ المولد وهم يصلون على النبي صلى الله عليه وسلم” وقد بلغ ببعض الحانقين عليه إلى تكفيره.
9- العلامة محمد العابد السودي خطيب الحرم الأندلسي المتوفى سنة 1359هـ: له “مسامرة الأعلام وتنبيه العوام بكراهة القيام بذكر مولد خير الأنام”، وهو انتصار للعلامة الحجوي في إنكاره لبدعة القيام في المولد النبوي.
10- الشيخ العلامة محمد المصوري الفاسي: له كتاب “سوط الإفهام والإفحام بما في روض الأمنية والأماني من الإلحاد والتحريف والأوهام” وهو رد على أحد المصنفين الفاسيين الذي رد على الحجوي.
11- العلامة السلفي أحمد الخريصي المتوفى ما بعد 1403هـ: ألف “المتصوفة وبدعة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم” تحدث فيه عن نشأة التصوف وتطوره عبر التاريخ وتسارع المتصوفة إلى البدع والمبتدعات وإغراقهم في ذلك.
قال رحمه الله “لا بلية أصابت المسلمين في عباداتهم وعقائدهم أخطر من بلية المتصوفة إذ من بابهم دخلت على المسلمين تصورات ومفاهيم أجنبية غريبة لا عهد لهم بها في ماضيهم النقي المجيد، ومن بابهم دخلت الوثنية وبدعة إقامة الموالد ومواسم الأضرحة والمهرجانات على عقائد المسلمين مما سنقف على نماذج منها إن شاء الله تعالى”.
وقال “إن اعتقاد اليوم الثاني عشر من ربيع الأول كعيد ثالث اعتقاد خاطئ لا يستند إلى دليل بل يعتبر اتخاذا لشرع لم يأذن به الله من تخصيص زمان بما لم يخصه به الله الذي يؤدي إلى وقوع ما وقع فيه أهل الكتاب”.
وممن أنكر من المعاصرين بدعة الاحتفال بالمولد النبوي:
12- الشيخ العلامة أبي اويس محمد الأمين بوخبزة.
13- الشيخ الدكتور زين العابدين بلا فريج.
14- الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي.
وغيرهم الكثير..
وفي الختام نقول إن ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم تتجدد مع المسلم في كل أوقاته ويرتبط بها كلما ذكر اسمه صلى الله عليه وسلم في الآذان والإقامة والخطبة، وكلما ردد المسلم الشهادتين بعد الوضوء وفي الصلوات، وكلما صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في صلواته وعند ذكره، وكلما عمل المسلم عملا صالحا واجبا أو مستحبا مما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه بذلك يتذكره.. وهكذا المسلم دائما يحيى ذكرى الرسول صلى الله عليه وسلم ويرتبط به في الليل والنهار طول عمره بما شرعه الله؛ لا في يوم المولد فقط ولا بما هو بدعة ومخالفة لسنته، فإن البدعة تبعد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم غني عن هذا الاحتفال البدعي بما شرعه الله له من تعظيمه وتوقيره ومحبته كما في قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك).
وفقنا الله وإياكم لسلوك الطريق المستقيم الذي ارتضاه لنا نبينا الكريم، والله الموفق وعليه المعتمد والاتكال، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.